الدور القيادي للنساء المسلمات في حركة تحرير الهند

Story by  آواز دي وايس | Posted by  M Alam | Date 15-08-2024
الدور القيادي للنساء المسلمات في حركة تحرير الهند
الدور القيادي للنساء المسلمات في حركة تحرير الهند

 

د. محمد أعظم الندوي

إن تاريخ النضال من أجل استقلال الهند مليء بالتضحيات العظيمة والإسهامات الجليلة من مختلف فئات المجتمع الهندي، ومن بين أولئك الذين برزوا في هذه الحركة، النساء الفضليات، فإنهن مثلن دورًا بارزًا في تنمية روح الوطنية، ومواجهة الاستعمار البريطاني، وإن تضحياتهن وجسارتهن لم تقتصر فقط على المشاركة النشطة في الأحداث السياسية والاجتماعية، بل تجاوزت ذلك إلى تقديم الدعم الكبير للثوار والقيادات الوطنية ماديًا ومعنويًا، ذلك من أمثال آبادي بيغوم إلى منيرة بيغوم من النساء، ونجد أن هؤلاء النسوة الشجاعات لم يكتفين بالوقوف على هامش الأحداث، بل كنّ في قلب الحركة، يقدمن الدعم والتشجيع للثوار، ويشاركن في جميع مراحل النضال. وبعضهن تعرضن للعقوبات والاضطهاد، بينما خاضت طائفة منهن أخرى معارك قانونية وسياسية، لكن عزيمتهن لم تتزعزع.

كما أن العديد من هؤلاء المجاهدات لم يحصلن على التقدير المناسب في صفحات التاريخ، مما يستدعي إعادة النظر في دورهن وإبراز مساهماتهن الجليلة. وإن التعريف بتضحيات هؤلاء النساء وتوثيق أسمائهن وإسهاماتهن يقدم حجم النضال والتفاني الذي قدمته المرأة المسلمة في مسيرة الاستقلال.

فالتاريخ يشهد أنه عندما اعتقل الحكام البريطانيون المجاهدين المسلمين الذين كانوا يؤدون دورًا محوريًا في حركة الاستقلال، برزت النساء المسلمات من عتبة بيوتهن ليؤكدن أنهن مستعدات للتضحية بحياتهن لضمان عدم انهيار الحركة بأي ثمن، ولقد أدهشت شجاعتهن وجُرأتهن وثباتهن السلطات الاستعمارية البريطانية، لكن من المؤسف أن إنجازاتهن لم تُخلَّد، حتى أسماءهن لا تظهر في صفحات الكتب الدراسية، ولكن التاريخ لا يمكنه نسيان بطولاتهن، وقد كتب موهانداس كرمشاند غاندي في دورية "Young India" (الهند الشابة) أن "ذكر النساء المسلمات مما لا غنى عنه، وإلا فإن سرد حركة الاستقلال سيظل دون ذلك ناقصًا".

ويسلط هذا المقال الوجيز الضوء على سير بعض من هؤلاء البطلات، مستعرضًا دورهن المتميز في الحركة الوطنية وأثرهن العميق في مسيرة النضال من أجل الحرية، وإليكم بعض هذه الأسماء:

آبادي بانو بيغوم (1852م-1924م)

تُعدّ آبادي بانو بيغوم، التي أطلق عليها غاندي لقب "بي أما"، والدة المناضلَين الباسلين المعروفين محمد علي جوهر وشوكت علي، وواحدة من أبرز الوجوه النسائية المسلمة في نضال الهند من أجل الاستقلال. وقد نشأت في أسرة مسلمة تقليدية، واستخدمت الحجاب كرمز وطني، وأثبتت دورها البارز في السياسة، حيث شاركت بفعالية في حركة التحرير الوطني ضد الاستعمار البريطاني.

وُلدت آبادي بانو بيغوم في عام 1852م في منطقة أَمرُوها بولاية أترا برديش، وبعد وفاة زوجها عبد الله علي خان قبل الأوان، تولت إدارة ممتلكات الأسرة بمهارة، وظلت ملتزمة بتعليم وتربية أطفالها دون أن تدخر وسعًا وتدع أي تقصير.

وبدأت آبادي بانو نشاطها السياسي أثناء الحرب العالمية الأولى في عام 1917م، عندما انضمت إلى حركة "الرابطة الهندية للحكم الذاتي" السياسية التي أسستها آني بيزنت بالتعاون مع محمد علي جناح وبال كنكا دَھار تِلَک عام 1916م، وبعد اعتقال بيزنت، واصلت "بي أما" تقديم الدعم المالي بالرغم من صعوباتها المادية، حيث تبرعت بمبلغ 10 روبيات شهريًا من عام 1917م حتى 1921م احتجاجًا على قانون حماية الهند.

وفي 30 ديسمبر 1917م، ألقت "بي أما" خطابًا مؤثرًا في الاجتماع السنوي لتنظيم "رابطة المسلمين لعموم الهند" (All-India Muslim League) في مدينة كولكاتا، والذي ترك أثرًا عميقًا في الحضور، كما أدّت دورًا حيويًا في جمع التبرعات لحركة الخلافة وحركة "ساتيا غراها" مما يبرز إسهامها الكبير في النضال الوطني.

بيغوم نشاط النساء موهاني (1884م-1937م)

وُلدت بيغوم نشاط النساء في عام 1885م في أوده‍ بولاية أترا برديش، وتزوجت في عام 1901م من الشاب الثوري المتحمس حسرت موهاني، الذي كان أحد مؤسسي الهتاف الوطني"انقلاب زندہ آباد" (تحيا الثورة) ومؤيدًا للحرية الكاملة.

وأثرت أولى اعتقالات حسرت موهاني في عام 1908م على بداية المسيرة السياسية لبيغوم نشاط النساء، حيث أصبحت شريكته الفعالة في كل مهمة سياسية وشعبية، وبعد اعتقال زوجها، قامت بإدارة مكتب العلاقات العامة، كما تولت إدارة "سواديشي إستور" (محلات تجارية للمنتجات المحلية) بغية مقاطعة المنتجات البريطانية في رسل غنج، علي كراه، بجدية تامة، بالإضافة إلى متابعة القضايا القانونية.

ورغم أن بيغوم نشاط النساء كانت تعاني من ضائقة مالية، فإنها كانت تتمتع بنعمة الاستغناء، يمنعها من قبول المساعدة المالية من الآخرين.

بي بي أمة السلام (1907م-1985م)

كانت بي بي أمة السلام نجلة العقيد محمد عبد المجيد خان الإقطاعي المشهور لمنطقة بتياله. وكانت أمة السلام ناشطة اجتماعية ملهمة واتبعت بإخلاص تعاليم غاندي، منذ شبابها، وانخرطت في حركة الاستقلال، وبدأت بترويج وبيع الخادي (نوع من القماش الهندي الساذج) في شوارع أنبالا وهي ترتدي النقاب.

وفي أوائل عام 1931م، تخلت عن كل وسائل الرفاهية لتصبح جزءًا من هذا الصرح، وخلال فترة تقسيم الهند عام 1947م، عندما كانت البلاد تشهد أعمال العنف الطائفي، عملت أمة السلام بلا كلل لتعزيز التآخي الطائفي، بل سافرت مع غاندي إلى مناطق مختلفة حيث كانت الاضطرابات الطائفية، وساهمت في جهود السلام هناك، حتى إنها صامت معه.

واتبعت بي بي أمة السلام مبادئ غاندي حتى آخر لحظات حياتها، ولذا كان غاندي يصفها دائمًا بـ "ابنتي العزيزة أمة السلام". وتوفيت في 29 سبتمبر 1985م.

سيد فخر الحاجية حسن (ت 1970م)

كانت سيد فخر الحاجية حسن، والدة الرائد سيد عابد حسن الزعفراني، شخصية قومية ونموذجًا للحب الوطني، ولم تقتصر مشاركتها في نضال الهند من أجل الاستقلال على الجهود الفردية فحسب، بل قامت بتشجيع أبنائها بدر الحسن وظفر حسن وعابد حسن على المشاركة النشطة في الحركة.

وبذلت فخر الحاجية جهودًا كبيرةً في تحسين أوضاع النساء والأطفال، حيث نظمت مراسم حرق الملابس الأجنبية في منزلها الواقع في عابدس بحيدر آباد، كما قامت بدور فعال في حركتي عدم التعاون والخلافة.

وشاركت إلى جانب سروجني نائيدو في جهود تحرير أسرى الجيش الهندي الحر. وتوفيت سيد فخر الحاجية حسن في عام 1970م، تاركة وراءها إرثًا من الالتزام الوطني والخدمة الاجتماعية.

منيرة بيغوم

كانت منيرة بيغوم، ابنة شقيقة بدر الدين طيب جي، أول رئيس مسلم لحزب المؤتمر الوطني الهندي، تزوجت من مولانا مظهر الحق، المحامي البارز ومجاهد الحرية في ولاية بيهار، الذي كان زعيمًا كبيرًا في منطقته.

وعلى الرغم من أنها نشأت في بيئة سياسية، فإن زواجها من مولانا مظهر الحق زاد من حماستها وانخراطها في النشاط السياسي. ورغم التزامها بالحجاب، لم يكن الحجاب عائقًا أمام نشاطاتها.

وفي عام 1920م، عندما زار غاندي مدينة باتنا عاصمة ولاية بيهار نظمت منيرة بيغوم، بناءً على طلبه، اجتماعًا للنساء في منزلها، وبعد ذلك، قامت بإهداء أربعة أساور مرصعة بالألماس إلى غاندي كهدية لدعمه في حركة الاستقلال، مما جعل غاندي يتأثر بشدة عند تلقيه هذه الهدية القيمة.

اقرأ أيضًا: الجنديات المسلمات في الجيش الهندي الوطني

وبالإضافة إلى النساء الثوريات المذكورات، هناك العديد من النساء المسلمات الشجاعات اللائي قدّمن تضحيات كبيرة في نضال الاستقلال، وهؤلاء النسوة تعرضن لضربات الشرطة البريطانية، ودفعن الغرامات، وتحملن صعوبات السجن، وظللن في مواجهة مع الحكم الاستعماري حتى تحقيق التحرير الكامل للوطن، من بينهن:

- أكبري بيغوم

- سعادة بانو بيغوم

- شفاعت النساء

- بيغوم دكتور محمد عالم

- عمر بي

- صوفية سومجي

- خديجة بيغوم

- بيغوم أنيس قدوائي

- زهراء أنصاري

- صغرى خاتون

- عصمت آرا بيغوم

- بيغوم خورشيد خواجة

- سلطانة حياة أنصاري

- أمجدية بيغوم

- زاهدة خاتون شر واني (أترا براديش)

- زليخة بيغوم

- ظاهرة بيغوم

- سلطانة بيغوم

- بيغوم صوفية كمال (كولكاتا)

- مهر تاج

- خورشيد صاحبة

- ليدي حسن إمام

- رضية خاتون

- زبيدة بيغوم داوودي

- كنيز سيدة بيغوم (بيهار)

- آمنة طيب جي

- بيغوم ريحانة عباس طيب جي

- بيغوم فاطمة إسماعيل

- شريفة حميد علي طيب جي

- بيغوم سكينة لقماني

- بيغوم ثريا طيب جي

- فاطمة طيب علي

- هاجرة زيد أحمد

- أمينة قريشي

- فاطمة بيغوم عريفي (أحمد آباد)

- سكينة فاطمة

- هاجرة بي بي إسماعيل

- جمال النساء باجي

- بيغوم كلثوم ساياني

- بيغوم حميدة حبيب الله

- بيغوم ماجدة بانو

- سيد مولا رابعة بي (حيدر آباد)

- بيغوم محبوب فاطمة (دلهي)

- بيغوم صفية عبد الواحد

- حسينه بيغوم

- ساجدة بانو

- فريضة بيغوم (كشمير)

- مس سيفا بيغوم (مدراس)

فهذه الأسماء، إلى جانب العديد من المجاهدات غير المعروفات اللواتي لم يُسجل ذكرهن في صفحات التاريخ، قدمن إسهامات بارزة لشرف الوطن وقضيته، ويستحقن أن تُخلد أسماؤهن بأحرف من ذهب في تاريخ الهند.

اقرأ أيضًا: دور المسلمين الهنود في كفاح تحرير الهند

في ختام هذا المقال، يتضح أن النساء المسلمات قمن بدور حاسم في نضال الهند من أجل الاستقلال، من خلال تضحياتهن وشجاعتهن، تحدين الاستعمار البريطاني وأسهمن في تحقيق الحرية للوطن. وإن تكريم هذه البطلات واستعادة أسمائهن ومساهماتهن يغذي فهمنا لأبعاد حركة الاستقلال ويبرز الأثر العميق الذي تركنه. لذا، تظل ذكرى هؤلاء النساء الخالدات رمزًا للشجاعة والإباء في مسيرة النضال الوطني بعد مرور حوالي ثمانية عقود من تحرير الهند.

‏هيهات لا يأتي الزمان بمثلهن

إن الزمان بمثلــــــــهن بخيل

د. محمد أعظم الندوي هو أستاذ الفقه الإسلامي وعميد قسم الثقافة الإسلامية في المعهد العالي الإسلامي بحيدر آباد، تيلانغانا