العلاقة بين جمهورية الهند والمملكة العربية السعودية

Story by  آواز دي وايس | Posted by  M Alam | Date 30-09-2024
العلاقة بين جمهورية الهند والمملكة العربية السعودية
العلاقة بين جمهورية الهند والمملكة العربية السعودية

 

أسعد أعظمي بن محمد أنصاري

الهند دولة قديمة غارقة في القدم، وهي دولة مترامية الأطراف، ورغم انقسامها إلى ثلاثة أقسام –الهند وباكستان وبنغلاديش– تحتضن الهند فقط بمليار و400 مليون نسمة، وتصنف الدولة بالمرتبة الثانية في قائمة ترتيب الدول حسب عدد السكان، ويعادل عدد سكان الهند نحو 18% من عدد السكان في العالم. وتبلغ نسبة السكان المسلمين نحو 15% من مجموع السكان، وهم رغم كونهم أقلية يعتبرون ثاني أكبر تجمع للمسلمين عالميًا بعد إندونيسيا.

ويرجع تاريخ علاقة هذه الدولة بالجزيرة العربية إلى ما قبل عهد الإسلام. فكان هناك تبادل تجاري بين العرب والهنود، وكان التجار العرب يقطنون في السواحل الجنوبية والغربية للهند، ويمارسون تجارتهم عبر البحار، وقد نشطت هذه التجارة بعد دخول الإسلام في الهند في عهد الخلفاء الراشدين، ولا تزال علاقة العرب بأهل الهند في رقي وازدهار، بل توسعت في عهد الإسلام لتشمل الجوانب العلمية والثقافية والاجتماعية إلى الجانب التجاري. ولكونها مهبط الوحي ومركز الإسلام أصبحت الجزيرة العربية محط أنظار مسلمي العالم بمن فيهم مسلمو الهند أيضًا. والمسلمون في الهند حكموا في البلاد نحو ثمانية قرون، وكانوا –ولا يزالون- ينظرون إلى إخوانهم العرب باعتبارهم أشقاء في الدين والعقيدة، بل ينظرون إليهم نظر التقديس والإجلال لانتمائهم إلى تلك البلاد المقدسة التي يعدون زيارتها أكبر أمنياتهم.

وفي الثلاثينات من القرن الميلادي الماضي لما توطدت أركان السعودية الثالثة على يد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمهم الله، وعاد الأمن والاستقرار في ربوع الحرمين والمناطق المجاورة، وقامت دولة التوحيد، نشطت علاقة المسلمين الهنود بأرض الحرمين. ولما تم تحرير الهند من براثن الاستعمار البريطاني عام 1947م وقامت دولة جمهورية في البلاد بدأت تستأنف علاقتها بدول العالم. وكانت المملكة العربية السعودية آنذاك قد قطعت أشواطًا من النهضة والرقي، فقامت بين البلدين علاقات وطيدة، وتقارب كل منهما إلى الآخر، وبدأت سلسلة زيارات كبار المسؤولين من كلا الجانبين. حيث قام الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله بزيارة إلى الهند في شهر مايو 1955م وكان آنذاك وليا للعهد، ثم جاءت زيارة الملك سعود بن عبد العزيز إلى الهند في نوفمبر في العام نفسه، واستغرقت 17 يومًا، ثم زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز في يناير 2006م، وزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز –وكان أمير منطقة الرياض– في أبريل 2010م، وزيارة أخرى له –وكان وليا للعهد– في فبراير 2014م، وأخيرًا زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في فبراير 2019م، وزيارته في سبتمبر 2023م.

ومن طرف الهند، هناك زيارات رفيعة المستوى أيضًا إلى المملكة العربية السعودية، فقد زارها رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو عام 1956م، ثم رئيسة الوزراء إنديرا غاندي عام 1982م، بعدها رئيس الوزراء منموهان سينغ عام 2010م، ولرئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي زيارات متكررة إلى السعودية.

وفي المجالات العلمية والثقافية ازدهرت العلاقات بين الجانبين على أصعدة مختلفة. فهناك وفود رسمية وشعبية من الشخصيات الأكاديمية تتبادل الزيارات من كلا الطرفين، لأغراض علمية وثقافية، مثل المشاركة في المؤتمرات والندوات والدورات والملتقيات، وإلقاء الدروس والمحاضرات، والتدريس والدعوة والإرشاد، وعقد برامج تدريبية وتربوية، وإقامة اللقاءات مع الخريجين. والمملكة سباقة في ميدان نشر العلم والمعرفة وتبديد ظلام الجهل والضلالة، ففتحت أبواب جامعاتها ومعاهدها أمام الطلبة الهنود، وقامت بتكريم العلماء والباحثين ومنحتهم الأوسمة والجوائز، ورشحتهم لعضوية جامعاتها ومنظماتها، ومن جانبها تحتضن دولة الهند بعدد غير قليل من الطلاب السعوديين الذين يواصلون دراستهم في مختلف الجامعات الهندية الرسمية والخاصة في تخصصات متنوعة.

ويقول رئيس الجامعة السلفية الأسبق الدكتور مقتدى حسن الأزهري رحمه الله: "الجامعات الرسمية الهندية في العصر الحديث قد لعب دورًا هامًا بارزًا في دعم العلاقات الثقافية بين البلدين، فإنها اهتمت بتدريس اللغة العربية وآدابها في مناهجها على مستوى الكلية والدراسات العليا، ونظمت دروسًا خاصة للراغبين في تعلم اللغة العربية والاطلاع على آدابها وثقافتها، وهذا بجانب المدارس الإسلامية التي اهتمت باللغة العربية بدافع ديني، ولكنها لم تصرف النظر عن الجانب الثقافي. ومن هنا نرى أن هذه المدارس قد خرجت شخصيات علمية كبيرة لا تزال الهند تفتخر بها وتقدمها إلى الأوساط العلمية رمزا لعنايتها بالثقافة العربية والشعب العربي..." (صوت الأمة: فبراير 2006م/محرم 1427هـ، ص:6).

وكانت المملكة المحروسة ترسل أساتذتها السعوديين للتدريس بالجامعة السلفية ببنارس في السنوات الأولى من تأسيسها، منهم: سماحة الدكتور ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله، والشيخ صالح بن حسين العلي، والدكتور هادي أحمد الطالبي، والشيخ عبد الله الغنيمان، والشيخ علي المشرف العمري، والشيخ عبيد الله بن صالح المحسن، رحمهم الله.

وقد عقد مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية "شهر اللغة العربية في الهند" في أبريل عام 2017م بالتعاون مع الملحقية الثقافية السعودية في نيودلهي، والجامعة الملية الإسلامية، واتحاد أساتذة وعلماء اللغة العربية لعموم الهند. وقد اشتمل البرنامج على أنشطة مكثفة وفعاليات متنوعة من المحاضرات والندوات والدورات والمسابقات. وضمن هذا البرنامج تم عقد معرض عربي باسم معرض التراث العربي في الهند في الجامعة الملية الإسلامية.

اقرأ أيضًا: فعاليات "برنامج شهر اللغة العربية في الهند" تختتم في دلهي وكيرالا

وقد نظّم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية دورة تدريب معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها في شهر أكتوبر 2023م في جامعة جواهر لال نهرو بالتعاون مع اتحاد أساتذة وعلماء اللغة العربية لعموم الهند. وقام مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، مؤخرًا، بتنظيم "برنامج شهر اللغة العربية" في الهند، بدءًا من غرة يوليو واستمر إلى 27 يوليو 2024م في نيودلهي وكيرالا، بالتعاون مع اتحاد أساتذة وعلماء اللغة العربية لعموم الهند، وجامعة جواهر لال نهرو وجامعة دلهي والجامعة الملية الإسلامية في دلهي، وجامعة كيرالا.

اقرأ أيضًا: الشراكة الاستراتيجية بين الهند والسعودية

وحلّت المملكة العربية السعودية، ضيف شرف في معرض نيودلهي الدولي للكتاب 2024م، والذي أقيم في ساحة معرض براغاتي في نيودلهي خلال الفترة من 10 إلى 18 فبراير.

واتضح لنا بهذا العرض الموجز أن العلاقة بين البلدين قائمة على أسس متينة وقد شهدت آفاقًا جديدةً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان آل سعود. 

والله تعالى أسأل أن يحفظ للمملكة المحروسة رقيها وازدهارها، وأمنها واستقرارها، ويرد كيد الكائدين ومكر الماكرين. إنه سميع قريب مجيب.

أسعد أعظمي بن محمد أنصاري هو أستاذ في الجامعة السلفية ببنارس، أترابراديش