الدكتورة أمان مرزا
المرأة المسلمة في الهند، تاريخيًا، على مفترق طرق بين التمكين والنضال. ولكن بفضل أنظمة الدعم المناسبة، والوصول إلى التعليم، وفرص القيادة، يمكنها أن تصبح عوامل قوية للتغيير.
تمكين المرأة مهم لأنه يعزز التنمية الشاملة. وعندما تكون النساء مُمَكَّنات، فإنهن لا يُحسنَّ حياتهن فحسب، بل يُعززن مجتمعات بأكملها. وللنساء المُمَكَّنات تأثير مضاعف، حيث يُساهمن في رفاهية الأسرة، والتعليم، والصحة، والتنمية الاقتصادية. وعلى المستوى العالمي، تُظهر الأدلة أن الدول التي تتمتع فيها النساء بتمكين أكبر تشهد نموًا اقتصاديًا واستقرارًا أعلى.
وبالنسبة إلى النساء المسلمات في الهند، اللواتي واجهن أحيانًا تحديات فريدة في الوصول إلى الفرص، يُعدّ التمكين مفتاحًا لتحقيق إمكاناتهن الكاملة. ومع تقدمنا نحو مستقبل سريع التطور، ستصبح مساهمات النساء المسلمات الهنديات في تقدم الهند أكثر أهميةً من أي وقت مضى.
فإن النساء المسلمات في الهند جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد منذ زمن طويل، حيث لعبن أدوارًا محورية في تحولها. وتركت العديد من المسلمات إرثًا دائمًا من خلال مشاركتهن في نضال الهند من أجل الحرية والإصلاحات الاجتماعية. فإن النساء مثل بيجوم حضرة محل، التي قادت ثورة ضد البريطانيين خلال انتفاضة 1857م، وعبادي بانو بيجوم، المعروفة بـ (Bi Amma)، والدة المناضل من أجل الحرية مولانا محمد علي، قمن بتنظيم المقاومة ضد الحكم الاستعماري. وتحدّت هؤلاء النساء توقعات المجتمع وأثبتن أن الجنس ليس عائقًا أمام الشجاعة والقيادة.
وبالإضافة إلى دورهن كمناضلات من أجل الحرية، ساهمت النساء المسلمات الهنديات أيضًا في الإصلاحات الاجتماعية. وكانت بيجوم رقية سخاوات حسين كاتبة وناشطة اجتماعية، ودعت إلى تعليم المرأة وحقوقها في أوائل القرن العشرين. وكانت رؤيتها متقدمة على عصرها، وألهمت أجيالًا من النساء لمواصلة التعليم كوسيلة للتمكين.
ولقد وضعت رئاسة الهند لمجموعة العشرين مؤخرًا تركيزًا كبيرًا على التنمية التي تقودها النساء، مما يشير إلى تحول أوسع من مجرد تمكين النساء إلى وضعهن كقائدات وصانعات قرار في الساحات الوطنية والعالمية. وتتجاوز التنمية التي تقودها النساء فكرةَ توفير الفرص للنساء فقط؛ فهي تتصور مستقبلًا تكون فيه النساء في طليعة الابتكار وصنع السياسات والنمو الاقتصادي. ويتماشى هذا التحول مع الأهداف الأوسع للهند في تحقيق النمو الشامل والتنمية المستدامة.
وإن التركيز على التنمية التي تقودها النساء خلال رئاسة الهند لمجموعة العشرين تشكل اعترافًا بأن النساء يمكنهن دفع التغيير في القطاعات الرئيسة، بما في ذلك التعليم والصحة والتكنولوجيا. وتعتبر برامج مثل "Beti Bachao Beti Padhao" (أنقذو البنات، ثقِّفو البنات) والمبادرات الهادفة إلى الشمول المالي للنساء خطوات نحو تحقيق هذه الرؤية. وإن الحوار حول التنمية التي تقودها النساء يعترف أيضًا بأن النمو يجب أن يكون شاملاً وعادلاً ومتجذرًا في الفرص للجميع، بمن فيهم النساء المسلمات، اللواتي يتولين بشكل متزايد أدوار القيادة والابتكار في مختلف المجالات.
وبينما تسعى الهند لتشكيل الأجندة العالمية للتنمية، تدرك أن النساء—خصوصًا النساء المسلمات—يجب أن يلعبن دورًا أساسيًا في توجيه هذا المستقبل.
ولا يمكن مناقشة دور النساء المسلمات الهنديات في تشكيل مستقبل البلاد دون التأكيد على أهمية التعليم. فقد كان التعليم دائمًا أساس التمكين، ولقد فتح الوصول إلى التعليم الجيد أمام النساء المسلمات أبوابًا جديدة لفرص جديدة. وفي السنوات الأخيرة، هناك ارتفاع ملحوظ في تسجيل الفتيات المسلمات في المدارس ومؤسسات التعليم العالي. ووفقًا لمسح التعليم العالي في الهند 2019-2020م، ارتفع تسجيل النساء المسلمات في التعليم العالي من 4.4% في 2014-2015 إلى 6.9% خلال خمس سنوات. ويُعدّ هذا الاتجاه في التعليم مؤشرًا واضحًا إلى أن النساء المسلمات مستعدات لاحتضان مستقبل يساهمن فيه بشكل هادف في نمو الهند.
