أهمية وأثر فكر غاندي في العالم العربي

Story by  Prof. Mujeebur Rahman | Posted by  M Alam | Date 02-10-2024
أهمية وأثر فكر غاندي في العالم العربي
أهمية وأثر فكر غاندي في العالم العربي

 

أ.د. مجيب الرحمن

يُعد المهاتما غاندي من أبرز الشخصيات التاريخية التي لم تقتصر سمعتها على حدود الهند أو شبه القارة الهندية بل امتدت لتشمل العالم كله، بما فيه العالم العربي. وفلسفة غاندي القائمة على السلام واللاعنف أصبحت مصدر إلهام للحركات التحررية في الدول التي كانت تعاني من الاستعمار والقمع، بما في ذلك الدول العربية التي كانت تسعى للتخلص من هيمنة الاستعمار البريطاني والأنظمة الإمبريالية الأخرى. وكان غاندي بالنسبة إلى الكثيرين رمزًا عالميًا للنضال السلمي، وقد أثبت غاندي بسياساته وخطواته العملية أن القوة الحقيقية لا تكمن في السلاح أو العنف، بل في مقاومة الظلم بالطرق السلمية، وهي رسالة تقبلها العرب أيضًا في كفاحهم ضد الاستعمار.

ولم يقتصر تأثير غاندي في السياسيين وقادة الحركات التحررية في العالم العربي فحسب، بل امتد ليصل إلى عموم الناس الذين رأوا فيه رمزًا للسلام والحرية. واستلهمت العديد من الدول العربية أفكاره في نضالها من أجل الاستقلال، واعتبرته قدوة في مقاومة الظلم والاستبداد. وشكلت فلسفة غاندي مصدر إلهام للحركات الثورية التي سعت للتحرر من نير الاستعمار، وخاصة الاستعمار البريطاني في المنطقة. ولهذا، حظي غاندي بتقدير كبير واحترام عميق من قبل العرب الذين رأوا فيه تجسيدًا للمبادئ السامية التي ناضلوا من أجلها.

وإلى جانب الحركات السياسية، أدّى الأدب العربي دورًا مهمًا في تمجيد شخصية غاندي وإبراز تأثيره في العالم العربي. فقد عبَّر العديد من الشعراء والكتّاب العرب عن إعجابهم بشخصيته من خلال قصائد ومؤلفات تثني على حكمته وشجاعته في مواجهة الطغيان. وكتب العديد من الأدباء العرب عن غاندي كرمز للسلام والعدل الاجتماعي، مشيدين بقدرته على قيادة شعبه نحو الحرية من دون اللجوء إلى العنف. وهكذا، لم يكن غاندي مجرد قائد سياسي، بل كان رمزًا أخلاقيًا وإنسانيًا ألهم أجيالًا عديدة من المفكرين والمثقفين العرب، الذين رأوا فيه قدوة يحتذى بها في النضال ضد الظلم والاضطهاد.

وشهدت العقود الأولى من القرن العشرين زخمًا قويًا في النضال العربي ضد الاستعمار، وكان غاندي حينها قد برز كأيقونة للنضال السلمي. وفي هذه الفترة، كانت الدول العربية تكافح –في النصف الأول من القرن العشرين- للتخلص من القيود الاستعمارية البريطانية والفرنسية والإيطالية، ووجد الكثير من القادة والمفكرين العرب في غاندي نموذجًا ملهمًا. واستخدم غاندي فلسفة المقاومة السلمية "الساتياغراها"، وهو ما أظهر للعالم إمكانية تحقيق التحرر من خلال اللاعنف. وكان لهذا النهج السلمي تأثير واضح على الحركات التحررية في العالم العربي، حيث تأثر القادة العرب مثل سعد زغلول في مصر بفكر غاندي خلال ثورة 1919م ضد الاحتلال البريطاني. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة أيضًا إلى أن العديد من قادة الحركات الوطنية في فلسطين والجزائر والمغرب استفادوا من فلسفته في مقاومتهم للاحتلال. ولقد نظر إليه العرب كرمز عالمي للسلام واللاعنف، وهي قيم كانت تتناسب تمامًا مع الحالة الاستعمارية التي عاشتها العديد من الدول العربية. وبالنسبة إلى العرب، لم يكن غاندي مجرد قائد هندي يسعى لتحرير بلده، بل كان حكيمًا عالميًا يسعى لتحقيق العدالة بطرق سلمية. وقد عبّر عن هذا الفهم عدد من المفكرين العرب الذين رأوا في نهجه السلمي دعوة للتخلص من العنف والصراعات الطائفية والسياسية.

تمجيد غاندي في الشعر العربي

إلى جانب تأثير غاندي في السياسة، كان له تأثير كبير في الأدب العربي، خاصة في الشعر. ونظم العديد من الشعراء العرب قصائد تمجد قيمه وتعبّر عن إعجابهم بشخصيته ومبادئه. ومن بين هؤلاء الشعراء، أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي كتب قصيدة شهيرة تعبّر عن احترامه الكبير لغاندي. ووصف شوقي في قصيدته غاندي بالإنسان الحكيم الذي قاد شعبه نحو الحرية دون أن يلجأ إلى العنف. وكانت هذه القصيدة إشارة واضحة إلى أن غاندي لم يكن فقط زعيمًا وطنيًا هنديًا، بل كان رمزًا عالميًا للسلام. ومما جاء في القصيدة الشهيرة:

أخوكم في المقاســــاة         وعرك الموقف النكد

وفي التضحية الكبرى        وفي المطلب والجـهد

وفي الجرح وفي الدمع        وفي النفي من المهد

وفي الرحلة للــــحق          وفي مرحلة الـــــوفد

نبي مثل كونفشيـــو          س أو من ذلك العهد

قريب القول والفعل         من المنتظر المهدي

شبيه الرسل في الذود       عن الحق وفي الزهـد (إلى آخر القصيدة)

وبالإضافة إلى شوقي، هناك الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي تأثر بفلسفة غاندي في اللاعنف. وفي إحدى قصائده، أشار درويش إلى قوة اللاعنف في مواجهة العدوان والظلم، مستشهدًا بتجربة غاندي. وقد كان درويش من أكثر الشعراء العرب الذين اعتنوا بالقضايا الإنسانية وحقوق الشعوب المستضعفة، وهو ما جعله يجد في شخصية غاندي مصدر إلهام.

وتأثر الشاعر السوري نزار قباني أيضًا بفلسفة غاندي، فقصائده هي الأخرى تدعو إلى السلام والتسامح. ورغم أن قباني لم يكتب بشكل مباشر عن غاندي، فإن الكثير من موضوعات قصائده التي تتناول السلام والتعايش السلمي تعكس تأثره بالروح الإنسانية التي مثلها غاندي. وهذا التوجه يعزز مكانة غاندي في الذاكرة الثقافية العربية كرمز للسلام والعدل.

غاندي في الوعي العربي المعاصر

رغم مرور أكثر من سبعة عقود على رحيل غاندي، فإن فلسفته وتوجيهاته في اللاعنف وتضامنه الكبير مع الشعوب المظلومة والمضطهدة حول العالم ما زالت تحظى باهتمام كبير في العالم العربي. وفي ظل الظروف الصعبة التي تشهدها المنطقة العربية اليوم، بما في ذلك الصراعات الطائفية والسياسية، والحروب المفروضة عليها من القوى الغربية الاستعمارية التي دمّرت العالم العربي يظل غاندي مثالاً للشعوب التي تسعى لتحقيق السلام الداخلي والعدالة الاجتماعية بطريقة سلمية.

ويتم الاحتفاء بذكرى ميلاد غاندي في الثاني من أكتوبر في العديد من الدول العربية سنويًا، حيث تُعد هذه المناسبة فرصة لتجديد الالتزام بقيم السلام واللاعنف. ففي عواصم معظم البلدان العربية يتم تنظيم فعاليات ثقافية لتكريم غاندي والاحتفاء بفكره وفلسفته، وهو ما يعكس تأثيره المستمر في الأجيال الشابة التي تسعى للتغيير بوسائل سلمية. كما يتم تدريس فلسفته في بعض الجامعات العربية كجزء من المناهج الدراسية التي تتناول قضايا السلام وحقوق الإنسان.

وفي سياق ما يجري حاليًا في فلسطين يجدر بالذكر أن المهاتما غاندي كان يحمل موقفًا واضحًا من القضية الفلسطينية، يتماشي مع التزامه بمبادئه الراسخة حول اللاعنف والعدالة. وفي البداية، رفض غاندي فكرة إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين على حساب العرب الفلسطينيين، معتبرًا ذلك غير عادل. وأكّد غاندي في تصريحاته أن فلسطين هي للعرب كما أن إنجلترا للبريطانيين وفرنسا للفرنسيين، مشيرًا إلى أن حل القضية يجب أن يستند إلى حقوق السكان الأصليين وليس على أساس قوة خارجية تفرض إرادتها. ورغم تعاطفه مع معاناة اليهود بسبب الاضطهاد في أوروبا، فإنه شدد على أن الحل لا يجب أن يأتي على حساب حقوق العرب في أرضهم، مما جعل موقفه داعمًا للقضية الفلسطينية وسلامة أراضيها.

اقرأ أيضًا: المسلمون في مانيبور من منظور تاريخي وثقافي

ختامًا، يمكن القول إن تأثير المهاتما غاندي في العالم العربي يمتد إلى أبعد من كونه مجرد زعيم وطني. ولقد كان غاندي رمزًا للنضال السلمي ضد الظلم والاستعمار، وهو ما جعله يحظى باحترام وإعجاب الكثير من المثقفين والقادة العرب. سواء من خلال السياسة أو الأدب، ستظل قيم غاندي في السلام واللاعنف تراثًا خالدًا يمكن أن تستلهم منه الأجيال العربية في كفاحها من أجل العدالة والحرية.

وأثبتت قصائد الشعراء العرب التي مدحت غاندي ومبادئه أن تأثيره لم يقتصر في الهند فقط، بل امتد ليشكل جزءًا من الذاكرة الثقافية للعالم العربي. وسيبقى غاندي رمزًا عالميًا للسلام والإصلاح الاجتماعي، ومصدر إلهام للشعوب المكافحة في كل مكان.

أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي