دبي
اختتمت في دبي أمس فعاليات "القمة العالمية للعدالة والحب والسلام"، التي تُعد أكبر مؤتمر عالمي للسلام، بإعلان ميثاق السلام تحت عنوان: "رسالة حب إلى الإنسانية". وقد وقّعه 12 من الحائزين على جائزة نوبل، مؤكدين أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يزدهر إلا عندما يُوجَّه بالعدل، والحوار المفتوح، والالتزام الراسخ بالعدالة، والحب، والحرية.
وافتتح ضيف الشرف، الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش في دولة الإمارات، اليوم الثاني من القمة في مركز دبي للمعارض - إكسبو سيتي بكلمة رئيسة أكد فيها أن حكمتنا هي التي ستفضي إلى إحلال السلام وتعزيزه بين الأمم، وهي التي ستُعزز الاحترام وحقوق الإنسان للجميع وستكون حكمتنا أيضًا هي التي تمكننا من حل النزاعات بالوسائل السلمية، مشيرًا إلى حكمة قادة دولة الإمارات، مؤكدًا أن هذه الحكمة جعلت من الإمارات دولة التقدم والازدهار والاستقرار.
وأضاف نهيان بن مبارك "حكمتنا هي التي ستضمن رخاء اقتصاديًا يصل إلى الجميع في المستقبل، وتحسن ظروف المعيشة في جميع أنحاء العالم، وستجعل من تنوعنا الثقافي والاقتصادي والديني أساسًا للاحترام المتبادل، وتعزيز قدرتنا على إحداث تغيير كبير من خلال العمل المشترك".
وجدد الحائزون على جائزة نوبل دعوتهم لعالم يسوده السلام والعدالة من خلال ميثاق السلام "رسالة حب إلى الإنسانية" والذي سيقدم إلى الأمم المتحدة، بحسب ما ذكره الدكتور حذيفة خوركيوالا، رئيس حركة "أنا صانع السلام"، وهي الجهة المنظمة للقمة.
ونص الميثاق المشترك في مقدمته على أن السلام ليس مجرد غياب الصراع، بل هو حضور العدالة والحب والسلام، والالتزام بتعزيز المبادئ التي تغذي الوئام والتقدم والمساواة الإنسانية للجميع، والإيمان بأن السلام الحقيقي لا يمكن أن يزدهر إلا حين يوجه بالعدل والحوار المفتوح والالتزام الثابت بالعدالة والحب والحرية.
ومن بين الحائزين على جائزة نوبل الذين وقّعوا على هذا العهد التاريخي للسلام عبد الستار بن موسى محام وناشط حقوقي، من تونس، "نوبل للسلام 2015"، وحسين عباسي تربوي، من تونس، "نوبل للسلام 2015"، وجوزيه راموس هورتا رئيس تيمور الشرقية، "نوبل للسلام 1996"، وكايلاش ساتيارثي ناشط اجتماعي، الهند، "نوبل للسلام 2014"، وليش فاونسارئيس الأسبق لبولاندا، ناشط نقابي، "نوبل للسلام 1983"، وليما غبوي من ليبيريا، "نوبل للسلام 2011"، ومحمد فاضل محفوظ رئيس نقابة المحامين التونسيين، تونس، "نوبل للسلام 2015"، والبروفيسور موهان موناسينغه من سريلانكا، "نوبل للسلام 2007"، ونادية مراد، ناشطة اجتماعية، من العراق، "نوبل للسلام 2018"، وأوسكار أرياس سانشيز رئيس كوستاريكا الأسبق، "نوبل للسلام1987"، ووداد بوشماوي من تونس، "نوبل للسلام 2015" والدكتورة شيرين عبادي ناشطة اجتماعية وقاضية ومحامية، من إيران، "نوبل للسلام 2003".
وأكد ميثاق السلام على أهمية التمسك بالقيم الأساسية للعدالة والمساواة، والإنصاف، والحوار المفتوح، وقوة المعرفة، وحق التعليم، والكرامة، والقيادة، والتعاطف، والعمل وضرورة تعزيز القيم الإنسانية السبع هي الامتنان، والتسامح، والحب، والتواضع، والعطاء، والصبر، والصدق، بإعتبارها أساس السلام الداخلي.
وألقى الحائز على جائزة نوبل للسلام، كايلاش ساتيارثي، كلمة خلال القمة، شدد فيها على الحاجة الملحة إلى التعاطف والعمل في عالم تزداد فيه مظاهر الصراع وعدم المساواة. وأكد أن فعاليات كهذه القمة تمثل منارة أمل في الأوقات الصعبة.
وقال ساتيارثي: "رغم أن العالم يشهد نموًا في المعرفة والثروة، فإن العنف واللاانسجام لا يزالان ينتشران على نطاق واسع، بل إن المعاناة لا تزال حاضرة بقوة. وفي مثل هذه الأوقات، فإن الفعاليات والحركات من هذا النوع تبث بلا شك بصيصًا من الأمل في قلوبنا، وتمنحنا شعاعًا من الأمل".
