المسلمون في مانيبور من منظور تاريخي وثقافي

Story by  Prof. Ashfaq Ahmad | Posted by  M Alam | Date 21-09-2024
المسلمون في مانيبور من منظور تاريخي وثقافي
المسلمون في مانيبور من منظور تاريخي وثقافي

 

أ.د. أشفاق أحمد

بدأ قدوم المسلمين إلى مانيبور في مستهل القرن السابع عشر الميلادي. وحسب شواهد تاريخية، لبعض النزاعات داخل الأسرة الملكية، ثار الأمير "سانونغبا" ضد شقيقه ملك مانيبور. فلجأ الأمير الثائر إلى مملكة كاتشار المجاورة خوفًا من شقيقه. وفي منفاه، أعدّ الأمير جيشًا، بما فيه مجموعة من المسلمين من مملكة كاتشار، وسيلهات. وأقيم تحالف عسكري بين الأمير الثائر وحاكم سيلهات "نذير شاه". وهاجم جيش هذا التحالف مملكة مانيبور في عام 1606م، ولكنه انهزم في الحرب؛ ففرّ الكثير من جنود التحالف، وقُبض على عدد كبير منهم، من بينهم المسلمون.

وبأمر من ملك مانيبور، استوطن الجنود المسلمون، المقبوض عليهم في الحرب، في وادي إمفال، وتزوجوا السيدات المايتيات المحليات، وشاركوا في خدمة المملكة، وساهموا في ترقية الشعب المانيبوري. وفي العقود اللاحقة، هاجر إلى هذه المملكة عدد من المسلمين من بنغال، وأفغانستان، وغوجرات، وغيرها، كما دخل في الإسلام العديد من المانيبوريين. وبحسب بعض التقارير، وصل المسلمون إلى مانيبور من شتى مناطق الهند في زمن فتوحات المسلمين بقيادة الجنرال بختيار خلجي في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي.

ولأسباب عديدة، تخلّف المسلمون في مانيبور في كل مجالات الحياة، وفي مقدمتها التعليم، والاقتصاد، والسياسة، والأدب، والثقافة. وإن أكثرية الأقلية المسلمة في هذه الولاية الهندية منعزلة عن واقع الحياة في المجتمع. وفي هذا المقال الوجيز، سيتم تسليط الضوء على تاريخ المسلمين، وتقييم واقع ثقافتهم الإسلامية.

يسكن المسلمون في ولاية مانيبور الهندية منذ عدة قرون. ولكن الكثير من تاريخهم ظل مغمورا عند المؤرخين، وكل من عني بثقافتهم. هل كان آباؤهم جنودا شجعانا؟ أو كانوا دعاةً وفدوا عليها لنشر تعاليم الإسلام؟ أو كانوا تجارًا مغامرين؟ أو كانوا رجالاً لم يبالوا بالإسلام شيئًا في بداية الأمر؟ وهل كانوا أولاد الآباء المسلمين والأمهات المانيبوريات غير المسلمات؟ وهل تثقفوا ثقافة مانيبورية أو ظلوا يعيشون كالأجانب؟ نريد في الفقرات التالية الإجابة عن بعض هذه التساؤلات.

والنسبة الحالية للمسلمين في مانيبور هي 8.40%، حسب إحصاءات عام 2011م. ويسكن الأغلبية الساحقة منهم في وادي إمفال. والمايتيون (Meiteis)، هم مجموعة عرقية أصلية من بين مجموعات سكانها. وإن اللغة المايتية (Meiteilon) تسمى أيضًا اللغة المانيبورية وهي اللغة المشتركة في الولاية، وقد اعترف بها في عام 1992م كإحدى اللغات الرسمية للهند. وأما الكوكيون(Kukis)أو الزوميون (Zoumis)، والناغا، فيسكنون في المناطق الهضبية. وتحيط بمانيبور من الخارج ميانمار شرقًا، ومن الداخل ولايات ميزورام جنوبًا، وآسام غربًا، وناغالاند شمالاً، ومساحتها 22347 كم مربعًا، وإمفال هي عاصمتها.

ويعرف المسلمون في مانيبور بـ"مايتاي بنغال" (Meitei Pangal)، أو بنغال (Pangal)، أو "المسلمين المانيبوريين". وكلمة "Pangal"المانيبورية مشتقة من كلمة "بنغال" (Bangal)، ويراد بها في مانيبور المسلم؛ لأنهم وفدوا إليها من بنغال. وإن اللغة المانيبورية هي لغتهم الأم. ويعرفون في كاتشار بـ"مونغلائي"، وعرفوا أيضًا بـ"مونغلي" (Monglee)، و"ميكهلي" (Mekhlee)، و"موغلس" (Moglus)في شتى المناطق لولاية آسام.

وبحسب إحدى الوثائق الملكية، كان لملك مانيبور كهاغيمبا(Khagemba-(1597-1652شقيقان: الأمير سانونغبا (Sanongba)، والأمير تشينغسومبا (Chingsomba). وكانت لسانونغبا بنت جميلة للغاية تسمى "لاتاسانا إبيما". وبدأت النزاعات بين الملك وشقيقه بشأن زواج الأميرة إبيما. واختار لها الملك عريسا لم يحبه أبوها. ثم تنازع الشقيقان في قضية حول زورق في عام 1604م. وخوفًا من الملك، فرّ الأمير من المملكة، والتجأ إلى مملكة كاتشار. وأثناء إقامته في كاتشار، التقى الأمير ببعض المسلمين الذين كانوا يعيشون في كهوف كمجموعة محتاجة إلى الغذاء، وشملهم في جيشه. وبمساعدة بعض جنود ملك كاتشار، وسيلهات هاجم الأمير مملكة شقيقه عام 1604م، ولكنه فشل في هذه الحملة العسكرية.

وأعدّ الأمير جيشًا كبيرًا، كما أقام تحالفًا عسكريًا مع ملك كاتشار، والأمير "نذير شاه"، حاكم سيلهات. وخاضت قوات هذا التحالف العسكري في معركة دامية ضد الجيش المانيبوري في منطقة قرب إمفال في عام 1606م. وانهزم جنود التحالف، وقُبض على الأمير الثائر وعلى كثير من جنوده، ومن بينهم المسلمون.

ونظرًا لشجاعة الجنود المسلمين في القتال، ومهارتهم في فنون الحرب، أمرهم ملك مانيبور أن يستوطنوا في مانيبور، ويتزوجوا من السيدات المايتيات المحليات، كما طالب منهم القيام بتقديم خدماتهم للمملكة، وترقية الشعب المانيبوري. والجنرال محمد الثاني هو أول من عيّن إمامًا وقاضيًا للمسلمين في هذه المملكة.

وظل عددهم يزداد بمرور الأيام. وهاجر إلى مانيبور مسلمون من بنغال، كما قدمت إليها جماعة من الأفغانيين، ودخل في الإسلام عدد لا بأس به من المانيبوريين المحليين. وحسب بعض الشهود التاريخية، فإن الجنود المسلمين الأوائل تزوجوا من النساء المانيبوريات غير المسلمات. ويعتقد مؤرخون بأن معظم المسلمين المانيبوريين هم أولاد الجنود الأسرى. وتشير بعض التقارير إلى أن بعض المسلمين وصلوا إلى مانيبور من بنغال المتحدة في زمن فتوحات المسلمين في القرن الثالث عشر الميلادي التي بدأت بقيادة الجنرال التركي الشهير بختيار خلجي.

وكتب آر. براون (R. Brown) الوكيل السياسي البريطاني لدى مانيبور وقتذاك، في عام 1873م أنه يوجد في مانيبور عدد ملحوظ من المسلمين، وهم أولاد المستوطنين البنغاليين في معظم المناطق، وتسكن أغلبيتهم في شرقي العاصمة إمفال، وهم يعرفون بإخلاصهم، ويشاركون في لالوب (Lallup)وهو تقليد معروف في المملكة آنذاك. وحسب هذا التقليد، كان من الواجب على الرعايا، بمن فيهم الأدباء والكتاب والفنانون، القيام بخدمة الملك لـ80 يومًا كل عام بدون مكافأة. وقد انتهى هذا التقليد بأمر من الحكومة البريطانية في ثلاثينيات القرن العشرين.

ويستوطن المسلمون المانيبوريون في آسام، وتريبورا، وبنغلاديش، وميانمار، وباكستان (السند)، والمملكة العربية السعودية وغيرها لأسباب سياسية واقتصادية. ويعتقد مؤرخون بأنهم وصلوا إلى ميانمار كأسرى. ففي عام 1755م و1758م هاجم ملك ميانمار، مانيبور، وساق عددًا كبيرًا من سكانها، بمن فيهم المسلمون، إلى بلاده، وفي عام 1812م قام ملك ميانمار بالهجوم على مانيبور، ثم على كاتشار في نفس العام، ثم بدأ الهجوم الميانماري الذي استمر من 1819م إلى 1826م. وتسبب هذا الهجوم المستمر في تشريد عدد كبير من سكان مانيبور، ومن بينهم المسلمون؛ فلجأ المسلمون إلى ولايات آسام، وتريبورا، وسيلهات، وكوملا وغيرها من المناطق في الهند وبنغلاديش.

ويشك بعض المؤرخين في إسلام المسلمين الأوائل في مانيبور وإيمانهم بالعقائد الإسلامية. وأما جنود القائد "نذير شاه" فكانوا مسلمين بلا شك. وعلى الرغم من ذلك، كانت ثقافته الإسلامية ضيقة، وتعليمهم الإسلامي كان محدودًا. وكان إسلام المسلمين الأوائل في مانيبور متلوثًا بكثير من المعتقدات الباطلة والبدع الضالة؛ فكانوا في أمسّ الحاجة إلى علماء الإسلام ليدرسوا عليهم الإسلام الخالص، ويتعلموا منهم الشريعة الإسلامية من أجل تنفيذ أركان الإسلام في مجتمعهم.

وتقع ولاية مانيبور في منطقة يصعب الوصول إليها على الرغم من تسهيلات النقل والمواصلات المتقدمة. وتكثر فيها الأودية والهضاب، وتجري فيها الأنهار العديدة، وتسكن فيها قبائل مختلفة الأجناس والأعراق. وكان ولا يزال يشهد تاريخها تقلبات وثورات وحروبًا داخلية وخارجية. ولم تتقلل في تاريخها المعاصر المشاكل والأزمات؛ فزاد فيها التطرف والإرهاب، ويجري فيها القتال بين شتى الطوائف العرقية والقبائلية. وفي الماضي، كانت الأغلبية غير المسلمة تهاجم الأقلية المسلمة وتقتل أفرادها، وتدمر ممتلكاتها. ومن أجل التطرف السافر ضد المسلمين وانتهاك حرماتهم، لم يفد على مانيبور الدعاة والعلماء المسلمون من خارجها بعدد ملحوظ.

واشتغل المسلمون في الماضي بالأعمال التي كانت لها علاقة بالحديد، وصناعة الأواني، والحرف اليدوية، والموسيقى، كما عملوا كالغسالين، وسائسي الخيل وغيرها من المهن التي لم تكن خطيرة الشأن، والتي تشير إلى مكانتهم في المجتمع. وكان عدد منهم يشتغل بالزراعة. ويبدو أن المسلمين كانوا يعرفون نظام الازدراع، وهم تدخنوا التبغ، والشيشة، ولا يزالون يقودون الآخرين في زراعة التبغ. واشتغلوا أيضًا بالبستنة، والتجارة، والخزف، وعمل عدد منهم في القوات الملكية المسلحة.

ولم تتغير أحوال المسلمين كثيرًا في الزمن الحاضر؛ بل إنها في الواقع سيئة جدًا. والحكومات المتعاقبة في الولاية لم تتخذ خطوات جدية للنهوض بالمسلمين اقتصاديًا أو تعليميًا. وتتميز حالتهم المعيشية السيئة بالتنافس العرقي؛ التنافس بينهم وبين المايتيين الذين هم المجتمع الغالب المميز للولاية في كل المجالات.

ومنذ عقود ماضية، أخذ المسلمون في مانيبور يتعلمون الإسلام وأركانه، ويؤسسون المدارس العربية الإسلامية والمراكز الثقافية، كما بدأ أطفالهم يدرسون في كبرى المدارس الدينية كدار العلوم بديوبند، ومظاهر العلوم بسهارنبور، ودار العلوم لندوة العلماء بلكناؤ، كما يدرسون في بعض الدول العربية كالمملكة العربية السعودية وبنغلاديش. والمتخرجون في المدارس داخل مانيبور وخارجها يقومون بدور بارز في نشر التعليم الإسلامي، وتعميم الدراسات العربية والثقافة الإسلامية. وهناك ضرورة ملحة للقيام بالأعمال الخيرية والرفاهية والتعليمية والثقافية وغيرها في مانيبور.

وكان المسلمون في مانيبور يلقبون زعيمهم بـ"النواب-الأمير". واستخدم بعض ملوك مانيبور ألقابًا دخيلة كـ"غريب نواز". وعرف الفرد الأكبر في الأسرة بـ"بيبا" (Piba)، وهو الزعيم. و"ساغائي" (Sagei) كلمة تشير إلى مهنة شخص أو مكان. فالرجل الذي أهدى إلى الملك كهاغيمبا الطائر المعروف "المَيْنَة" (Mynah)،  يعرف أولاده بـ"موئينام" (Moinam)، وأولاد الأطباء المحليين يسمون "مائيبام" (Maibam) ، والرجل الذي حافظ على "إي    Ee قِنّبْ" (Hemp) فأولاده يعرفون بـ"إيفام" (Eefam)، وأولاد الشخص الذي قسم الدارYum يعرفون بـ"يومكهائيبام" (Yumkhaibam)، وأولاد الشخص الذي أقام بـ"كائنوKainow"-وهو اسم مكان- يعرفون بـ"مايوم كائنو" (Kainow Mayum)، ثم "كهولاكبام" (Khulakpam)رئيس إدارة القرية، و"شاجاؤوبام Shajaubam-البدين. وكان الشيخ لقبًا معروفًا بينهم. والقادمون الجدد من الأفغانيين، والبنغاليين، والبهاريين، وغيرهم عرفوا بـ"ساغائي". وأما "فونغا نائي" (Funga-Nai) فهم خدمة البيوت.

ولا يفرق بين المسلمين في مانيبور على الأساس العرقي. وإن الزواج يجوز بين أفراد الطوائف المختلفة، ولكن رواج الزواج في داخل الأسرة قليل. وتحتل المرأة مكانة عالية في البيت والمجتمع، وتتمتع بحقوق الإنسان التي أعطاها الإسلام. وتحترم المرأة الحجاب الإسلامي. وتغطي المرأة جسدها عادة بأربعة ألبسة؛ "فانيك" (Fanek)، وهو ثوب كثيف يغطيها من الصدر إلى المخاصرة، و"كهوانغنامتي" (Khuwangnamtee)، وهو قطعة ثوب تغطيها من المخاصرة إلى الركبة، و"كهودائي" (Khudai)، وهي قطعة ثوب تغطي رأسها، و"فوريت" (Furit)، وهو ثوب تستخدمه كالبلوزة والجلباب. وإن البنت غير المتزوجة تستعمل فانيك، كما تستعمله البنت الهندوسية غير المتزوجة إلى مخاصرتها، ولكن المتزوجة تستعملها إلى صدرها فقط، وتستعمل ثيابا مخطوطة وغير مخطوطة. ومنذ العقود الماضية، بدأت المسلمات يستعملن النقاب. وإن المرأة المانيبورية تحب المجوهرات وأدوات التجميل المختلفة. وفي مناسبة الزواج يتم اتباع التعليم الإسلامي والقوانين الإسلامية، كما يتم اتباع رسوم وتقاليد محلية عديدة.

اقرأ أيضًا: منتدى التعاون الهندي-الإماراتي في الصناعات الدفاعية يبحث تعزيز الشراكة الدفاعية بين البلدين

ومن الجدير بالذكر أن المسلمين في مانيبور بدأوا يلتحقون بالكليات والجامعات الهندية الرسمية ويدرسون العلوم والتكنولوجيا، والعلوم الاجتماعية، والفنون الجميلة وغيرها، ويشغل بعضهم مناصب عالية حكومية كانت أو غير حكومية في الولاية وخارجها. وإذا استمرت هذه الجهود التي يبذلها المسلمون في مانيبور منذ عقود، واتخذت الحكومة خطوات مناسبة من أجل ترقية المسلمين، فسيخرج المسلمون من هذه الأوضاع السيئة للغاية في عقود لاحقة.

أشفاق أحمد هو أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي