أبعاد جديدة للشراكة الاستراتيجية بين الهند والإمارات

28-03-2024  آخر تحديث   | 27-03-2024 نشر في   |  M Alam      بواسطة | آواز دي وايس 
رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي خلال زيارة رسمية إلى الهند (أرشيفية)
رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي خلال زيارة رسمية إلى الهند (أرشيفية)

 

أ.د. مجيب الرحمن: نيو دلهي

العلاقات الوثيقة بين جمهورية الهند ودولة الإمارت العربية المتحدة قديمة وتنوعت بين الجوانب الاقتصادية والسياسية والثقافية والاستراتيجية. ويعود تاريخ هذا التعاون الوثيق إلى روابط تاريخية وثقافية قوية، حيث ازدهرت الاتصالات التجارية والشعبية بين البلدين على مدار القرون، وهو ما أسهم في بناء أسس قوية للعلاقات الثنائية الحديثة.

وفي الآونة الأخيرة، اتخذت الروابط بين البلدين أبعادًا جديدةً مرتقيةً إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية القوية في مجالات متنوعة بعد ما تولى السيد ناريندرا مودي زمام الحكم في الهند عام 2014م بأغلبية ساحقة. واكتسبت العلاقات التقليدية زخمًا جديدًا عندما زار رئيس الوزراء ناريندرا مودي الإمارات في عام 2015م وهو أول رئيس وزراء للهند منذ 34 عامًا زار دولة الإمارات، وهو ما مَثّل بداية شراكة شاملة واستراتيجية جديدة بين البلدين. وحرص كل من السيد مودي وصاحب السمو محمد بن زايد آل نهيان على تعزيز وتعميق هذه العلاقات التاريخية والارتقاء بمستواها، فتم إبرام اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين في عام 2017م.

ومن الناحية الاقتصادية، تتكامل الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة اليوم بشكل كبير، بدخول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة حيز التنفيذ في مايو 2022م، حيث تُعد الإمارات ثالث شريك تجاري أكبر للهند، ورابع أكبر مستثمر في الهند، فيما تعتبر الهند ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات. وبلغ حجم التجارة البينية إلى 85 مليار دولار في الفترة 2022-2023م، ويتوقع أن تتسع رقعة التعاون الاقتصادي بينهما في ظل الاتفاقيات الأخيرة. وبفضل موقع الإمارات الاستراتيجي كبوابة إلى أفريقيا وأوروبا، فضلاً عن السوق الهندية الواسعة، يظهر البلدان كحليفين اقتصاديين مثاليين، ويؤكد التزام دولة الإمارات بالاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا والطاقة في الهند على عمق العلاقات الاقتصادية بينهما.

وتعد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الهند والإمارات حجز الزاوية في العلاقات الاقتصادية بين البلدين التي تهدف، من جملة أهدافها الكثيرة، إلى زيادة التجارة في قطاع الخدمات إلى 115 مليار دولار خلال خمس سنوات. ويتجلى عمق هذه العلاقات البينية في عدد من الخطوات المهمة: منها قبول بطاقة "روباي" وهي مكون رئيس للبنية التحتية الرقمية العامة في الهند، في الإمارات العربية المتحدة منذ أغسطس 2019م، بينما يجري قبول الروبية للمعاملات في مطارات دبي اعتبارًا من يوليو 2023م.

كما قامت الهند والإمارات بتفعيل نظام تسوية الروبية والدرهم عندما قامت شركة النفط الهندية، في أغسطس 2023م، بالدفع بالروبية لشركة بترول أبوظبي الوطنية مقابل واردات النفط الخام.

وفي مجال أمن الطاقة الذي يُعد إحدى الركائز المهمة في الشراكة الهندية-الإماراتية فيعمل البلدان معًا على تأمين الاحتياجات النفطية للهند. فقد جرى توقيع اتفاقية مع شركة الاحتياطيات البترولية الاستراتيجية الهندية المحدودة(ISPRL) وشركة بترول أبوظبي الوطنية للاستثمار في منشأة تخزين النفط الخام الاستراتيجية في مانجالورو باستثمار أولي قدره 400 مليون دولار. وبالمقابل، تُعَدُّ الهند سوقًا مهمة لصادرات الطاقة الإماراتية. كما أبدى كلا البلدين اهتمامًا كبيرًا بالتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، من خلال التعاون في مشاريع الطاقة الشمسية والتنمية المستدامة. وإن هذا الالتزام المتبادل بالاستدامة يعكس جانبًا طموحًا من شراكتهما، وهو أمر بالغ الأهمية لمعالجة التحديات العالمية مثل تغير المناخ.

وعلى هامش مشاركة دولة الإمارات في قمة مجموعة العشرين في نيو دلهي في سبتمبر 2023م، وقّع الطرفان عددًا من مذكرات التفاهم بشأن التعاون الاستثماري في مشاريع الرعاية الصحية المبتكرة، والتعاون الاستثماري في قطاع الطاقة المتجددة، وتطوير مجمعات الأغذية، ومذكرة تفاهم بين موانئ دبي العالمية وحكومة ولاية غوجرات.

 

وإدراكًا لأهمية الأمن الغذائي، "أكد الجانبان على أن مشروع مجمع الأغذية الهندي-الإماراتي سيعمل على تعزيز موثوقية ومرونة سلاسل الإمدادات الغذائية وتوسيع تجارة الأغذية والزراعة بين الإمارات العربية المتحدة والهند، وتجمع البلدان رغبة مشتركة في تنفيذ هذا المشروع، من بين أمور أخرى، في الهند، والذي سيوفر قيمة إضافية لكلا البلدين والمنطقة في مجال الأمن الغذائي".

والجدير ذكره أن عددًا من المبادرات المشتركة بين الهند والإمارات تسهم في تعزيز التقارب الاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين، ومنها مبادرة الائتمان الأخضر العالمي، والتعاون متعدد الأطراف في عدد من المنتديات والمنصات الدولية منها البريكس، وI2U2(الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة)، وثلاثية الهند والإمارات وفرنسا، وغيرها فضلاً عن التعاون الوثيق بينهما في هيئة الأمم المتحدة، وكون الإمارات العربية المتحدة هي أيضًا جزءًا من مشروع البنية التحتية للممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا(IMEEC)  الذي تم التوقيع عليه خلال قمة مجموعة العشرين في نيو دلهي 2023م.

وفي الجانب الاستراتيجي والدفاعي، تتعزز المصالح المشتركة بين البلدين، حيث يعملان معًا على ضمان الأمن البحري في المحيط الهندي، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار الإقليمي. ومع توسع نطاق التعاون الدفاعي بينهما، من خلال إبرام اتفاقيات حول التدريب المشترك وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون في مجال تكنولوجيا الدفاع، تسهم هذه الشراكة في تحقيق ديناميكية أكثر توازنًا في المنطقة، إلى جانب تعزيز الأمن والسلام الإقليميين.

ولقد شهدت السنوات الأخيرة تعميق العلاقات الدفاعية بشكل كبير، مع إبرام اتفاقيات بشأن التدريبات المشتركة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون في مجال تكنولوجيا الدفاع. ولا تعمل هذه الشراكة الاستراتيجية على تعزيز أمن البَلدين فحسب، بل تسهم في ديناميكية قوة أكثر توازنًا في المنطقة.

ومن أبرز التطورات الأخيرة الدالة على عمق الروابط بين البلدين منح أعلى وسام مدني في دولة الإمارات "وسام زايد" للسيد مودي في عام 2019م، وفتح المعهد الهندي للتكنولوجيا(IIT)  حرما له في أبوظبي، ودعوة الهند للإمارات للمشاركة في قمة مجموعة العشرين كدولة ضيف في سبتمبر 2023م، ومشاركة رئيس دولة الإمارات صاحب السمو محمد بن زايد آل نهيان في قمة غوجرات العالمية النابضة بالحياة كضيف شرف في 10-12 يناير 2024م في أحمد آباد بولاية غوجرات، وزيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى أبوظبي في 13 فبراير 2024م لافتتاح أول معبد هندوسي فخم في أبو ظبي، والذي يمثِّل علامة بارزة في تاريخ العلاقات الممتازة والحميمة بين البلدين في جهة، وفي جهة أخرى يرمز إلى سياسة الانفتاح واحترام الآخر والتعايش السلمي بين الشعوب والأديان التي تتبعها دولة الإمارات.

وقال رئيس الوزراء الهندي بمناسبة افتتاح المعبد الهندوسي في أبوظبي "إن التعاون بين الهند والإمارات العربية المتحدة على مدى السنوات التسع الماضية شهد نموًا كبيرًا في قطاعات متنوعة مثل التجارة والاستثمار، والدفاع والأمن، وأمن الغذاء والطاقة والتعليم"، مضيفًا "أن تواصلنا الثقافي والشعبي بات أقوى من أي وقت مضى". وإن شعب الهند البالغ مليار وأربع مئة مليون ممتن للإمارات على هذه اللفتة الإنسانية الكريمة.

وفي سياق العلاقات الدولية المحمومة اليوم تقف الشراكة بين الهند ودولة الإمارات كنموذج للتعاون فيما بين دول الجنوب، مما يوضح كيف يمكن لدول الجنوب العالمي أن تشكل أجندات الأعمال العالمية. ومن الممكن أن يؤدي التعاون بينها إلى بذل الجهود الأكبر لمعالجة القضايا العالمية مثل الفقر والإرهاب وتغير المناخ والأوبئة، وتعزيز نظام عالمي أكثر عدالة واستدامة.

ومن أجل تعزيز نفوذهما أكثر على المنصة العالمية، يجب على الهند والإمارات مواصلة الاستثمار في المبادرات الثنائية ومتعددة الأطراف، إذ من شأن تعزيز التعاون في المجالات الجديدة مثل التكنولوجيا الرقمية، واستكشاف الفضاء، والذكاء الاصطناعي أن يمهد الطريق لشراكة أكثر حيوية وديناميكية.

وأخيرًا، تشكل الجالية الهندية في الإمارات المقدرة بـ 3.5 ملايين نسمة همزة وصل قوية بين الهند والإمارات التي تسهم في نمو البَلدين بطرق عديدة.

وبقي أن أشير إلى أن حميمية العلاقات بين الزعيمين ناريندرا مودي ومحمد بن زايد آل نهيان تُعَدُّ حجرَ الأساس في العلاقات الثنائية المتينة بين الهند والإمارات العربية المتحدة. ويرى المحللون أن العلاقة بينهما تتجاوز العلاقات الدبلوماسية الرسمية لتجسّد الاحترام المتبادل والتفاهم الذي مهّد الطريق للتعاون الاستراتيجي والاقتصادي والثقافي الكبير.

وتحت قيادتهما، شرعت الهند ودولة الإمارات في سيرهما على طريق طموح، حيث وقّعتا شراكة استراتيجية شاملة تغطي مختلف القطاعات، بما في ذلك الدفاع والطاقة والتكنولوجيا والتجارة. وقد سهَّل الدفء والصداقة الحميمة التي تبادلها مودي ومحمد بن زايد إجراء حوارات مفتوحة وصادقة، مما أدى إلى إيجاد حلول سريعة للقضايا الشائكة واستكشاف سبل جديدة للتعاون. ولم يؤدِّ هذا الارتباط الشخصي إلى تعميق العلاقات بين البلدين فحسب، بل شكّل سابقةً لكيفية قيام القادة بدور محوري في تعزيز العلاقات الدولية. فتُعد الشراكة الهندية-الإماراتية منارةً للاحترام المتبادل والمصالح والتطلعات المشتركة على الساحة العالمية.

أ.د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي