الأستاذ شيو راي شودري.. نموذج مضيء لغير المسلمين في خدمة العربية بالهند

25-01-2025  آخر تحديث   | 24-01-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | محمد قاسم عادل 
الأستاذ شيو راي شودري.. نموذج مضيء لغير المسلمين في خدمة العربية بالهند
الأستاذ شيو راي شودري.. نموذج مضيء لغير المسلمين في خدمة العربية بالهند

 

محمد قاسم العادل

عندما فتحت الجامعات الهندية أبوابها لتدريس اللغة العربية وآدابها من خلال تأسيس الأقسام والكليات الخاصة بها، وبدأ تعليم هذه اللغة كلغةٍ حيةٍ نابضةٍ بالحياة والسياسة، والدبلوماسية، والاقتصاد، اتجه العديد من غير المسلمين الهنود إلى دراسة اللغة العربية بجديةٍ واهتمامٍ بالغ. وقد تفوقوا فيها وبرعوا إلى الحد الذي مكن بعضهم من الحصول على شهادة الدكتوراه، وأسهموا في خدمة هذه اللغة الكريمة بمختلف الأدوار، سواءً كمعلِّمين أو مترجمين أو مؤلفين أو محققين. ومن بين هؤلاء: غريش تشاندرا سين (1835-1910م) وهو مترجم القرآن الكريم ومشكاة المصابيح إلى اللغة البنغالية، وناقل "تحفة الموحِّدين" لراجا رام موهان راي إلى اللغة العربية؛ وهري ناث دي (1877-1911م) وهو مترجم المعلّقات السبع، وقصائد غياث الدين للحافظ، ومترجم جزءٍ متعلق ببنغال من رحلة ابن بطوطة إلى اللغة الإنجليزية؛ وراجا رام موهان راي (1772-1833م) زعيم حركة الإصلاح الاجتماعية، وهو صاحب مقدمةٍ قيمة عربية لكتابه الفارسي "تحفة الموحّدين"؛ والأستاذ ماكهن لال راي شودري وهو مترجم "غِيتا" الكتاب المقدس لدى الهندوس إلى اللغة العربية الفصحى باسم "الكِيتا"؛ ورادها نند دت، وهو مترجم تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار المشهور برحلة ابن بطوطة إلى اللغة الإنجليزية.

وعلى رأس هؤلاء يأتي الأستاذ الدكتور شيو راي شودري، الذي حصل على شهادة الدكتوراه الأولى من جامعة دلهي، وشهادة الدكتوراه الثانية من جامعة القاهرة في مصر. وقدّم الأستاذ شودري خدمات جليلة لا يُستهان بها في مجالات التعليم والتربية، والبحث والتحقيق، والكتابة والتأليف، حيث أثرى المكتبة العربية والإنجليزية بعددٍ من الكتب القيّمة التي تعكس إسهاماته العميقة في خدمة اللغة العربية وآدابها.

وُلد الأستاذ شودري في مطلع القرن العشرين في منطقة ديرا إسماعيل خان، التي تقع حاليًا في باكستان، في أسرة كريمة عُرفت بالعلم والفضل. نشأ وترعرع هناك، والتحق بالكُتَّاب حيث أكمل دراسته الابتدائية في موطنه. ثم هاجرت عائلته إلى منطقة ميانوالي (التي تقع حاليًا في باكستان)، حيث التحق شودري بكلية لاهور، وحصل على شهادة الماجستير في اللغة الإنجليزية وآدابها.

ولما استقلت شبه القارة الهندية، هاجر الشيخ شودري إلى الهند، وخلال رحلته إلى دلهي، تم تعيينه قاضيًا مع سلطة خاصة في منطقة بنجاب، كما أشار إلى ذلك الأستاذ مظفر عالم في كتابه "إسهامات العلماء الهندوس في تطور اللغة العربية في الهند"، الذي كتبه باللغة الإنجليزية. وبعد فترة، غادر شودري بنجاب واستقر في دلهي، حيث سعى إلى تحقيق شغفه بالعلم والثقافة، فالتحق بقسم اللغة العربية في جامعة دلهي، أولًا كطالب في مرحلة الماجستير، ثم كباحث في مرحلة الدكتوراه، حيث قدم بحثه باللغة الإنجليزية بعنوان:

"Al-Hajjaj ibn Yusuf (An examination of his works and personality)"

وبجانب ذلك، واصل الشيخ خلال هذه الفترة عمله مترجمًا للغتين العربية والإنجليزية في إذاعة عموم الهند بنيودلهي. وبعد فترة، سافر إلى مصر والتحق بجامعة القاهرة، حيث حصل على شهادة الدكتوراه الثانية حول "مدرسة الديوان"، تحت إشراف الدكتورة سهير القلماوي (1911-1997م)، التي كانت تشغل آنذاك منصب رئيسة قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة. وقد ناقش رسالته كلٌّ من الدكتور عبد الحميد يونس (1910-1988م) والدكتور شكري عيّاد (1921-1999م)، حيث اجتاز شودري الاختبار الشفوي بنجاح، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة، مما يشهد على براعته وتمكنه من اللغة العربية. وقد ورث الدكتور شودري من عائلته الكريمة الذوق التاريخي والقدرة الكتابية المتميزة، إلى جانب الأمانة العلمية الدقيقة التي ميزته في أعماله البحثية.

ولما تحقق للشيخ ما كان يصبو إليه ونال مبتغاه في مصر، عاد إلى بلاده مسرورًا. وبعد فترة وجيزة من عودته، أصبح هذا الطالب معلمًا في قسم اللغة العربية بجامعة دلهي، حيث درّس هناك تدريسًا حظي بالقبول والإعجاب. كما أدى واجباته الإدارية بأحسن وجه، وأشرف على العديد من الرسائل لشهادة ما قبل الدكتوراه، بالإضافة إلى إشرافه على العديد من رسائل الدكتوراه. ومن أبرز تلامذته: الدكتور رشيد الوحيدي، والدكتور رضوان الحق، والدكتور ساجد ميان، والأستاذ الدكتور بدر الدين الحافظ، وغيرهم.

وبعدما تقاعد الأستاذ شودري عن وظيفته في جامعة دلهي هاجر إلى "هَري دوار" الأرض المقدسة لدى الهندوس حيث أقام فيها وأسس معهد دراساتِ وِيدانتا والأديان بـ"هَري دوار" وظل هناك حتى وافته المنية.

وكانت شخصيتُه متعددةَ الجوانب، واسعةَ المدارك، عميقةَ الأغوار، إذ جمعَتْ بين الصفات الخُلقية والسِمات الفكرية والمعارف الإنسانية. كما كان الأستاذُ شودري مجدًّا وجادًّا في دراسةِ اللغة العربية، وإلقاءِ المحاضرات، والإشرافِ على البحوث والرسائل، رغم أنه لم يكن منشغلًا عن الكتابة والتأليف، حيث ألَّف عدةَ كُتبٍ باللغتين العربية والإنجليزية، ومن أبرزها:

الكتاب الأول: مدرسة الديوان: كتب الدكتور شودري هذا العمل باللغة العربية كرسالة دكتوراه في جامعة القاهرة، كما سبق ذكره، ثم بعد عودته إلى الهند، أعاد ترتيبه كمؤلَّف مستقل، وقام بطباعته. ويقول الأستاذُ الدكتور محمد سليمان أشرف (1934-2011م) إن الكتابَ نالَ القبولَ والاحترامَ حيث تطرق إلى الزعيمِ المصري الشهير، جمال عبد الناصر (1918-1970م)، بِيدِ مُشرِفَتِه الدكتورة سهير القلماوي (1911-1997م). والكتاب يحتوي على ثلاثة أبواب، الأول منها في سرد تاريخ فترة "ما قبل الديوان" والثاني في ذكر "أدباء الديوان" والثالث يحوي أحوال "مابعد الديوان".

الكتاب الثاني: النقد العربي الحديث بين النقد النظري والنقد العملي: وهو  يحتوي على عشرين صفحة باللغة العربية، قامت مكتبة إشاعة الإسلام في دلهي بطباعته. وكان الدكتور قد كتبه في الأصل كمبحث ضمن كتابه "مدرسة الديوان"، لكنه نظرًا لأهميته، قرر نشره بصورة مستقلة ككُتيب صغير. وأشار في مقدمة الكُتيب إلى أن ما كُتب في مجال النقد قليل، ولا يوجد غير ما ألّفَه أصحابُ مدرسة الديوان، وما قام به ميخائيل نعيمة (1889-1988م) باسم "الغربال" وما كتبه الكاتب اللباني الشهير مارون عبود (1886-1962م)... والغرض لتأليف هذا الكُتيب هو تسليط الضوء على ما أُلِّف في الموضوع وتعيينُه أهو إبداعٌ جديد في الآداب العربية أو فنّ مستقل لتقييمِ أعمالِ الأدباء بمن فيهم الشعراءُ والكُتاب...؟

الكتاب الثالث: النهضةُ والتطورُ في الأدبِ الحديث: وهو يشتمل على ست وخمسين صفحة وقامت بطبعه مكتبة إشاعة الإسلام بدلهي. وتحدث فيه الكاتب عن دورِ وسائلِ النهضةِ الحديثة، مِن فَتحِ المدارس، وإرسالِ البِعثات، وتأسيسِ المَطابع، ثم عن تأثيرِ الثقافاتِ الأجنبية في نهضةِ الأدب العربي الحديث، وتطورِ القصةِ العربيةِ المصرية، وتأثُّرِ الشعرِ العربي الحديث، بالشعر الغربي الرومانسي، وما إلى ذلك. ويقول المؤلف في مقدمة الكتاب: "إن هذا التأليف الصغير يمثل تلك التطورات الأدبية الحديثة في اختصار بليغ، وسيكون هذا التأليف عونًا كبيرًا لمن يريد دراسة الأدب الحديث خصوصًا للجامعيين، في الواقع هذا التأليف تمهيد التعريف بالأدب الحديث الذي هو كمثل بحر زاخر".

الكتاب الرابع بعنوان "Al-Hajjaj ibn Yusuf" (الحجاج بن يوسف): وهو الرسالة التي كتبها كمتطلب للحصول على شهادة الدكتوراه من جامعة دلهي. وقد ألّفها باللغة الإنجليزية، ويشتمل الكتاب على مئتين وسبع وثلاثين صفحة، تناول فيها الشيخ دراسة شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي (660-714م)، حيث بحث في أعماله الإدارية والعسكرية، وسلّط الضوء بوضوح على جهوده في ترسيخ دعائم الخلافة الأموية.

الكتابُ الخامس: Trends in Modern Arabic Poetryوهو كُتيب لا يسمح حجمه بأن يُسمى كتابًا، حيث لا تزيد صفحاته عن اثنتين وعشرين صفحة. وقد كتبه باللغة الإنجليزية، متناولًا فيه الاتجاهات المختلفة في الشعر العربي الحديث. وقد تم طباعة هذا الكُتيب في مطبعة يونائتيد برنتنك بمدينة غورغاؤن، بولاية هاريانا عام 1969م.

الكتابُ السادس: Gibran (An Introduction)وهو كُتيب صغير باللغة الإنجليزية، تناول فيه الأستاذ شودري حياة الشاعر والكاتب والرسام العربي اللبناني جبران خليل جبران (1883-1931م)، أحد أدباء وشعراء المهجر، كما تحدث عن الرابطة القلمية واستعرض بعضًا من أعماله الأدبية الشهيرة. ويحتوي هذا الكُتيب على ستٍ وعشرين صفحة فقط. وقامت بطبعه جافي وشركتها بدلهي-6، سنة 1970م.

اقرأ أيضًا: باحث هندوسي (مولوي ماهيش براشاد) له دور بارز في نشر اللغة العربية في الهند

ولقد أحسن الأستاذ شيو راي شودري تصنيفَ هذه الكُتب جميعها، وأجاد في تأليفها، وأبدع في ترتيبها، مما يدل على قريحةٍ ناضجةٍ ونفسٍ عالمة. وقد تضمّنت مؤلفاته آراءً نقديةً قيّمة، وتعليلاتٍ أدبيةً ممتعة، تعكس ذوقًا أدبيًّا رفيعًا. وبذلك، أثرى المكتبات العربية والأجنبية على حدٍ سواء.

قصص مقترحة