دور المسلمين الهنود في كفاح تحرير الهند

Story by  Prof. Mujeebur Rahman | Posted by  M Alam | Date 15-08-2024
دور المسلمين الهنود في كفاح تحرير الهند
دور المسلمين الهنود في كفاح تحرير الهند

 

أ.د. مجيب الرحمن

تحتفل الهند بعيد استقلالها الثامن والسبعين في 15 أغسطس 2024م، وهي فرصة للتأمل في التضحيات الكبيرة التي قدّمها أجدادنا من أجل تحرير البلاد. في هذا السياق، يستعرض المقال دور المسلمين الهنود في الكفاح من أجل الاستقلال، مستعرضًا مساهماتهم العميقة والشاملة في النضال ضد الاستعمار البريطاني.

ولقد كانت مساهمة المسلمين في حركة الاستقلال حاسمة وشاملة، حيث قدّموا تضحيات جليلة وأسهموا بأدوار متعددة في النضال السياسي والاجتماعي. ومن خلال مشاركتهم الفعّالة في الأحزاب السياسية والمنظمات الثورية، وحتى عبر الكتابات والفعاليات الثقافية، أثبت المسلمون الهنود التزامهم العميق بوحدة الوطن وسعيهم لتحقيق العدالة والمساواة.

ولقد تطور "الوعي الوطني" في الهند تدريجيًا خلال فترة الحكم البريطاني بسبب سياسات الاستعمار التي أثّرت بشكل كبير على مختلف طبقات الشعب الهندي. أدّى الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي للهند إلى سخط واسع، مما أسهم في نشوء الوعي الوطني الذي تجلّى في الانتفاضات الشعبية التي قادت في النهاية إلى حركة وطنية منظمة.

ولقد استغل البريطانيون الدين لتحقيق أهدافهم، ونفّذوا سياسة "فرق تسد" مما زاد من الفجوة بين المسلمين والهندوس في الهند، وخاصة في البنغال، حيث عملوا على تعزيز الانقسامات الطائفية لتمكين سيطرتهم. وكانت هذه السياسة جزءًا من استراتيجيتهم الأوسع لتفكيك الوحدة الوطنية ومنع أي حركة مناهضة للاستعمار من التوحد.

ومع ذلك، كان للقادة المسلمين دور كبير في النضال من أجل الاستقلال. فتميّزت مشاركتهم عبر التاريخ بتضحيات هائلة وعظيمة في الأرواح والممتلكات، ابتداءً من حيدر علي ونجله تيبو سلطان، نمر ميسور، والحكام المغول مثل بهادر شاه ظفر وبيجوم حضرت محل إلى العلماء والمثقفين الذين ساهموا في كفاح الاستقلال: كالعلامة فضل حق الخير آبادي، والمولوي أحمد الله شاه، وعلماء ديوبند الشيخ مولانا قاسم النانوتوي ومحمود حسن ومئات من أمثالهم، وخان عبد الغفار خان، ومولانا أبي الكلام آزاد، ومولانا محمد علي جوهر، ومولانا شوكت علي جوهر، والعلامة محمد إقبال، والشيخ محمد بركت الله، وبِي أما (والدة أخوَي علي)، وبدر الدين طيب جي، والحكيم أجمل خان، والدكتور إم. إيه. أنصاري، والدكتور سيف الدين كيشلو، والدكتور بشير أحمد، وسيد أمير علي، والدكتور سيد محمد، والعلامة حسرت موهاني، والنواب عبد اللطيف، وألطاف حسين حالي، وسيد أحمد البريلوي، ومولانا شبلي النعماني، والمنشي كرامت علي، والمنشي ذكاء الله خان، ومولانا مظهر الحق،والدكتور ذاكر حسين، وآصف علي، وكثيرون لا يأتي عليهم الحصر. وهؤلاء القادة لم يقدّموا الدعم النضالي فقط، بل شكّلوا جزءًا كبيرًا وحاسمًا من الحركة الوطنية، معبّرين عن التزامهم بالاستقلال الوطني بشتى الوسائل.

وتاريخيًا، أسهمت ثورة 1857م بشكل كبير في نشأة الوعي الوطني في الهند، حيث شكلت رد فعل ضد الاستغلال الوحشي البريطاني. وبعد معركة بلاسي في 1757م، رسخ البريطانيون سيطرتهم على البنغال وسعى التجار البريطانيون الجشعون لإثراء أنفسهم على حساب الشعب الهندي، مما أدّى إلى مصاعب اقتصادية واجتماعية خطيرة. وذكر شاشي ثارور في كتابه "عصر الظلام: الإمبراطوية البريطانية في الهند" أن الاستعمار البريطاني في الهند عمل على إفقار أغنى دولة في العالم، حيث كان نصيب الهند من الناتج المحلي العالمي 24% حينما احتل البريطانيون الهند، ولما غادروا الهند في عام 1947م انحط إلى أقل من 3%، ولذلك انتفض الهنود في ثورة شعبية عام 1857م، وتعد هذه الثورة حرب الهند الأولى للاستقلال، وكانت مشاركة المسلمين فيها ضخمة، وقدّموا فيها تضحيات جسيمة، حيث قتل مأتا ألف منهم على الأقل،  ودمّرت ممتلكاتهم، وتعرضوا لأشد التنكيل والتعذيب على أيدي الحكام البريطانيين، وتصدر العلماء المسلمون حركات الثورة على الحكم البريطاني فتعرضوا للقتل والتعذيب والسجن والنفي إلى مالتا. وهناك حكايات تقشعر لها الأبدان لما تعرض له العلماء المسلمون من التعذيب بطرق وحشية، ولكن للأسف، اختفت تضحيات العلماء المسلمين عن الذاكرة الشعبية.

وفي عام 1885م، تأسس المؤتمر الوطني الهندي بمبادرة البريطاني إيه. أو. هوم، وكانت أهداف المؤتمر تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ الروابط بين الأحزاب السياسية وتشكيل الرأي العام. وحظي المؤتمر بدعم كبير من المسلمين، خصوصًا من علماء ديوبند الذين قدّم أسلافهم تضحيات كبيرة في ثورة 1857م، ولعلماء ديوبند مساهمات جليلة في حركة تحرير البلاد، ويجدر بالذكر خاصة حركة الرسائل الحريرية التي خاضها الشيخ محمود حسن الديوبندي وزملاؤه وتلاميذه من أمثال حسين أحمد المدني وعبيد الله السندهي، وهي تشكل حلقة ذهبية من حلقات الكفاح من أجل استقلال البلاد، وما تأسيس جمعية علماء الهند إلا لبث الوعي القومي وبذل الجهود لإحراز الاستقلال وتقدم البلاد سياسيًا واجتماعيًا.

ولقد أدرك العديد من القادة المسلمين أن التعليم والثقافة يمكن أن يكونا أدوات فعالة في النضال من أجل الاستقلال. فأسّسوا العديد من المدارس والجامعات في المناطق لنشر التعليم وتزويد الشباب بالمعرفة اللازمة للمشاركة في النضال السياسي، كما أنشأوا صحفًا ومجلات لمحاربة الاستعمار البريطاني، كما فعل أبو الكلام آزاد من خلال صحيفتي "الهلال" و"البلاغ" أو كما فعل محمد علي جوهر من خلال صحيفة "كومريد" الإنجليزية وعشرات المجلات الأخرى بشتى اللغات الهندية وعلى رأسها لغة الأردو. وبالتالي، كان للمسلمين الهنود إسهامات ثقافية بارزة في حركة الاستقلال. فقد كتب العديد من الكتاب والشعراء والمفكرين المسلمين باللغة الأردية والعربية، وساهموا في تعزيز الوعي الوطني من خلال أدبهم وفنونهم. والأدب والشعر كانا وسيلتين مهمتين للتعبير عن الروح الوطنية وتوجيه انتقادات للسياسات الاستعمارية.

المشاركة في الحركات الشعبية

شهدت الهند في النصف الأول من القرن العشرين حركات شعبية مهمة قادها الزعماء مثل المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو وسوبهاش تشاندرا بوس، والتي كانت تهدف إلى القضاء على الاستعمار البريطاني وتحقيق استقلال البلاد. وقد كان للمسلمين الهنود دور بارز ومؤثر في هذه الحركات، حيث شاركوا بفعالية في الجهود الوطنية المبذولة.

ومن الأمثلة البارزة لهذه الحركات حركة العصيان المدني وعدم التعاون التي انطلقت بقيادة المهاتما غاندي في عام 1920م، وهي إحدى أهم الحركات الشعبية في النضال من أجل الاستقلال. وقد لاقت الحركة استجابةً واسعةً من جميع الطوائف الهندية، بما في ذلك من المسلمين الهنود. ودعم العديد من قادة المسلمين هذه الحركة، وشجّع غاندي في هذه الحركة على مقاطعة المؤسسات البريطانية، مثل المحاكم والمدارس والدوائر الحكومية، وطلب من الشعب الهندي الامتناع عن التعاون مع السلطات الاستعمارية. وقد تجاوب المسلمون الهنود مع هذه الدعوة، حيث شاركوا في المقاطعة بشكل واسع، مما أدّى إلى تقليص نفوذ السلطات البريطانية في عدة مناطق، كما نظّم المسلمون فعاليات شعبية لدعم حركة عدم التعاون، وشاركوا في مقاطعة البضائع البريطانية والاحتجاج ضد الإجراءات الاستعمارية، ويعتبر تأسيس الجامعة الملية الإسلامية الشهيرة جزءًا من حملة توطين التعليم في الهند.

حملة الملح

أحد أبرز الأمثلة على التعاون بين المسلمين والقيادة الوطنية كان حملة الملح التي قادها غاندي في عام 1930م. كانت هذه الحملة تهدف إلى تحدي احتكار البريطانيين للملح وفرض الضرائب عليه، والتي كانت تشكل عبئًا اقتصاديًا على الشعب الهندي.وشارك المسلمون الهنود بشكل نشِط في حملة الملح، حيث نظّموا مسيرات واحتجاجات وعمليات جمع الملح بشكل غير قانوني كجزء من الحملة. وكانت هذه المشاركة تعبيرًا عن دعمهم للحركة الوطنية، وقدّموا تضحيات كبيرة في مواجهة القمع والاعتقالات التي فرضتها السلطات البريطانية.

وعندما حاولت الحكومة البريطانية فرض تغييرات على النظام الدستوري في الهند، مثل قانون الحكومة الهندية لعام 1935م، قام المسلمون الهنود بدور كبير في معارضة هذه القوانين. وكان هناك شعور عام بين المسلمين بأن هذه القوانين لم تكن عادلة وتمثل استمرارًا للهيمنة البريطانية.وفي هذا السياق، تضافرت جهود المسلمين مع جهود القوى الوطنية الأخرى للضغط على الحكومة البريطانية لتعديل القوانين بما يتماشى مع المطالب الوطنية. وقد قاد قادة مسلمون، حملات للتعبير عن معارضتهم للقوانين الجديدة والمطالبة بمزيد من الحقوق والحريات.

الاتحاد الوطني خلال الحرب العالمية الثانية

أثناء الحرب العالمية الثانية، استغل المهاتما غاندي الوضع لتحقيق مكاسب في النضال من أجل الاستقلال. أطلق غاندي في عام 1942م "حركة ارحلوا عن الهند" والتي طالبت بإنهاء الاستعمار البريطاني فورًا.وشملت هذه الحركة تحالفًا بين مختلف الطوائف في الهند، بما في ذلك المسلمون، والذين قدّموا دعمًا هائلاً للحملة. وقد واجهت الحركة قمعًا عنيفًا من السلطات البريطانية، حيث تم اعتقال العديد من قادة الحركة، ولكن استمر المسلمون في دعمهم للحملة والمشاركة في المظاهرات والاحتجاجات.

مقاومة السياسات الاستعمارية

لم يقتصر نضال المسلمين الهنود على المساهمة في الحركات السياسية والثقافية فحسب، بل كان لهم دور كبير في مقاومة السياسات الاستعمارية. وعلى سبيل المثال، كانت هناك مقاومة فعّالة ضد سياسات الضرائب الجائرة وقوانين الأراضي التي فرضها البريطانيون على الفلاّحين. وقد قام المسلمون الهنود بتنظيم احتجاجات وفعاليات لمواجهة هذه السياسات غير العادلة.

وإن إسهام المسلمين الهنود في نضال استقلال الهند كان كبيرًا ومتشعبًا، وشمل عدة جوانب من الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية. فقد ساهموا بشكل فعال في الثورة ضد الاستعمار البريطاني، وقادوا حركات وطنية مهمة، وأثروا بشكل إيجابي في التعليم والثقافة. وبينما كان هناك تباين في الرؤى والأهداف بين مختلف القادة والمجموعات، إلا أن التزامهم وإسهاماتهم تظل جزءًا لا يتجزأ من قصة نضال الهند من أجل الاستقلال. وإن تقدير هذا الدور لا يعزّز فهمنا للتاريخ فحسب، بل يسلط الضوء على أهمية التعاون والتضامن بين مختلف الطوائف في النضال من أجل العدالة والحرية.

اقرأ أيضًا: البروفيسور عبد الباري جعل العمال جزءًا من حركة استقلال الهند

وعند اقتراب الهند من تحقيق استقلالها في عام 1947م، كانت هناك معارضة واسعة لفكرة تقسيم الهند. واعتبر كثيرون أن القومية لا يمكن تحديدها بالدين وأن الهند تتكون من ديانات متنوعة يمكن أن تعيش بسلام ضمن دولة واحدة. كما عارض زعماء مثل خان عبد الغفار خان وأبو الكلام آزاد وعلماء ديوبند بشكل خاص فكرة تقسيم الهند، معتبرين إياها مؤامرة استعمارية.

اقرأ أيضًا: القاضي أحمد حسين: بطل مجهول في النضال من أجل حرية الهند

فإن مشاركة المسلمين الهنود في كفاح تحرير البلاد تدل على حماسهم وتفانيهم وإخلاصهم لاستقلال البلاد. بذل المسلمون لذلك جهودًا مشرقة، وقدّموا تضحيات جسيمة. والتزامهم بالوحدة الوطنية يعكس تقاليدهم الثقافية التي أسهمت في بناء ديمقراطية علمانية في الهند، التي تعكس التعددية الثقافية وتؤكد على قيم التسامح والتعاون بين مختلف الطوائف.

أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي