د. محمد علي الوافي كرواتل

في السنة الماضية غيب الموت علمًا من أعلام القضاء في القارة الآسيوية السيدة فاطمة بيفي، أيقونة العدل ورائدة القضاء. وتعتبر السيدة فاطمة بيفي، أول امرأة مسلمة اعتلت منصة القضاء في تاريخ الهند والبلدان الآسيوية. وشهد اليوم السادس من شهر أكتوبر سنة 1989م حدثًا تاريخيًا حينما تم تعيينها أول قاضية في المحكمة العليا في الهند. وأضيف اسمها إلى تاريخ البلد كأول امرأة هندية تجلس في منصة القضاء كما أضيف اسمها إلى تاريخ القارة الآسيوية كأول مسلمة تعتلي منصة القضاء في البلدان الآسيوية.

دراستها

ولدت السيدة فاطمة بيفي في أسرة متوسطة في قرية باتانام تيتا (Pathanamthitta)  في ولاية كيرالا، في اليوم الثلاثين من شهر أبريل سنة 1927م. التحقت السيدة فاطمة بيفي، بالمدرسة الابتدائية في قريتها كما التحقت بمدرسة الكاثوليكية الثانوية بمدينة باتانام تيتا. ولم تتزوج السيدة القاضية فاطمة بيفي حيث إنها قضت جميع حياتها في الدراسات الأكاديمية العليا والحياة الوظيفية في مجال القانون والقضاء.

وبعدما أتمت دراستها الابتدائية التحقت السيدة بكلية البنات بمدينة تريفاندرام، حيث حصلت على شهادة البكالوريوس  في علم الكيمياء. ونتيجة التشجيع المستمر من قبل والده مِير صاحِب، غيّرت مجرى حياتها الأكاديمية من علم الكيمياء إلى القانون والقضاء، ونالت شهادة القانون من كلية الحقوق الحكومية، الواقعة في عاصمة الولاية مدينة تريفاندرام.

حياتها المهنية

بدأت فاطمة بيفي مشوارها في مجال العدل والقضاء سنة 1950م بعدما تم تسجيل اسمها كمحامية في السلك القضائي في الولاية. وبدأت حياتها المهنية في السلطة القضائية الدنيا، وقد تم تعيينها كقاضية منصفة في الخدمات القضائية الفرعية لولاية كيرالا، وذلك في سنة 1958م. ولمهارتها في علم القضاء والقانون تمت ترقيتها كقاضية المقاطعة والجلسات القانونية سنة 1974م. ودخلت القاضية السيدة فاطمة بيفي إلى هذا المجال القانوني حينما كانت المرأة غائبة عن منصات القضاء في العالم الإنساني، ومحرومة من العمل بالقضاء. وفي شهر يناير سنة 1980م، تم تعيينها كعضو قضائي في محكمة استئناف ضريبة الدخل، وبعدها تم ترقيتها كقاضية إلى المحكمة العليا في مستوى الولاية، وذلك في سنة 1983م.

أول مسلمة في تاريخ القضاء في قارة آسيا

يعتبر اليوم السادس من شهر أكتوبر سنة 1989م، علامة فارقة في تاريخ القانون والقضاء في البلدان الآسيوية حيث تم تعيين السيدة فاطمة بيفي كأول امرأة تنضم إلى السلك القضائي في المحكمة العليا في جمهورية الهند. وترجع الريادة إليها في مجال القانون والقضاء، وبذلك أصبحت السيدة فاطمة بيفي أيقونة للنساء والفتيات في الهند والبلدان الآسيوية، وتعيينها كقاضية يمثّل لحظة ممتازة في تاريخ بنات العالم، وهي تظل مثالا يحتذى بها للنساء والفتيات.

وخلال مسيرتها القانونية الواسعة، تعاملت السيدة فاطمة بيفي مع العديد من القضايا التي تمس جوهر العدل والقضاء في تاريخ الهند. وبعض قراراتها قد تعرضت للانتقاد من قبل الدستوريين إلا أن معظم قرارتها القضائية لا تزال محل فخر تعتز به النساء حول العالم. وفي سنة 1992م تقاعدت السيدة من منصبها بعدما أضافت إليها نكهة قضائية جديدة. واشتغلت السيدة فيما بعد كعضو في اللجنة  الوطنية لحقوق الإنسان وكرئيس للجنة ولاية كيرالا للطبقات المتخلفة.

اقرأ أيضًا: أمارناث ياترا وأهميتها الدينية والاجتماعية

وفي سنة 1997م عُينت السيدة القاضية فاطمة بيفي حاكمة في ولاية تاميل نادو. واتخذت السيدة بيفي، بصفتها حاكمة لولاية تاميل نادو، قرارات حاسمة ضد المتطرفين الذين شاركوا في اغتيال راجيف غاندي، رئيس الوزراء السابق للهند. واستخدمت في هذه السنوات خبرتها التي حازتها من تلك العقود الطويلة التي قضتها في مجال القضاء والقانون. وقد تم تكريمها من قبل حكومة كيرالا بـ"جائزة كيرالا برابها" وذلك في سنة 2023م.

اقرأ أيضًا: صناعة الحرير في بهاجالبور: الأهمية الاقتصادية والثقافية

في 23 من شهر نوفمبر 2023م، انتقلت السيدة القاضية فاطمة بيفي إلى جوار ربها بعد أن تركت سجلاً رائعًا في تاريخ القانون والقضاء. وفي كلمات العزاء، قال بيناراي فيجايان، كبير الوزاراء لولاية كيرالا: "إن رحلتها القانونية قد تغلبت على التحديات الدراسية التي تواجهها الفتيات إلى أن تصبح أول قاضية في المحكمة العليا...". وكانت القاضية السيدة فاطمة بيفي شخصية قانونية بارزة أظهرت خلال حياتها القضائية قوة الإرادة والعزيمة.

د. محمد علي الوافي كرواتل هو رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بحرم الوافي الجامعي، كيرالا، الهند