راجِستهان – تاريخها وثقافتها

20-08-2024  آخر تحديث   | 20-08-2024 نشر في   |  M Alam      بواسطة | Prof. Rizwanur Rahman 
راجِستهان – تاريخها وثقافتها
راجِستهان – تاريخها وثقافتها

 

أ.د. رضوان الرحمن

راجِستهان أي ولاية الملوك والسلاطين من الولايات التي تشتهر بقصورها الشامخة وثقافتها المتنوعة ومهرجاناتها المنفردة وملابسها الخاصة وموسيقاها ورقصاتها المنفردة. وإنها من المناطق الواقعة على الحدود الشمالية الغربية تسيطر عليها الصحارى والرياح الحارة والرمال. ولكن رغم المناخ الشديد والحرارة المرتفعة تتميز هذه الولاية بالثقافة الغنية والتقاليد الشهيرة والمهرجانات التي تجذب ملايين من الناس من داخل الهند وخارجها كل عام في مواسم السياحة. وتشتهر المنطقة أيضًا بالتحف اليدوية والقماش القطني والحريري الملون.

راجستهان ولاية جميلة تقع في الجانب الشمالي الغربي تجاورها ولايات غوجرات ومادهيا براديش وهاريانا وأوترابراديش، كما تحدها جمهورية باكستان من الغرب. ولها ثقافة متنوعة وغنية تشمل بالخصوص الرقص والموسيقى والطعام والمهرجانات والآثار المنفردة. وعلاوة على ذلك، توجد في راجِستهان مجموعة متنوعة من الناس من ديانات ولغات وخلفيات مختلفة. وتشدد الثقافة الراجستهانية على المعاملة الجيدة مع السياح والاحترام للكبار والضيافة لجميع الزُوّار. وحسب التقاليد، الضيف بمثابة الإله وهو مصدر الخير والبركة. ولذلك تعتبر راجستهان من أفضل الأماكن إذا كان يرغب أحد في استكشاف مكان يتمتع بثقافة غنية في الهند. ويزور عدد كبير من السياح الهنود والأجانب القلاع والقصور في الولاية، ومنها قلعة عامر(Amer Fort) الواقعة على مرتفعات سلسلة جبال آرافالي، وهوا محل(Hawa Mahal) ، والقصر الواقع في وسط البحيرة(Lake Palace) في مدينة جايبور، وقلعة رانتهامبور، وقلعة جايسالمير وغيرها من المعالم التاريخية.

تاريخ راجِستهان

ولاية  راجِستهان، أرض القصور والسحر الغريب، والألوان الصاخبة التي تدفع الزوار إلى الإحساس بالفخر والشرف. وتنقسم الولاية إلى المنطقة الجنوبية الشرقية الجبلية والمنطقة الوعرة غير المعمورة ومنطقة الصحراء القاحلة في الشمال الغربي الواقعة على حدود باكستان. وهناك عديد من المدن التاريخية التي تشتهر بفخامتها وغنائها وأحجارها الكريمة النادرة وأساطيرها، ومن هذه المدن جايبور وأودايبور. كما توجد عدد من المراكز التي تجذب الزوار من كل مكان، منها مدينة بوشكار  (Pushkar) المعروفة ببحيرتها المقدسة للهندوس ومدينة جايسالمير الصحراوية التي تشبه خيالاً من قصص "ألف ليلة وليلة". وراجستهان هي من أحد الأماكن السياحية الرئيسة في الهند، فلا يغادرها أحد دون حفظ ذكرياتها الثمينة وتحفها اليدوية وملابسها الملونة.

هوا محل

وحسب التاريخ كانت ولاية راجِستهان  مأهولة قبل عام 2500 قبل الميلاد، وهي كانت من مواقع حضارة وادي السند التي عثرت بقاياها في شمال ولاية راجستهان. وكانت قبيلتي "بِهيل" و"مِينا" من أوائل سكان هذه المنطقة. وحوالي عام 1400 قبل الميلاد جاء الآريون من آسيا الوسطى واستقروا فيها. فنزح السكان المحليون إلى جنوب الولاية وشرقها. وتبعهم الأفغان والأتراك والفرس والمغول، وحاربوا في البداية الملوكَ المحليين المنتسبين إلى طبقة الراجبوت العسكري.

ومنذ زمن الإمبراطور هارشا فاردانا (606م) حتى تأسيس سلطنة دلهي في القرن الثاني عشر، تم تجزئة ولاية راجستهان إلى ممالك متعددة متنافسة. وخلال هذه الحقبة الزمنية، زادت قوة ممالك الراجبوت وثرواتهم. وخلال حكومات مختلف سلالات ملكية مسلمة في سلطنة دلهي بقيت الولاية تحت سيطرتها المباشرة وغير المباشرة. ومع مرور الزمن، انقسمت الولاية إلى 36 سلالات ملكية. ولكن رغم العدوان الخارجي والداخلي المستمر استقرت ولاية راجستهان لمدة طويلة تحت حكم الراجبوت الذي بذل جهده لترقية الولاية في جميع المجالات حتى القرن الرابع عشر حيث انخفض نفوذهم في المنطقة.

وجاء المغول ولكن لم يسيطروا على المنطقة لفترة طويلة حتى تولّى الإمبراطور أكبر المغولي مقاليد الحكم في دلهي. فأجرى تحالفات بالزواج مع أميرات من طبقة الراجبوت، وبالتالي حوّلهم من الأعداء إلى الأصدقاء. ولترسيخ حكمه أعطى مناصب عليا للعديد من الأمراء الراجبوت. ومع ذلك، عندما ضعف المغول سارعوا إلى التمرد. ولكن بقيت أغلبية مناطق راجستهان تحت سيطرة دلهي حتى انتشار الاستعمار البريطاني. ومع توسع الحكم البريطاني في الهند، دخلت معظم ولايات الراجبوت إلى التحالف مع البريطانيين، مما سمح لها بالاستمرار كدول مستقلة، ولكل منها ملكها الخاص، مع مراعاة بعض القيود السياسية والاقتصادية. وأثبتت هذه التحالفات بداية النهاية لحكام الراجبوت.

وبعد الاستقلال، وقّعت ولايات الراجبوت المستقلة على صفقة من أجل موافقتها على الانضمام إلى الهند. وسُمح للحكام بالاحتفاظ بألقابهم، وتم تأمين ممتلكاتهم، وحصلوا على راتب سنوي يتناسب مع مكانتهم. ومع ذلك، لم يكن من الممكن أن يستمر الأمر إلى الأبد، فتم إلغاء كل من الألقاب والرواتب في السبعينيات من القرن الماضي. وفي الواقع، حتى يومنا هذا، فإن أحفادهم، على الرغم من تجريدهم من ألقابهم وممالكهم، يحظون بالتبجيل كحكام من قبل عامة الناس.

ثقافة راجستهان

يعيش سكان راجستهان حياة حافلة بالفرح والسرور. فإن الألوان والموسيقى والديانات والفروسية هي من أهم ميزات حياة هذه المنطقة. وسكان راجستهان بعد العمل الشاق في شمس الصحراء القاسية والتضاريس الصخرية، إذا وجدوا وقت الفراغ، ذهبوا للتمتع بمختلف أنواع الرقص والغناء والمسرحية والموسيقى الدينية وعروض الدمى. ولكل منطقة ترفيهها الشعبي المنفرد، وتختلف أساليب الرقص كما تختلف الأغاني والموسيقى حتى آلات الملاهي. وأهم أنواع الأغاني هو الأغاني الدينية وأيضا تلك التي تتناول فروسية الناس وتاريخ المنطقة، يغنيها الفنانون المحترفون من مختلف قبائل راجستهان الذين يتواجدون في جميع أنحاء الولاية. ويتم رعايتهم من قبل القرويين الذين يشاركون في العروض التي يقدمها هؤلاء الفنانون.

 الرقص والموسيقى: بعض أشكال الرقص والموسيقى المعروفة في راجستهان هي رقص غُهومار. هو رقص جماعي للنساء ويتم أداؤه في المناسبات الاجتماعية السعيدة. وهذا الرقص بسيط للغاية حيث تتحرك السيدات برفق ورشاقة في دوائر. والرقص الراجستهاني الثاني الشهير هو غيت غهومارالذي يشارك فيه الرجال والنساء كلاهما. ورقص غيت(Gait) هو رقص الرجال فقط يتم عرضه بمناسبة هولي أي عيد الألوان. وأيضا يُعرف بـ "دانديا"  في منطقة جودهبور وغِيندادفي منطقة شيخاوتي. كما يوجد رقص "تشاري"وهو رقص جماعي نسائي شائع في منطقتي أجمير وكيشانجاره ويتضمن الرقص وضع وعاء على رأس أحد الأشخاص. ثم يتم وضع مصباح مضاء على الوعاء. كما توجد أنواع أخرى من الرقص والعروض مثل رقص كاتشي غوري والرقص أكثر شهرة هي رقص حول النار أو على النار حيث يمشي ويركض شخص أو أشخاص على النار على وقع دقات الطبول. ويتم عرض رقص "تِيراه تالي" تقديسًا لإله السرقة، بابا رامديف، في منطقةبوخران وديدفانا. ولكن الرقص "كتهبوتلي"هو أكثر شعبية في المنطقة. وهو عرض مسرحيات الدمى المأخوذة من الأساطير الشعبية يقوم به محرّك الدمى. ويعرض محرك الدمى مهارته في جعل الدمى تتحرك وترقص وأحيانا تصارع، وأيضًا يرافق الفنان امرأة، تدق الطبلة وتغني الأنشودة.

وأما المهرجانات والمناسبات في راجستهان فهي مرتبطة بالديانات مثل مهرجان أو سوق بوشكر الذي يستقبل المعتقدين الهندوس والسياح في عدد كبير من جميع أنحاء العالم. ويُعتبر أيضًا من أكبر أسواق الجمل في الهند. كما يتجمهر عامة الناس سنويًا في سوق بيكانير للجمل. ومهرجان ميوار العالمي في أودايبور وهو مناسبة مهمة لعرض ثقافة راجستهان. كما توجد مهرجانات متعلقة بالفيل والجمل والصحراء التي تصف حياة سكان راجستهان وصفًا جميلاً. وبالإضافة إلى هذه المهرجانات، أكبر المهرجانات الدينية عند المسلمين هو عرس الصوفي خواجه معين الدين الجشتي وهو مناسبة وفاته التي تعقد في شهر جمادي الثاني كل عام ويشارك فيها آلاف من المعتقدين من المسلمين والهندوس من شبه القارة الهندية.

التحف اليدوية: تُعدّ ولاية راجِستهان من أغنى الولايات في مجال الفنون والحرف اليدوية. ربما هو نتيجة أسلوب الحياة الحربي للشعب الذي دفعهم إلى الإبداع والمهارات الفنية وخلق أغنى الكنوز الثقافية. واكتسب سكان هذه المنطقة، عبر العصور، مهارة إعطاء أشكال رائعة للأحجار والطين والجلد والخشب والعاج والزجاج والنحاس والفضة والذهب والقماش. فاشتهرت راجِستهان بوفرة المجوهرات للرجال والنساء، حيث تتميز كل منطقة بأسلوبها الفريد.

وتشتهر الولاية بالخصوص لتماثيل الآلهة من الحجر. ويوجد في بعض المدن أزقة وشوارع كاملة حيث يمكن رؤية نحّاتي الحجارة وهم يضعون اللمسات الأخيرة على التماثيل والأعمدة وأساور النساء. كما توجد في مختلف أنحاء ولاية راجِستهان  صناعات أخرى مثل الفخار الأزرق، والطباعة اليدوية، والصباغة، والتحف المصنوعة من الطين، والرسم على جلد الإبل، والتطريز، والرسم على القماش، والتطريز بالخيوط، وأعمال الترصيع على النحاس والخشب وصناعة الأحذية والمحفظات من جلد مختلف الحيوانات.

الأكلات والملابس: كل منطقة من الهند تتميز بالأكلات والملابس الخاصة تختلف إلى حد كبير من أخرى. وهي تعتمد على المناخ والمواد المتواجدة في المنطقة. وأغلبية سكان راجستهان تفضل أكلات نباتية متكونة من الحبوب والخضار واللبن. وكان ولا يزال الطعام في راجستهان عملاً جديًا للغاية، وقد وصل إلى مستوى الفن. وفي الماضي، كان مئات من الطهاة يعملون في القصور ويحتفظون بوصفاتهم سرًا بعناية. وقد انتقلت بعض الوصفات إلى أبنائهم. والآن يروي الناس قصص الطعام التي تحكي محاولة الطهاة إبهار ضيوفهم بتقديم أطباق منفردة. وكان الضيوف الملكيون يستمتعون بأطعمة شهية مثل الإبل المحشوة والماعز والدجاج والطاؤوس. وكان الطعام يُقدم في أواني ذهبية وفضية، وكان عدد الأطباق في وجبة يصل إلى أكثر من مئة طبق. وكان من غير الممكن عادة تذوق كل الأطعمة الشهية التي كان يتم تقديمها. وأصبح الآن تقديم الأطباق غير العادية للضيوف أمرًا ذا أهمية.

ولقد دخل أفضل فنون الطهي في الهند مع المغول التي بالتالي أثّرت في المطابخ الملكية الهندية، كما أثرت فيها فنون الطهي الأوروبية. ولكن مطبخ عامة الناس ظلّ على حاله، وخاصة في ولاية راجِستهان. ويتمتع الطهي هناك بنكهة فريدة من نوعها، وتستخدم أبسط المكونات وأكثرها أساسية في تحضير أغلب الأطباق. فإن الطعام الراجستهاني الأكثر شهرة حاليًا هو مزيج العدس والحبوب والشوربة، ولكن بالنسبة إلى الزوار من الخارج والراغب في التجربة، فهناك الكثير من الأكلات المتنوعة المتاحة في المطاعم. وبالإضافة إلى النكهات الحارة، تتميز كل منطقة بحلوى المعروف بـ لادو من جودبور وجيسالمير، ومالمالبوا من بوشكار، وراسوغولا من بيكانير، ودِيلجاني من أودايبور، ومِيشري ماوا من جايبور، وسوهان حلوى من أجمير وغيرها من الحلويات.

وولاية راجِستهان مرادفة للحصون المهيبة والقصور الفخمة والبحيرات والكثبان الرملية والإبل والسكان الذين يرتدون أزياء زاهية الألوان. وبسبب المناخ الحار والسماء المغبرة يفضل الناس الأزياء الزاهية. والألوان المفضلة لأهل القرى البسيطة والقبائل حتى العائلة الملكية هي الأحمر والأصفر والأخضر والبرتقالي مع التطريز والتوشيح باللون الذهبي والفضي اللامع.

اقرأ أيضًا: رئيس الوزراء مودي يزور أوكرانيا يوم 23 أغسطس

وكان صباغو راجِستهان وغوجارات المجاورة مهرة في حرفتهم منذ فجر التاريخ. ولا تزال مهارتهم التي لا مثيل لها واضحة في الأزياء التي يرتديها سكان راجِستهان، سواء كانوا أغنياء أو فقراء. وإن دراسة شعب راجِستهان غير مكتملة دون معرفة الأزياء والحلى. وإن أزياء العصر الحاضر تعكس أزياء الماضي. وتعبر الملابس عن شخصية المرء وتميز الناس من أماكن مختلفة عن بعضهم البعض.

فإن ولاية راجستهان فريدة في الهند ثقافيا لانها حافظت على ثقافتها منذ قرون رغم العدوان الآتي من الغرب والضغوط الأوروبية الحالية والدعوة إلى التحديث. والسكان يفتخرون بأصولهم الراجستهانية والتزامهم بالتمسك بثقافتهم الفريدة وترويجها من خلال أعمالهم وفعالياتهم. ولا يزال الضيف عندهم بمثابة الإله وهو سبب للخير والبركة. ولا يزال شعارهم التعايش السلمي مع الجميع.

 أ.د. رضوان الرحمن هو أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي