صناعة الحرير في بهاجالبور: الأهمية الاقتصادية والثقافية

Story by  Prof. Mujeebur Rahman | Posted by  M Alam | Date 02-08-2024
صناعة الحرير في بهاجالبور: الأهمية الاقتصادية والثقافية
صناعة الحرير في بهاجالبور: الأهمية الاقتصادية والثقافية

 

أ.د. مجيب الرحمن

صناعة حرير مدينة بهاجالبور، التي يشار إليها غالبًا باسم "مدينة الحرير في الهند"، تشتهر بإنتاج حرير "توسار" الرائع الذي يشكل جزءًا حيويًا من تراث المنسوجات الغني في الهند. تقع مدينة بهاجالبور في ولاية بيهار في شرق الهند، وتعتبر مركزًا مهمًا لإنتاج الحرير ونسيجه لعدة قرون. ويمتد تاريخ هذه الصناعة إلى العصور القديمة، حيث كانت المنطقة مشهورة بإنتاج الحرير الفاخر الذي استخدم في الألبسة الفاخرة من الساري والأوشحة وغيرها من المنتجات.

تُستخدم تقنيات النسيج المتوارثة عبر الأجيال لإنتاج أقمشة حريرية ذات جودة استثنائية وتصاميم مبتكرة. ويُعتبر حرير "توسار"، بلمعانه الطبيعي ولونه الذهبي المميز، رمزًا للأناقة والفخامة، ويُعد الخيار المثالي للملابس الفاخرة التي تُرتدى في المناسبات الخاصة. وتؤدي صناعة الحرير في بهاجالبور دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد المحلي، من خلال توفير فرص عمل لأفراد المجتمع المحلي، خاصة للنساء اللواتي يتميزن بمهاراتهن في عملية النسيج.

إن تراث المنسوجات في بهاجالبور ليس مجرد جزء من تاريخ المنطقة، بل هو جزء من الهوية الثقافية والاجتماعية لسكانها. وبالإضافة إلى ذلك، تشكّل صناعة الحرير جزءًا من الحياة اليومية في بهاجالبور، حيث يتم ارتداء الملابس الحريرية في المناسبات الخاصة مثل الأعراس والمهرجانات.

تظل مدينة بهاجالبور، بمزيجها الفريد من التاريخ والتقاليد والمهارة الفنية، واحدة من أهم مراكز إنتاج الحرير في الهند. تجذب المدينة الزوّار والباحثين والمهتمين بالمنسوجات الفاخرة من جميع أنحاء العالم، مما يعزّز مكانتها كوجهة ثقافية واقتصادية بارزة. ومن خلال الحفاظ على هذه الصناعة التقليدية ودعمها، يمكن أن تستمر بهاجالبور في إنتاج الحرير الذي يعكس جمال وتراث الهند الغني والمتنوع.

خلفية تاريخية

يعود تاريخ نسج الحرير في بهاجالبور إلى العصور القديمة، فهناك إشارات إلى الحرفة في النصوص التاريخية والفولكلور المحلي. ويمكن إرجاع ارتباط المنطقة بالحرير إلى عصر سُلالتَي المورية والجوبتاوية (Maurya and Gupta Dynasties) في حوالي القرن الرابع إلى القرن السادس الميلادي. ومع ذلك، فقد اكتسبت صناعة الحرير في بهاجالبور شهرةً كبيرة خلال العصر المغولي. وقام الملوك المغول، المعروفون بحبهم للمنسوجات الفاخرة، برعاية نساجي الحرير في بهاجالبور، مما أدّى إلى ازدهار الصناعة.

وشهدت صناعة الحرير في بهاجالبور انتعاشًا كبيرًا تحت الاستعمار البريطاني الذي أدّى دورًا حاسمًا في تطوير صناعة الحرير في بهاجالبور. ولقد أدرك المستعمرون البريطانيون أهمية وإمكانيات تطوير صناعة الحرير في بهاجالبور فقاموا بالترويج لحرير بهاجالبور في الأسواق الأوروبية. وشهدت هذه الفترة إنشاء أول مصانع الحرير في المنطقة، والتي وضعت الأساس لصناعة الحرير الحديثة في بهاجالبور.

عملية نسج الحرير

يشتهر حرير بهاجالبور، وخاصة حرير "توسار"، بملمسه الغني ولونه الذهبي الطبيعي ومتانته. وتعتبر عملية نسج الحرير في بهاجالبور معقدة وتتطلب عمالة مكثفة، وتتضمن عدة خطوات بدءًا من تربية دودة القز وحتى النسيج النهائي للنسيج.

- تربية دودة القز: يبدأ إنتاج حرير بهاجالبور بتربية دودة القز، وزراعة دودة القز. وتتم تربية دودة القز التوسارية عادةً على أوراق شجرة أرجون(Terminalia Arjuna) وشجرة أسان(Terminalia Tomentosa) . ويتم بعد ذلك حصاد الشرانق التي تنتجها ديدان القز هذه وغليها لاستخراج خيوط الحرير.

- اللف والغزل: بعد غليان الشرانق، يتم فك خيوط الحرير في عملية تسمى عملية "اللف". ثم يتم بعد ذلك غزل هذا الحرير الخام وتحويله إلى خيوط. ويتمتع نساجو بهاجالبور بمهارة في إنتاج الخيوط الناعمة والخشنة، مما يساهم في إضفاء الملمس المميز على حرير توسار.

- الصباغة: عملية الصباغة في بهاجالبور تقليدية وغالبًا ما تستخدم الأصباغ الطبيعية المشتقة من النباتات والمعادن. ويتم صبغ خيوط الحرير بألوان نابضة بالحياة، وهي السمة المميزة لمنتجات حرير بهاجالبور.

- النسيج: عملية النسيج هي العملية التي تتألق فيها البراعة الفنية الحقيقية لنساجي بهاجالبور. وتشتهر المنطقة بتقنيات النسيج اليدوي التي تنتج تصميمات وأنماط معقدة ومبتكرة. ويستخدم النساجون نولاً تقليديًا، ويمكن أن تستغرق عملية النسيج عدة أيام حتى تكتمل، بناءً على مدى تعقيد التصميم.

الأهمية الثقافية

صناعة الحرير في بهاجالبور ليست مجرد نشاط اقتصادي؛ فهو متشابك بعمق مع النسيج الثقافي للمنطقة. لقد تم تناقل هذه الحرفة عبر الأجيال، وقد شاركت العديد من العائلات في بهاجالبور في نسج الحرير لعدة قرون. وتعتبر المعارف والمهارات التقليدية اللازمة لنسج الحرير تراثًا ثقافيًا، وتُبذل الجهود للحفاظ عليها وتعزيزها.

يُستخدم الحرير المنتج في بهاجالبور في صناعة مجموعة متنوعة من الملابس التقليدية، بما في ذلك الساري الهندي والوشاحات والشالات. وغالبًا ما يتم ارتداء هذه الملابس خلال المهرجانات وحفلات الزفاف والمناسبات الخاصة الأخرى، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الهندية. وغالبًا ما تكون الأنماط والزخارف الفريدة الموجودة في حرير بهاجالبور مستوحاة من الطبيعة والنباتات والحيوانات المحلية وأشكال الفن التاريخي، مما يعكس التراث الثقافي الغني للمنطقة.

الأهمية الاقتصادية

تشكل صناعة الحرير في بهاجالبور جزءًا حيويًا من الاقتصاد المحلي، حيث توفّر فرص العمل لآلاف الأشخاص. لا تدعم الصناعة النساجين فحسب، بل تدعم العاملين في تربية دودة القز والصباغة والتجارة. وتقوم المرأة بدور مهم في صناعة الحرير، حيث يعمل العديد من العائلات في نسج الحرير، مما يوفّر مصدرًا للدخل ويقوم بتمكينها من الناحية الاقتصادية.

وحسب البيانات المتوفرة، يعتمد أكثر من 35000 نساج يدوي على صناعة الحرير لكسب قوتهم ويوجد لديهم حوالي 25000 نول. ويبلغ حجم تجارة الحرير في بهاجالبور حوالي 100 "كرور" روبية (ألف مليون روبية) سنويًا، 50% منها يأتي من السوق المحلية و50% من سوق التصدير.

وعلى الرغم من أهميتها الثقافية والاقتصادية، تواجه صناعة الحرير في بهاجالبور العديد من التحديات. وتعد المنافسة من المنسوجات المصنعة آليا، والتقلبات في أسعار الحرير الخام، والافتقار إلى التحديث في تقنيات الإنتاج من بين الأمور التي تهدد استدامة الصناعة. ومع ذلك، فما زالت هناك جهود لمواجهة هذه التحديات من خلال الدعم الحكومي، وبرامج تنمية المهارات، والترويج لحرير بهاجالبور في الأسواق المحلية والدولية.

اقرأ أيضًا: مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يقيم "اختبار همزة" لمتعلمي اللغة العربية في الهند

فتعد صناعة الحرير في بهاجالبور رمزًا حيًا لتراث النسيج العريق في الهند وإرثها الدائم من الحرف التقليدية. إنها تمثل اندماجًا فريدًا من التاريخ والثقافة والفن، مما يجعلها جزءًا لا يقدر بثمن من النسيج الثقافي والاقتصادي للهند. ومع تزايد الاهتمام العالمي بالمنتجات المستدامة والمصنوعة يدويًا، يزداد بريق حرير بهاجالبور بفضل جماله الطبيعي وحرفيته المتقنة وأهميته الاقتصادية والثقافية.

اقرأ أيضًا: لوحات مادهوباني: شكل فني رائع من منطقة ميثيلا

وتعتبر الجهود المبذولة للحفاظ على حرير بهاجالبور وتعزيزه ضرورية، ليس فقط لضمان سبل العيش لآلاف الحرفيين، ولكن أيضًا للحفاظ على التراث الثقافي للمنطقة. وإن دعم هذه الحرف التقليدية يمكن أن يساهم في استمرار ازدهار هذه الفنون القديمة في العالم الحديث.

أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي