إيمان سكينة
يعتمد تطور أي أمة على نظامها التعليمي؛ فالتعليم ضروري للتحول الاجتماعي، والتقدم الإنساني، والتمكين الشخصي. والتعليم يساعد في تعزيز الثقة بالنفس لدى الأفراد والمجتمعات فيما يتعلق بقدراتهم ومواهبهم الفطرية للتأثير في حياتهم وتعزيز قوتهم الداخلية.
وتاريخيًا، استخدمت الحضارات التعليم كوسيلة للانتقال من الاضطهاد إلى المشاركة الديمقراطية.
ويتلقى عدد كبير من المسلمين في الهند التعليمَ إما في المدارس الإسلامية أو في المدارس التي تجري فيها الدراسة باللغة الأوردية. فإن كلمة "مدرسة" هي كلمة عربية تعني مؤسسة تعليمية. ولم تكن المدارس في الأصل تقتصر على توفير التعليم الإسلامي فقط، وفي مكان ما تغير هذا المفهوم وأصبحت المدارس الإسلامية مراكز للتعليم الديني فقط. وفي الوقت الحاضر، تطالب المجتمعات الإسلامية المهمشة بشكل متزايد بتوفير تعليم أفضل جودة من مدارسها الإسلامية.
والمدارس الدينية هي مراكز للتعليم المجاني. وإنها بمثابة نواة للحياة الثقافية والتعليمية للمسلمين. وقد قامت هذه المدارس، باعتبارها أداة لا تقدر بثمن للتعليم التقليدي، بدور حيوي في نشر التعليم بين الشرائح المضطهدة في المجتمع الإسلامي. ولا يلجأ إلى إرسال أبنائهم إلى المدارس الدينية سوى الفقراء من المسلمين، حيث تقدم لهم هذه المدارس التعليم المجاني، بالإضافة إلى الإقامة والإعاشة.
وعلى مر القرون، أدّت المدارس الدينية دورًا حاسمًا في التعليم والحفاظ على الثقافة والتمكين الاجتماعي للمجتمع الإسلامي في الهند.
ويؤدي التعليم في المدارس الإسلامية دورًا مركزيًا في الحفاظ على الهوية الإسلامية بين المسلمين في الهند. ومن خلال التركيز على الدراسات القرآنية، والأحاديث النبوة، والفقه الإسلامي، تغرس هذه المدارس الشعور بالوعي الديني والانتماء المجتمعي. وتعد هذه الهوية ذات قيمة خاصة للمسلمين الذين يعيشون في مجتمع متنوع، حيث يمكن أن يؤدي الحفاظ على الجذور الثقافية إلى التمكين والمساهمة في تعزيز الشعور بقيمة الذات.
وفي أجزاء كثيرة من المناطق الريفية والحضرية في الهند، يُعد المسلمون من بين الفئات الأكثر حرمانًا من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. والتعليم منخفض التكلفة أو المجاني الذي تقدمه المدارس الإسلامية غالبًا ما يكون بمثابة شريان حياة للعائلات المسلمة التي لا تستطيع تحمل تكاليف المدارس السائدة. ومن خلال هذا التعليم الذي يمكن الوصول إليه، تزوّد المدارس الإسلامية الأطفال بمهارات القراءة والكتابة الأساسية، والتي تعد نقطة انطلاق نحو مزيد من التعليم والتحسين الذاتي.
إن المدارس الإسلامية لا تعمل كمؤسسات تعليمية فحسب، بل إنها مراكز لدعم المجتمع؛ وخاصة في المناطق التي يواجه فيها المسلمون التهميش الاجتماعي والسياسي. وفي المناطق التي تفتقر إلى الموارد الحكومية، لا تقدم المدارس الإسلامية التعليم فقط، بل تقدّم أحيانًا الرعاية الصحية، والإسكان، والدعم الغذائي. وهذا الدور في تعزيز الوئام الاجتماعي والرفاهية يجعل المدارس الإسلامية ضرورية لتمكين المجتمعات المحرومة.
وتُنجِب المدارس الإسلامية علماء دينيين يحظون باحترام كبير داخل المجتمع الإسلامي ويعملون كقادة مجتمعيين، ويوجهون الناس في الأمور الدينية والأخلاقية والاجتماعية. ويعتبر هؤلاء القادة الدينيون جزءًا أساسيًا من عملية صنع القرار داخل المجتمع، حيث يعملون غالبًا كوسطاء في النزاعات الاجتماعية، ويوجهون العائلات، ويدافعون عن حقوق المجتمع. ومن خلال رعاية هؤلاء القادة، تعمل المدارس الإسلامية على تمكين المجتمع الإسلامي من خلال تعزيز حوكمته الداخلية وقدرته على الصمود.
ولكي يتم تحقيق الإمكانات الكاملة للتعليم الديني كأداة للتمكين، يجب اتخاذ خطوات لدمج المدارس الإسلامية مع التعليم السائد مع احترام روحها الدينية.
وإن المنهج المتوازن الذي يتضمن المواد الأساسية مثل الرياضيات، والعلوم، واللغات، والدراسات الاجتماعية إلى جانب التعليم الديني يمكن أن تُنجب خريجين أكثر تنوعًا وقابلية للتوظيف. وقد تم اتخاذ مبادرات من قبل الحكومة والمنظمات غير الحكومية لإدخال مواد مثل اللغة الإنجليزية والحاسوب في بعض المدارس الدينية، مما أتى بنتائج إيجابية للطلاب.
وإن الدعم الحكومي، سواء المالي أو الفني، يمكن أن يعزز بشكل كبير قدرة المدارس الدينية على تقديم تعليم عالي الجودة. إن الخطط التي تهدف إلى تحسين البنية الأساسية، وتدريب المعلمين، والموارد الرقمية من شأنها أن تعزز المستويات التعليمية وتجعل تعليم المدارس الدينية أكثر تقدمية.
وإن تقديم التدريب المهني والبرامج القائمة على المهارات من شأنه أن يزود طلاب المدارس الدينية بمهارات قابلة للتوظيف في تكنولوجيا المعلومات والنجارة والخياطة وغيرها. ومن شأن هذه المهارات أن تزيد من فرص عملهم وتعزز الاعتماد على الذات اقتصاديًا داخل المجتمع.
اقرأ أيضًا: السير سيد أحمد خان رائد النهضة التعليمية الحديثة
وإن تطوير سياسات تعترف بتعليم المدارس الدينية ضمن الإطار التعليمي الأوسع من شأنه أن يسهل انتقال الطلاب إلى التعليم العالي والمهن المتخصصة بشكل أكثر سلاسة. وإن تشجيع الشراكات بين المدارس الدينية والمدارس السائدة يمكن أن يخلق مسارات للطلاب للوصول إلى المزيد من الفرص التعليمية.
فإن التعليم في المدارس الإسلامية يقوم بدور لا غنى عنه في تمكين المسلمين في الهند من خلال توفير التعليم المتاح، والحفاظ على التراث الثقافي، ودعم الوئام الاجتماعي. وعلى الرغم من استمرار التحديات، فإن الإصلاحات التي تعمل على تحديث المناهج، وزيادة دعم الحكومة، وإدماج التدريب المهني يمكن أن تعزز من قدرة المدارس الدينية على تعزيز التمكين داخل المجتمع الإسلامي. ومن خلال التكيف مع البيئة التعليمية المتطورة، يمكن أن تظل المدارس الدينية مصدرًا مفيدًا للتعليم والإرشاد والنهوض الاجتماعي والاقتصادي للمسلمين في جميع أنحاء الهند.