همايون أختر نظمي
ترجمة: محبوب عالم
تربط الهند وقطر علاقات متنوعة تستند إلى تاريخ طويل وروابط حالية. منذ عام 2014م، شهدت هذه العلاقات نموًا كبيرًا، مدفوعة بالأهداف السياسية المشتركة، والتبادلات الاقتصادية النشطة، والأنشطة الثقافية القوية. وإن تطور دولة قطر كقوة عالمية في مجال الطاقة (بفضل الغاز الطبيعي المسال، بالإضافة إلى البنية التحتية والاستثمارات الاستراتيجية من خلال جهاز قطر للاستثمار) قد ساعد في تلبية احتياجات الهند المتزايدة من الطاقة وأهدافها الاقتصادية.
ويهدف هذا المقال إلى دراسة كيفية تطور العلاقات بين الهند وقطر بما يتماشى مع الاستراتيجية الجيوسياسية الأوسع، وإلى كيفية استفادة الهند وقطر من علاقاتهما متبادلة المنفعة لتشكيل تحالف قوي يجمع بين السياسة والثقافة والاقتصاد. ويستكشف التحديات والفرص المستقبلية في مختلف القطاعات، مثل الطاقة، والتكنولوجيا، والتغيرات الديناميكية في السياسة الإقليمية والعالمية. ويؤكد هذا المقال على الهدف المشترك للبلدين المتمثل في دعم الرخاء والاستقرار، بما يسهم في ترسيخ العلاقة كأساس للنجاح في المستقبل.
العلاقات السياسية
العلاقات السياسية بين الهند وقطر ليست حديثة العهد. فقد ظلت الزيارات الثنائية رفيعة المستوى بين البلدين منتظمة. ففي مارس 2015م، قام أمير قطر، سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بزيارة دولة إلى الهند. وقبل ذلك، قام والده سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بزيارة الهند ثلاث مرات (في أعوام 1999، 2005، و2012م).
كما قام الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني (رئيس وزراء قطر آنذاك) بزيارة إلى الهند في ديسمبر 2016م. وخلال زيارة أمير قطر إلى الهند في مارس 2015م، ناقش البلدان استراتيجيات لإقامة تعاون طويل الأمد.
ومن الجدير بالذكر أن هذه العلاقة شهدت نموًا ملحوظًا منذ عام 2014م، بفضل الزيارات رفيعة المستوى والتفاعلات المستمرة. وقد شكّلت زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى دولة قطر في يونيو 2016م لحظة تاريخية.
وقد تُوجت هذه الزيارة بتوقيع اتفاقيات في مجالات الاستثمار، وتنمية المهارات، والتعاون في مجال الصحة، وبرامج التبادل الشبابي. وأظهرت الزيارات المتبادلة من قبل الشخصيات القطرية البارزة، خاصة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، التزام قطر بتحسين العلاقات الودية مع الهند. وشجّعت هذه الزيارات على تعزيز التفاعلات بشأن الاهتمامات الإقليمية ومتعددة الأطراف، وخلقت رؤية مشتركة لتحقيق السلام والتقدم والازدهار في منطقة الخليج وجنوب آسيا.
العلاقات الاقتصادية والتجارية
فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الهند وقطر، من الواضح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد شهد زيادة كبيرة، حيث بلغ 18.77 مليار دولار خلال عامي 2022-2023م. وتُعد دولة قطر شريكًا مهمًا لأمن الطاقة في الهند، حيث تقدم أكثر من 48% من واردات الهند من الغاز الطبيعي المسال.
وأصبحت دولة قطر مستثمرًا مهمًا في الاقتصاد الهندي، حيث خصص جهاز قطر للاستثمار تمويلاً كبيرًا لشركات البنية التحتية والتكنولوجيا الهندية. كما أن استثمارات "جهاز قطر للاستثمار" في مشاريع الطاقة المتجددة تُعد كبيرةً بشكل ملحوظ.
وتُعزز هذه الاستثمارات هدف دولة قطر في تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على الهيدروكربونات. كما أنها سهلت التعاون في القطاعات ذات النمو المرتفع مثل التكنولوجيا المالية، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة.
وإضافة إلى ذلك، ساهمت الهند بنشاط في تحقيق الأهداف التنموية لدولة قطر من خلال تقديم المعرفة والموارد في مجالات مثل الرعاية الصحية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن الغذائي.
التعاون في مجال الدفاع والأمن
أصبح التعاون في مجال الدفاع والأمن بين جمهورية الهند ودولة قطر جانبًا أساسيًا في علاقتهما الثنائية. وتُظهر المشاركة الفعّالة للهند في معرض ومؤتمر الدوحة الدولي للدفاع البحري (ديمدكس) التزامها بتحسين الأمن البحري في منطقة الخليج. وفي الواقع، يُعد "ديمدكس" منصة رئيسة لعرض التكنولوجيا البحرية المتقدمة للهند.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن قطر أفرجت عن ثمانية مواطنين هنود كانوا يعملون في مشروع غواصات مع شركة خاصة لصالح السلطات القطرية. وأعربت وزارة الشؤون الخارجية الهندية، في بيان صحفي، عن تقديرها لقرار سمو الأمير بالسماح لهؤلاء المواطنين الثمانية (وهم من الضباط السابقين بالبحرية الهندية) بالإفراج عنهم وضمان عودتهم إلى بلادهم. وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة "تايمز أوف إنديا" أن رئيس الوزراء ناريندرا مودي أبدى اهتمامًا شخصيًا بهذه القضية.