وبما أن الهند تقف على أعتاب الثورة الصناعية الرابعة، والتي يشار إليها غالبًا باسم الصناعة 4.0، فإن المستقبل سوف يتحدد من خلال الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي والأتمتة والتقنيات الناشئة. ويمكن أن تكون النساء المسلمات الهنديات، مع وصولهن إلى التعليم والموارد، لاعبات رئيسات في هذه المجالات.
وإن تشجيع المزيد من النساء على المشاركة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لن يسهم في سد الفجوات بين الجنسين فقط، بل سيضمن أن تُشكل أصوات متنوعة مستقبل التكنولوجيا في الهند. وعلى الصعيد العالمي، تشكل النساء أقل من 30% من القوى العاملة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ولكن مع جهود مركزة نحو الشمولية، يمكن أن ترتفع هذه النسب بشكل كبير في الهند.
وبالمثل، تمثل الزراعة 4.0، المدفوعة بالتطورات التكنولوجية في الزراعة وإنتاج الغذاء، فرصة للنساء المسلمات الهنديات للمساهمة في الاقتصاد الزراعي للبلاد. ويعتبر هذا القطاع مكانًا لعبت فيه النساء، تقليديًا، دورًا مهمًا. ومع دمج الأدوات الرقمية، والزراعة الذكية، والممارسات المقاومة للتغير المناخي، يمكن أن تقود النساء الطريق نحو تحويل المشهد الزراعي في الهند.
ويوفّر التعليم 4.0، الذي يدمج التكنولوجيا مع التعلم، للنساء المسلمات فرصة للتأثير في الجيل القادم من المتعلمين. ومن خلال أن يصبحن معلمات ومستشاريات ومبتكرات في قطاع التعليم، يمكنهن المساهمة في دفع تحول ثقافي يركز على التفكير النقدي، وحل المشكلات، والإلمام الرقمي.
ويُعدّ التغير المناخي مجالًا آخر يمكن أن تتولى فيه النساء المسلمات الهنديات أدوارًا قيادية. ومع استمرار التغير المناخي في تهديد سُبل العيش، خصوصًا في المناطق المعرضة للخطر، يمكن أن تقود النساء الجهود نحو الممارسات المستدامة، والتعليم البيئي، والدعوة إلى سياسات أكثر خضرة.
وإن الطريق إلى مستقبل حيث تساهم النساء المسلمات الهنديات بشكل رئيس في الصناعة 4.0، ومجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والزراعة، والتعليم، والقدرة على التكيف مع المناخ قد لا يكون خاليًا من التحديات. ولا تزال الحواجز المجتمعية، والقدرة المحدودة على الوصول إلى الموارد، وضعف تمثيل المرأة في المناصب القيادية قائمة. ومع ذلك، فإن الطريق إلى الأمام مليء بالوعود. ومن خلال الاستثمار في التعليم، وتشجيع الابتكار، وتعزيز التنمية التي تقودها المرأة، يمكن أن تضمن البلاد تشكيل مستقبلها من خلال وجهات نظر متنوعة، بما فيها وجهات نظر النساء المسلمات في الهند.
وبينما تبدأ الهند هذه الرحلة، من الضروري الاعتراف بأن تمكين النساء ليس مجرد قضية سياسة، بل هو ضرورة أخلاقية واقتصادية. وتجلب النساء المسلمات، بتجاربهن الثقافية والتاريخية الفريدة، رؤى متنوعة يمكن أن تعزز النمو متعدد الأبعاد. وهنّ لسن مجرد مستفيدات من التنمية؛ بل إنهنّ مشارِكات في بناء تقدم الأمة.
اقرأ أيضًا: فيض الدين أحمد، أستاذ جامعة العلوم والتكنولوجيا-ميغالايا ضمن أفضل 2% من العلماء في العالم
وسيُشكِّل المستقبلَ أولئك الذين يمكنهم التكيف مع التغيير، واحتضان الابتكار، والقيادة بالتعاطف والمرونة. وإن النساء المسلمات في الهند، بتاريخهن الغني في القيادة ونظرتهن نحو التعليم التقدمي، على أتم الاستعداد لأن يكن في قلب هذا التحول. سواء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، أو الزراعة، أو التعليم، أو العمل المناخي، فإن مساهماتهن سوف تحدد معالمَ قصة نمو الهند في السنوات القادمة.
الدكتورة أمان مرزا أستاذ مشارك في كلية شياما براساد موخارجي بجامعة دلهي