شعبية اليوغا في البلدان العربية

24-06-2024  آخر تحديث   | 20-06-2024 نشر في   |  M Alam      بواسطة | Prof. Mujeebur Rahman 
شعبية اليوغا في البلدان العربية
شعبية اليوغا في البلدان العربية

 

أ.د. مجيب الرحمن

نشأت اليوغا في الهند القديمة قبل آلاف السنين، حيث كانت تُمارَس كوسيلة لتحقيق التوازن والتناغم بين الجسد والعقل والروح. إبستمولوجيًا، نشأت اليوغا من مجموعة من النصوص القديمة المعروفة باسم "السوتراس" و"الشاستراس"، والتي تضمنت تعاليم الفلسفة والتأمل والتمارين الجسدية. ومن بين الكتب المهمة في تأسيس اليوغا، سوتراس اليوغا لـ باتانجالي(Yoga Sutras of Patanjali) يُعبتر هذا النص من أهم النصوص في الفلسفة اليوغية، وقد وضع باتانجالي قوانين اليوغا التي تتناول التأمل والسيطرة على العقل وتحقيق الوحدة الروحية، وبهاجافاد جيتا (Bhagavad Gita)على الرغم من أنها ليست بالضرورة كتابًا مباشرًا عن اليوغا) إلا أن الجزء الثاني من هذا النص الهندي الكلاسيكي يتناول موضوعات تتعلق بالفلسفة والعمل الروحي التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بممارسات اليوغا. فهذه النصوص تشكل جوهر التعاليم اليوغية التقليدية وتساهم في توجيه الممارسين نحو التوازن والتحقيق الروحي.

وتعتبر اليوغا اليوم نظامًا شاملاً يشمل التنفس والتأمل والتمارين البدنية، ويهدف إلى تعزيز الصحة والسلام الداخلي والوعي الذاتي. واعترافًا بندائها العالمي، في 11 ديسمبر 2014م، أعلنت الأمم المتحدة يوم 21 يونيو يومًا عالميًا لليوغا بموجب القرار 69/131. وهي تعتبر الآن أثمن وأغلى هدية من الهند للعالم.

ولقد تجاوزت شعبية اليوغا الحدود الجغرافية والثقافية لتصبح ظاهرة عالمية، بما في ذلك في البلدان العربية حيث تتزايد شعبيتها بشكل مطرد. ويستكشف هذا المقال العوامل التي ساهمت في شعبية اليوغا في البلدان العربية، وتأثيرها في الأفراد والمجتمعات، والتكيفات الثقافية التي حدثت.

أولاً، يمكن أن تُعزى جاذبية اليوغا في البلدان العربية إلى نهجها الشمولي في الصحة والرفاهية. حيث يتم الاعتراف بشكل متزايد بالوعي بالصحة العقلية، فإن تركيز اليوغا على تقنيات اليقظة والتأمل والاسترخاء له دور كبير في اتساع شعبيتها. وتوفر هذه الممارسة راحة من ضغوط الحياة العصرية، وتعزز السلام الداخلي والتوازن النفسي والروحي، وهي أمور تحظى بتقدير كبير في الثقافات العربية التي تعطي الأولوية للعافية الروحية والعاطفية.

ثانيًا، لقد ساهمت الفوائد الجسدية لليوغا بشكل كبير في اتساع شعبيتها. فمع التركيز المتزايد على اللياقة البدنية وأنماط الحياة الصحية في جميع أنحاء العالم العربي، توفّر اليوغا وسيلة فعالة ومؤثرة لتحسين المرونة والقوة والصحة البدنية العامة. وقد أدّى هذا الإدراك إلى إنشاء العديد من استوديوهات وفصول ومراكز اليوغا في مدن مثل دبي وأبوظبي والقاهرة وبيروت، لتلبية احتياجات مجموعة سكانية متنوعة تتراوح من المهنيين الشباب إلى المتقاعدين.

كما أن هناك مهرجانات عربية مثل مهرجان دبي لليوغا ومهرجان أبو ظبي لليوغا، والمسابقات لليوغا في مصر والدول العربية الأخرى، كلها تعمل على انتشار اليوغا وزيادة شعبيتها في المجتمعات العربية.

وعلاوة على ذلك، فقد كان للتكيف الثقافي لليوغا في الدول العربية دور محوري في قبولها ودمجها في الحياة اليومية. ومع الحفاظ على المبادئ الأساسية لليوغا، تم تكييف اليوغا ليتماشى مع القيم والتقاليد الإسلامية. ويشمل ذلك دمج اللغة العربية في التدريس، وتكييف أوضاع اليوغا لاحترام الحساسيات الثقافية فيما يتعلق بالتواضع، ودمج الروحانية الإسلامية في ممارسات التأمل. ومثل هذه التعديلات جعلت اليوغا في متناول المجتمعات العربية وذات فائدة عملية لها، مما عزّز الشعور بالشمولية والحساسية الثقافية.

وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال دور وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية في نشر اليوغا بين الشباب العربي. واستفاد المؤثرون والمدافعون عن الصحة في جميع أنحاء العالم العربي من منصات مثل إنستغرام واليوتوب للترويج لممارسات اليوغا ومشاركة البرامج التعليمية وبناء مجتمعات عبر الإنترنت. ولقد أدّى هذا التواصل الرقمي إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى اليوغا، والوصول إلى الأفراد الذين قد لا يتمكنون من الوصول إلى الإستوديوهات أو الفصول الدراسية، وبالتالي تم إضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى اليوغا.

وعلاوة على ذلك، فقد قام الدعم الحكومي والمؤسساتي بدور حاسم في نمو اليوغا في الدول العربية وانتشارها. ولقد أدركت الحكومات في دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لترويج السياحة العلاجية فقامت بالاستثمار في البنية التحتية لدعم هذه الصناعة. ويشمل ذلك استضافة مهرجانات اليوغا الدولية وورش العمل والخلوات، ودعوة معلِّمي وممارسي اليوغا المشهورين من جميع أنحاء العالم إليها.

والجدير بالذكر أن السفارات الهندية الكائنة في البلدان العربية تهتم اهتمامًا كبيرًا بالاحتفاء باليوم العالمي لليوغا الذي يصادف 21 يونيو كل سنة، وتنظّم ممارسة جماعية لليوغا على أوسع نطاق تشارك فيها شرائح مختلفة من المجتمعات العربية والإسلامية، وتزداد شعبية هذه البرامج يومًا بعد يوم. كما تعقد الجمعيات والنوادي في كثير من الدول العربية برامج الاحتفاء باليوم العالمي لليوغا، ويتم بثها على المنصات الرقمية مثل الفيسبوك، واليوتوب، والإنستغرام وغيرها من المنصات مما يسهم في اتساع شعبية ممارسة اليوغا.

اقرأ أيضًا: كيف أصبحت منطقة الخليج جزءًا لا يتجزأ من "الجوار الممتد" للهند في عهد رئيس الوزراء مودي

ولا بد من التنويه إلى أن الحكومة الحالية لحزب بهاراتيا جاناتا تحت قيادة السيد ناريندرا مودي جعلت من أولوياتها منذ عام 2014م، ترويج اليوغا في العالم، واتخذت لذلك مبادرات عديدة محليًا وعالميًا، وبذلت جهودًا حثيثةً في نشر اليوغا وزيادة شعبيتها في أنحاء العالم كله حتى في دول العالم العربي والإسلامي. وبفضل هذه الجهود أصبحت ممارسة اليوغا ممارسة شائعة في البلدان العربية ولا سيما فيما بين طبقة الشباب العربي التي تطلع على أحدث الاتجاهات في عالم الرياضة من خلال المنصات الرقمية.

اقرأ أيضًا: المسؤولون السعوديون يمارسون اليوغا في أماكن العمل من أجل الصحة وإدارة التوتر

وفي الختام، فإن شعبية اليوغا في الدول العربية هي شهادة على جاذبيتها العالمية وقدرتها على التكيف. ومن خلال احتضان فوائد اليوغا الجسدية والعقلية والروحية مع احترام العادات والتقاليد والحساسيات الثقافية المحلية، قامت المجتمعات العربية بدمج هذه الممارسة القديمة في أنماط حياتها الحديثة. ومع استمرار اليوغا في التطور والتنوع، فمن المرجح أن تحقق شعبية أكبر في العالم العربي، مما يساهم بشكل إيجابي في رفاهية الأفراد والتبادل الثقافي على نطاق عالمي.

أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي