غزة
لقد شهدت غزة منذ اندلاع الحرب العدوانية تحولات مأساوية غير مسبوقة أقل ما يُقال عنها أنها جرائم ضد الإنسانية، وعلى مدار عام كامل لم تتوقف الطائرات الحربية الإسرائيلية عن قصف غزة وتدميرها إلا أسبوعًا واحدًا بين 24 نوفمبر و1 ديسمبر من العام الماضي، عندما تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يشمل صفقة تبادل أسرى بين حركة "حماس" وإسرائيل برعاية مصرية قطرية.
وخلّف العدوان الإسرائيلي نحو 42 ألف شهيد، منهم نحو 17 ألف طفل وأكثر من 11 ألف امرأة، فضلاً عن أكثر من 97 ألف مصاب. وحسب بيانات فلسطينية فقد ارتكب الجيش الإسرائيلي أكثر من 4650 مجزرة بحق المدنيين، الذين تم استهداف معظمهم داخل منازلهم، أو في مراكز الإيواء، أثناء حملة تهجير قسرية، أُرغم عليها مليونا إنسان، بنسبة بلغت 90% من المجموع الكلي لسكان القطاع، وفق ما ذكرت الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني (حشد). كما ارتكب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان بما فيها استخدام الأطفال الفلسطينيين وعائلاتهم بانتظام دروعًا بشرية أثناء المعارك، بحسب وثائق جمعتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.
ومع بداية هذا الشهر، كشف المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن الحرب الإسرائيلية أبادت 902 عائلة فلسطينية ومُسحت من السجل المدني خلال حرب الإبادة المستمرة منذ نحو عام. وأفاد تقرير للمكتب الإعلامي الحكومي بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي أباد 1364 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَ منها سوى فرد واحد في الأسرة الواحدة، ومسح كذلك 3472 أسرة فلسطينية قتل جميع أفرادها ولم يتبقَ منها سوى فردين اثنين في الأسرة الواحدة.
وقد اعتقلت سلطات الاحتلال 5 آلاف أسير من القطاع، بمقتضى قانون "المقاتلين غير الشرعيين"، ووضعتهم تحت ظروف قهرية بدنية ونفسية قاسية، ومارست عليهم شتى أنواع التعذيب والتنكيل، وواجه بعضهم عمليات اغتصاب وتحرش جنسي.
ولم يسلم العاملون في المنظمات الدولية والإنسانية من نيران الجيش الإسرائيلي، التي قتلت نحو 200 موظف، كما هاجم قوافل الإغاثة ودمر العديد منها، وقتل ما لا يقل عن 174 صحفياً، كان استهداف العديد منهم مباشراً ومتعمداً، كما خرّب البنية التحتية لمعظم المؤسسات الإعلامية، لمنع تغطية الانتهاكات وجرائم الحرب التي يرتكبها.
ورغم أنه من الصعب حصر أحداث يوميات الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن شرارتها انطلقت مع عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها الفصائل المسلحة الفلسطينية بزعامة حركة "حماس" في العمق الإسرائيلي في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وما هي إلا ساعات حتى أعلن الجيش الإسرائيلي العدوان على غزة التي شهدت قصفًا عنيفًا على مدار 20 يومًا، وفي اليوم السابع والعشرين من الشهر نفسه، بدأت إسرائيل هجومًا بريًا واسعًا على شمال قطاع غزة، واستمرت العمليات فيه تحت غطاء ناري مكثف نحو ثلاثة أشهر. وبحلول منتصف ديسمبر، بدأ الجيش بالانسحاب التدريجي من مناطق في محافظة شمال القطاع، تبعها انسحاب جزئي من محافظة غزة، ولكنه أعاد توغله في مواضع أخرى في المحافظتين، فكان يُغيّر تموضعه، وينفذ عمليات سريعة.
وتعتبر مجزرة مستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، من المجازر المروعة التي أقدم الجيش الإسرائيلي على ارتكابها في 17 أكتوبر 2023م، حيث وصفت المجزرة بالمحرقة، بعد أن أسقطت الطائرات الحربية أطنانًا من الصواريخ على ساحة المستشفى والتي كانت تؤوي نازحين، وقتل خلال الضربة الجوية قرابة 500 نازح.
وفي فبراير واصل الجيش الإسرائيلي توغله في مدينة خان يونس وسط قصف مدفعي وغارات جوية عنيفة، وهدمت منازل واستهدفت عدة مستشفيات في المدينة. وفي شمال القطاع، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة عُرفت بـ"مجزرة الطحين"، قتل فيها أكثر من 112 فلسطينيًا وأصيب ما يقارب 800 آخرين، أثناء انتظارهم الحصول على مساعدات.
وفي أبريل 2024م اقتحم الجيش الإسرائيلي مستشفى الشفاء، بعد أسبوعين من حصاره، مخلفًا مئات الضحايا ودمارًا واسعًا، ما تسبب في خروج المستشفى من الخدمة. كما استهدف سيارة تابعة لمنظمة المطبخ المركزي العالمي في وسط القطاع، أدّى إلى مقتل 7 موظفين من فريق الإغاثة، يحملون جنسيات أجنبية متعددة.
وعلى الرغم من التحذيرات الدولية ووضع خطوط حمراء، نفذت إسرائيل اجتياحًا بريًا في مدينة رفح جنوبي القطاع، في السادس من مايو، وأصدر الجيش أمرًا بإخلاء المدينة، ما أجبر النازحين على الانتقال مرة أخرى، في حين هاجم الجيش مناطق مختلفة من المدينة، واستولى على المنطقة الحدودية مع مصر.
وفي يوليو الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي الانتقال إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من الحرب، وأشارت تقديرات إسرائيلية آنذاك أن هذه المرحلة قد تمتد شهورًا أو حتى سنوات، ووصفت تلك المرحلة بأنها انتقال من القصف الكثيف إلى عمليات عسكرية دقيقة ومحددة، مع انسحاب الجزء الأكبر من القوات الإسرائيلية من القطاع، ولكن الجيش الإسرائيلي احتفظ بالسيطرة على مناطق استراتيجية في القطاع، منها محور نتساريم، الذي يفصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه.
وبالتوازي مع عمليات الإبادة في غزة، واصلت إسرائيل حرب الاغتيالات باستهداف قادة حركة "حماس" على الخصوص، فقد اغتالت رئيس المكتب السياسي السابق للحركة إسماعيل هنية في 31 يوليو 2024م في إيران، وكانت قد اغتالت نائبه صالح العاروري في يناير من العام نفسه في لبنان. وفي 13 يوليو قال الجيش الإسرائيلي: إن محمد الضيف، الذي يتهمه بأنه أحد العقول المدبرة لهجوم 7 أكتوبر، قد قُتل في غارة جوية في منطقة خان يونس، لكن "حماس" لم تؤكد مقتله.
اقرأ أيضًا: المعهد الهندي للإدارة-روهتاك وجامعة صحار يوقعان مذكرة تفاهم في مجال التعليم
اندلعت الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي بعد شن حركة "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى هجومًا غير مسبوق داخل إسرائيل أسفر عن مقتل نحو 1205 أشخاص، وفقًا لأرقام رسمية إسرائيلية، كما خُطف خلال الهجوم 251 شخصًا، ما يزال 97 منهم محتجزين، بينهم 33 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم. كانت العديد من الدول داعمة لإسرائيل في البداية، في أعقاب هجوم "حماس" في 7 أكتوبر الماضي، من منطلق "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، لكن الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة والهجوم البري أثار انتقادات واسعة النطاق، ويبدو أن بعض الدول قد عدلت مواقفها من الحرب. وفجرت الحرب أزمات بين إسرائيل ودول ومنظمات عدة، بعد اتهامها بأن حربها تجاوزت بكثير رد الفعل على هجوم "حماس"، وهو ما عبر عنه مرارًا الأميــن العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي تضامن معه مجلـــس الأمن الدولي الأسبوع الماضي، بعد أن أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي منعه من دخول إسرائيل. وقال المجلس المكون من 15 عضوًا، في بيان: "إن أي قرار بعدم التعامل مع الأمين العام للأمم المتحدة أو الأمم المتحدة هو قرار غير بنّاء، وخاصة في سيــاق التوترات المتصاعدة فـــي الشـــرق الأوسط". (وكالات)