كما أشاد الحائز على جائزة نوبل باسم القمة، قائلاً: "الطريقة التي جُمعت بها مفاهيم الحب والعدالة والسلام في تسمية هذه القمة تعبّر عن ترابط هذه القيم ببعضها البعض. أشعر أن الأشخاص الذين حضروا اليوم سيتمكنون من حمل هذه الرسالة ونقلها إلى العالم".
وفي تأمله لتقليد العمل الخيري الراسخ في الهند، أشاد ساتيارثي بمساهمات قادة الشركات الهندية، قائلاً: "أشعر أن العديد من قادة الشركات في الهند يشاركون في العمل الخيري منذ زمن، فهو جزء من تراثنا. وشركات مثل تاتا وباجاج وجودريج، وغيرها كثير، ساهمت في هذا المسار".
ولكنه في الوقت نفسه حذّر من الاكتفاء بالنوايا دون تنفيذ، مضيفًا: "إذا استمررنا في الحديث عن هذه الأمور دون أن نطبقها عمليًا، فسوف ينتهي بنا الأمر إلى إنفاق الكثير من الطاقة، أكثر بكثير مما نحصل عليه في المقابل".
وأكد ساتيارثي على أهمية تحويل النوايا إلى أفعال، قائلاً: "التمنيات وحدها لا تساعدنا على تحقيق أي شيء، بل إن تحويل تلك الأفكار إلى خطوات عملية، والإرادة اللازمة لذلك، والعمل الفعلي المطلوب في كل جانب من جوانب المجتمع، هو ما أراه الأهم في هذا العالم".
وأضاف: "إذا تمكّنا من السير في هذا الاتجاه الإيجابي بفضل هذه القمة، فسيكون ذلك هو الهدف الأمثل".
واختتم ساتيارثي كلمته بالتأكيد على الدور المحوري للتعاطف في بناء عالم أفضل، قائلاً: "يمكن أن تستمر الاجتماعات واللقاءات، لكن في هذه المرحلة، ما يحتاجه العالم حقًا هو التعاطف. أرى أن التعاطف محرّك عظيم للتقدّم، وعنصر بالغ الأهمية عند السعي لبناء عالم هادئ، مخلص، سلمي وصادق...".
يُذكر أن الدكتور علي راشد النعيمي، عضو المجلس الوطني الاتحادي ورئيس لجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية في دولة الإمارات كان افتتح القمة يوم 12 أبريل، مؤكدًا في كلمته أن السلام هو حجر الأساس في استقرار المجتمعات وازدهارها، وأن العدالة القائمة على احترام الكرامة الإنسانية تمثل الطريق الأمثل لتحقيق عالم أكثر أمنًا وتفاهمًا.
وقال إن "قمة العدالة والمحبة والسلام" تشكل منصة عالمية فريدة تجمع سياسيين، وقادة دينيين، ورجال أعمال، ومفكرين من مختلف القارات والثقافات، ضمن حوار يتمحور حول القيم الإنسانية الجامعة مثل العدالة، والسلام، والمحبة، والوحدة.
وأشار إلى أن دولة الإمارات ليست فقط تجربة تنموية ناجحة، بل هي انعكاس مباشر لترسيخ قيم متجذّرة في المجتمع، نابعة من تراثنا وديننا وإنسانيتنا، وهي حاضرة في تشريعات الدولة ونظامها التعليمي وخطابها الديني وفي ثقافتنا العامة، مضيفًا أن الأزمات والصراعات العالمية المتصاعدة تفرض الحاجة إلى إعادة الاستثمار في هذه القيم لبناء ثقافة جديدة تعزز التعايش والتفاهم.
ولفت إلى أن تنوّع الحضور في القمة، يعكس مكانة دولة الإمارات كدولة حاضنة للجميع، حيث يعيش فيها أكثر من 200 جنسية بانسجام تحت مظلة القانون، موضحا "نحن لا نطلب من أحد أن يتخلى عن ثقافته، لكن نُلزم أنفسنا والآخرين باحترام القانون والنظام العام، وهو ما يضمن بيئة مستقرة وآمنة تسمح بالعيش والعمل والازدهار". وشدد على ضرورة أن تتحول مخرجات القمة إلى برامج ومبادرات عملية تسهم في تحقيق أثر ملموس.
ووجّه رسالة إلى الشباب العربي، قائلاً: "رسالتي هي رسالة محبة وسلام، المستقبل مسؤوليتنا جميعًا، لا تنتظروا من يصنعه لكم، لا تسمحوا لأحد باختطاف عقولكم أو قلوبكم بشعارات تُفرّق ولا توحّد، كونوا أنتم صناع المستقبل، قادة للتغيير والبناء في أوطانكم". ودعا إلى ضرورة إشراك القادة الدينيين في صناعة الحلول العالمية، موضحا أن نحو 84% من سكان العالم يؤمنون بدين معين ويتبعون قيادات روحية وأن تجاهل دور هؤلاء يعني تجاهل قوة معنوية قادرة على تعزيز السلام والتسامح. وأكد أن "الحوار الحقيقي لا يكون مع من نتفق معهم فقط، بل مع المختلفين، لصناعة أرضية مشتركة تُمهّد لمستقبل آمن ومستدام للإنسانية جمعاء".