المهاتما غاندي: رمز الحرية والسلام

Story by  آواز دي وايس | Posted by  M Alam | Date 02-10-2024
المهاتما غاندي: رمز الحرية والسلام
المهاتما غاندي: رمز الحرية والسلام

 

د. عظيم أنور خان

في الثاني من أكتوبر من كل عام، يحتفي العالم بذكرى ميلاد المهاتما غاندي، وهي مناسبة تُعرف بـ"غاندي جايانتي". هذا اليوم ليس مجرد استذكار لشخصية تاريخية، بل هو وقفة للتأمل في حياة قائد استثنائي قدّم للعالم دروسًا خالدة في الشجاعة والتمسك بالحق، واستخدم مبدأ اللاعنف كأداة نضال ضد الاستعمار والظلم. ولقد كرّس غاندي حياته من أجل تحرير الهند من قيود الاستعمار البريطاني. ولم يكن قائدًا سياسيًا فحسب، بل كان رمزًا عالميًا للنضال السلمي وقائدًا أخلاقيًا ومصلحًا اجتماعيًا، وأبًا روحيًا للأمة الهندية. وإن فلسفته في اللاعنف والمقاومة السلمية لا تزال مصدر إلهام للأجيال، خاصة في عالمنا الحالي الذي يشهد الكثير من الصراعات والتوترات.

وُلد موهانداس كرامتشاند غاندي، الذي لُقّب بالمهاتما (أي صاحب الروح العظيمة)، في 2 أكتوبر 1869م، في بلدة بوربندر بولاية غوجارات الهندية. ونشأ في أسرة متدينة تلتزم بالقيم الروحية ومبادئ الزهد. وكان والده كرامتشاند غاندي يشغل منصب ديوان (كبير الوزراء) لبلدة بوربندر، بينما كانت والدته بوتلي باي غاندي معروفة بتقواها الشديد وورعها العميق. وتركت هذه النشأة الدينية أثرًا بالغًا في تكوين شخصية غاندي، إذ غُرست فيه منذ الطفولة قيم الحق والعدالة والتسامح. وكان غاندي يتأثر بشدة بالقصص التي كانت ترويها له والدته عن التضحيات والمثل العليا، كقصة الملك هريش تشاندرا الذي مثّل قيم الحقيقة والصدق، مما غرس في نفسه الالتزام التام بالحق.

بداية النضال السلمي

في عام 1893م، بعد أن واجه تحديات في عمله كمحامٍ في الهند، انتقل غاندي إلى جنوب إفريقيا لتمثيل رجل أعمال هندي في قضية قانونية. وهناك، تعرض غاندي للتمييز العنصري الذي كان يعاني منه الهنود وغير الأوروبيين، وكانت تلك التجربة هي نقطة التحول التي شكلت رؤيته وفلسفته في مواجهة الظلم والتمييز. وفي حادثة شهيرة أثناء سفره بالقطار، طُلب منه مغادرة مقصورة الدرجة الأولى لأنه هندي، رغم حيازته تذكرة من الدرجة الأولى. فكانت هذه الحادثة نقطة مفصلية في حياة غاندي؛ إذ أدرك أن مواجهة الظلم لا تكون بالعنف، بل بالتمسك بالحق ومقاومة الظلم بالسلام. ومن هنا، نشأت فلسفة "ساتياغراها" أو "التمسك بالحقيقة"، التي أصبحت الأساس لنهجه في النضال.

تأسيس فلسفة "ساتياغراها"

أسّس غاندي، أثناء وجوده في جنوب إفريقيا، حركة "ساتياغراها" التي استهدفت مواجهة الظلم بالعزم والإصرار دون اللجوء إلى العنف. وكان غاندي مؤمنًا بأن العنف لا يجلب سوى المزيد من العنف، وأن القوة الحقيقية تكمن في الثبات على المبادئ والقيم الإنسانية. وحققت فلسفته نجاحًا كبيرًا في التحركات التي قادها ضد التمييز العنصري، وأصبحت هذه الفلسفة ركيزة لحملاته النضالية في الهند.

عودة غاندي إلى الهند

عاد غاندي إلى الهند في عام 1915م، بعد أن نجح في تطبيق فلسفته في جنوب إفريقيا، ووجد بلاده تسعى للتحرر من الاستعمار البريطاني. وعزم على أن يقود شعبه نحو الحرية باستخدام أسلحته المعهودة: المقاومة السلمية، واللاعنف، والمقاطعة الاقتصادية للمنتجات البريطانية. ومن بين الحملات الشهيرة التي قادها كانت "حملة العصيان المدني" و"مسيرة الملح" عام 1930م، حيث سار غاندي مع أتباعه مسافة 400 كيلومتر من أحمد آباد إلى ساحل داندي لصنع الملح بنفسه احتجاجًا على قانون الضرائب البريطاني على الملح. وهذه المسيرة جمعت طبقات المجتمع الهندي المختلفة في جبهة واحدة ضد الاستعمار.

وكان غاندي مؤمنًا بأن استقلال الهند لا يتحقق إلا بوحدة جميع الطوائف والأديان في البلاد. ودعا دائمًا إلى التسامح والتعايش بين الهندوس والمسلمين، ورفض بشدة تقسيم الهند على أساس ديني. ومع ذلك، ورغم جهوده المضنية لتحقيق هذه الوحدة، فقد انتهت الأمور إلى تقسيم الهند إلى دولتين: الهند وباكستان، وهو ما كان مصدر خيبة أمل عميقة له.

النضال من أجل السلام

مع اقتراب موعد استقلال الهند عام 1947م، شهدت البلاد تصاعدًا في التوترات الطائفية بين الهندوس والمسلمين. ولم يقف غاندي مكتوف الأيدي، بل قام بزيارات إلى المناطق التي عانت من العنف، وقاد إضرابات عن الطعام في محاولة لوقف أعمال العنف وتحقيق السلام بين الطوائف. ورغم جهوده الجبارة، فإن الفوضى الطائفية استمرت. وفي 30 يناير 1948م، اُغتيل المهاتما غاندي.

الإرث العالمي للمهاتما غاندي

لم يكن غاندي قائدًا سياسيًا محليًا فحسب، بل أصبح رمزًا عالميًا للسلام والمقاومة السلمية. وأثّرت فلسفته في العديد من القادة حول العالم. وقال مارتن لوثر كينغ الابن: "لقد علمني غاندي أن أرفض الظلم دون اللجوء إلى العنف". وأما العالم الشهير ألبرت أينشتاين فقد قال: "الأجيال القادمة ستكاد لا تصدق أن مثل هذا الإنسان، من لحم ودم، قد سار على وجه الأرض".

وفي عام 2007م، أعلنت الأمم المتحدة يوم 2 أكتوبر كيوم عالمي للاعنف، تكريمًا للقيم الإنسانية التي دعا إليها غاندي. وأصبحت فلسفة اللاعنف التي أطلقها مصدر إلهام للحركات التحررية في مختلف أنحاء العالم، مثل حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة بقيادة مارتن لوثر كينغ، وحركة نيلسون مانديلا ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

اقرأ أيضًا: أهمية وأثر فكر غاندي في العالم العربي

وفي ظل عالمنا الحالي المليء بالصراعات والعنف، تظل دروس غاندي في اللاعنف والتسامح ذات صلة أكثر من أي وقت مضى. ويمكن أن تكون فلسفته مفتاحًا لحل النزاعات وتحقيق السلام. والعالم اليوم بحاجة إلى قادة يتبعون نهج غاندي، ويؤمنون بأن العدالة لا تتحقق بالعنف، بل بالحوار والتفاهم والالتزام بالقيم الإنسانية المشتركة.

اقرأ أيضًا: ولاية آسام وثقافتها المتنوعة

وسيبقى إرث غاندي حيًا وملهمًا لملايين الأشخاص حول العالم. فلم يكن غاندي مجرد زعيم سياسي أو قومي، بل كان قائدًا روحيًا وأيقونة للنضال السلمي، وشخصية تركت بصمة لا تُمحى في تاريخ الإنسانية.