العلاقات الثقافية والشعبية
تُعد العلاقات الثقافية والعلاقات بين الشعبَين الأساس الذي تقوم عليه العلاقات بين الهند وقطر، حيث تُشجع على تعزيز التفاهم المتبادل والتاريخ المشترك بين البلدين. وعلى مر الزمن، تطورت هذه العلاقات بشكل كبير، حيث أدّت مبادرات مثل "عام الثقافة بين الهند وقطر 2019" دورًا تحويليًا في تعزيز الروابط الثقافية وتوطيد العلاقات بين الشعبين.
وعرضت هذه المبادرة الفن والموسيقى والرقص والطعام الهندي من خلال سلسلة من الفعاليات والمعارض التي أُقيمت في مختلف أنحاء قطر. وقد أتاحت الفرصةَ للقطريين والمغتربين الهنود للاتصال بالتراث الثقافي الغني للهند. وبالمثل، تم الترويج للتقاليد الثقافية القطرية بين الهنود، مما يُظهر الالتزام المتبادل بالتبادل الثقافي والتعاون بين البلدين.
واعتبارًا من 26 نوفمبر 2024م، يعيش في قطر 835,175 من الهنود غير المقيمين و1609 من الأشخاص من أصول هندية، ليصل العدد الإجمالي إلى 836,784 (27% من إجمالي السكان). وقد ساهم هؤلاء في تشكيل البيئة الاجتماعية والاقتصادية في قطر من خلال مساهماتهم في قطاعات حيوية مثل البناء، والرعاية الصحية، وتكنولوجيا المعلومات.
وقد حظي العمال الهنود المهرة وغير المهرة بتقدير كبير لما يتمتعون به من خبرة وتفانٍ، ولمساهماتهم في التحديث السريع لدولة قطر. وفي الواقع، من خلال الدبلوماسية الثقافية والمشاركة الفعالة من قِبل أعضاء الجالية الهندية، نجحت الهند وقطر في تأسيس روابط تتجاوز الاتفاقيات الرسمية.
وكان هذا الأمر ملحوظا خلال الأعمال التحضيرية لكأس العالم لكرة القدم 2022. وعلاوة على ذلك، قامت الحكومة القطرية بإلغاء نظام الكفالة في 13 ديسمبر 2016م، وذلك لتسهيل قدرة العمال المهاجرين على تغيير وظائفهم ومغادرة البلاد. وبالنسبة للهنود المقيمين في قطر، يُنظر إلى هذا الإجراء باعتباره جهدًا إيجابيًا.
الفرص الناشئة والآفاق المستقبلية
يحمل مستقبل العلاقات بين الهند وقطر إمكانات هائلة بفضل الفرص المتاحة في مجالات الطاقة، والتكنولوجيا، والتوافق الاستراتيجي، والدبلوماسية الثقافية. وفي قطاع الطاقة، ستركز الهند على الطاقة المتجددة والتعاون في مجال الهيدروجين الأخضر.
وفي مجال التكنولوجيا والابتكار، من المتوقع أن تمتد استثمارات قطر في الشركات الهندية في القطاع المتعلق بالتكنولوجيا التعليمية والخدمات الرقمية إلى مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية، والابتكار في مجال الرعاية الصحية، وهنا يمكن أن تقدّم الهند مساهمة كبيرة في هذا الصدد.
وعلى الصعيد الثقافي، تسعى الهند وقطر بالفعل إلى تعزيز الروابط من خلال تبادلات تعليمية وتعاون في مجال الرياضة. وتتمتع هذه الشراكة بإمكانات هائلة مع استعداد قطر لاستضافة دورة الألعاب الآسيوية 2030. وتشير هذه المجالات الجديدة للشراكة إلى مستقبل واعد للعلاقات الثنائية بين الهند وقطر.
اقرأ أيضًا: العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الهند وقطر
فيمكن القول بأن العلاقات بين الهند وقطر منذ عام 2014م قد تطورت إلى علاقة نابضة بالحياة وشاملة تتسم بالتوسع والتنوع المستمر. وتتمتع الشراكة بجذور عميقة في الروابط الاقتصادية القوية في قطاعي الطاقة والتجارة. وقد اتسع نطاقها لتشمل قطاعات حيوية أخرى مثل التكنولوجيا والتعاون الدفاعي والدبلوماسية الثقافية. ويشير هذا التطور إلى أن كلا البلدين لديهما إمكانات كبيرة للريادة في صناعات الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية. وسيتيح ذلك فرصًا كبيرة للتعاون بهدف تحقيق التنويع الاقتصادي والتفوق التقني. وفي الوقت نفسه، عزّز التعاون في مجال الدفاع والأمن الثقةَ المتبادلة بين البلدين لمواجهة القضايا المشتركة مثل الأمن البحري ومكافحة الإرهاب.كما أسهمت الدبلوماسية الثقافية والجالية الهندية الديناميكية في قطر في تعزيز التواصل بين الشعبين.
الأستاذ الدكتور همايون أختر نظمي هو مدير مركز دراسات غرب آسيا، الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي