أديتي بهادوري
كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى موسكو ضخمة من حيث الرمزية، ولم تسفر عنها سوى عدد قليل من الاتفاقيات. وأهمها برنامج التعاون الهندي الروسي في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية في الشرق الأقصى الروسي للفترة من 2024 إلى 2029م، بالإضافة إلى برنامج مبادئ التعاون في القطب الشمالي للاتحاد الروسي.
فهذان الاتفاقان لهما تأثير كبير في الهند حيث إنهما يسهلان زيادة التجارة والمشاريع الاستثمارية المشتركة بين منطقة الشرق الأقصى لروسيا والهند.
في عام 2019م، سافر رئيس الوزراء مودي إلى فلاديفوستوك لحضور المنتدى الاقتصادي الشرقي لروسيا كضيف رئيس. ومنذ ذلك الوقت إنه يضغط من أجل مشاركة الهند في منطقة الشرق الأقصى الروسية.
والشرق الأقصى غني بالموارد الطبيعية. ويستخرج 98% من الألماس الروسي، و80% من الدباغة، و90% من البوراكس، و50% من الذهب، و14% من التنجستين، و40% من الأسماك والمأكولات البحرية. وحوالي ثلث احتياطيات الفحم والموارد الهندسية المائية في البلاد موجودة هنا. وتشكل غابات المنطقة حوالي 30% من إجمالي مساحة الغابات في روسيا.
ومع ذلك، لعدة أسباب، يصعب الوصول إلى المنطقة نسبيًا وتتطلب استثمارات ضخمة وأنشطة تنموية. ومنذ عام 2015م، تقوم روسيا بدعوة رواد الأعمال والاستثمارات، بما في ذلك من الهند، إلى المنطقة.
وفي سبتمبر 2019م، أطلق رئيس الوزراء مودي، أثناء خطابه أمام الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك، سياسة "التوجه نحو الشرق الأقصى"، والتي عززت سياسة "التوجه نحو الشرق" التي تنتهجها الهند. وأعلن عن خط ائتمان بقيمة مليار دولار لتنمية المنطقة الغنية بالموارد.
وتشترك الهند وروسيا في شراكة استراتيجية خاصة ومتميزة. وتعاونهما واسع النطاق مع خطط لتوسيع نطاقه ليشمل مجالات أخرى مثل المنطقة القطبية الشمالية، والأتربة النادرة، والمعادن، وما إلى ذلك.
وتتمتع الهند بالفعل بحضور تاريخي في المنطقة، كونها أول دولة تفتح قنصلية لها في فلاديفوستوك في عام 1992م. وعلاوة على ذلك، منذ بدء الحرب في أوكرانيا، أصبحت روسيا أيضًا مهمة بالنسبة لأمن الطاقة في الهند، حيث ظهرت كمصدر رئيس لمشتريات الهند من النفط الخام.
وفي الوقت المناسب، قد تبدأ الهند أيضًا في شراء الغاز الروسي. وهذا يؤكد أهمية المنطقة بالنسبة إلى الهند من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية.
وتعمل كل من الهند وروسيا أيضًا على تفعيل ممر تشيناي-فلاديفوستوك البحري، مما يؤدي إلى تقصير وقت النقل بين الهند وروسيا بـ 24 ساعة ومن شأنه أن يسهل بشكل كبير لوجستيات النقل وتكلفة الشحن من وإلى الهند إلى روسيا مقارنة بالمعدلات الحالية لنقل البضائع من روسيا إلى الهند عبر أوروبا.
وإلى جانب المعادن الأخرى مثل النحاس والذهب والأتربة النادرة، يعد الماس سببًا آخر للتعاون هنا، حيث تعد الهند أكبر دولة في العالم في مجال قطع وصقل الماس، حيث تأتي غالبية الماس من روسيا.
وفي الوقت نفسه، يمكن أن تكون المنطقة سوقًا مربحة للسلع الهندية، بما في ذلك التصنيع، والتي يمكن بعد ذلك إعادة تصديرها إلى بلدان أخرى في المنطقة.
وهناك عامل مهم آخر وهو ممر هجرة العمالة الذي يتصوره ممر تشيناي-فلاديفوستوك البحري للعمالة الهندية لملء المنطقة ذات الكثافة السكانية المنخفضة. وتمتلك الهند مجموعة كبيرة من العمالة من ذوي الياقات الزرقاء والبيضاء، والتي من شأنها أن تتناغم بشكل جيد مع المشاكل الديموغرافية في روسيا. وهذا من شأنه أن يوفر في الوقت نفسه فرص العمل التي تشتد الحاجة إليها للشباب في الهند. ولقد أضافت الحرب في أوكرانيا إلى القضايا الديموغرافية التي تواجهها روسيا، والهند في وضع جيد لسد هذه الفجوة.
اقرأ أيضًا: منسوجات تعكس التقاليد المتنوعة في الهند
وتكمن الجوانب الاستراتيجية لمشاركة الهند في التعاون في مجال الطاقة الذي يكون دائمًا طويل الأمد. ولكن هناك جانب آخر لا يقل أهمية وهو أن مشاركة الهند في الشرق الأقصى الروسي سوف تعمل أيضًا على موازنة الوجود الصيني هناك.
اقرأ أيضًا: رحلتي مع سيرة الدكتور رام بوكساني
ولقد برزت الصين والهند باعتبارهما من أقوى شركاء روسيا اقتصاديًا وسياسيًا. ولكن في حين خاضت روسيا والصين حربًا حدودية محدودة، فإن الهند وروسيا، بسبب عدم تقاسم حدود مشتركة، ليس لديهما ادعاءات وحدوية بأراضي كل منهما، الأمر الذي يمنع أي صراع إقليمي في المستقبل.