العلاقات بين الهند وموريتانيا: حقبة جديدة في التنمية الثقافية والدبلوماسية والاقتصادية

25-01-2025  آخر تحديث   | 25-01-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | همايون أختر نظمي 
الرئيسة دروبادي مورمو ورئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني
الرئيسة دروبادي مورمو ورئيس موريتانيا محمد ولد الشيخ الغزواني

 

همايون أختر نظمي

ترجمة: محبوب عالم

تعمل الهند وموريتانيا على صياغة خطط جديدة للتعاون في القضايا السياسية، والتبادل الثقافي، والنمو الاقتصادي، مما يمثّل خطوة جديدة في علاقاتهما الثنائية. ويعكس هذا التطور رغبة البلدين في تعزيز الروابط الثنائية واستكشاف مجالات جديدة تحقق لهما منافع متبادلة. وفي 16 أكتوبر 2024م، قامت رئيسة الهند دروبادي مورمو بزيارة مهمة إلى موريتانيا، والتي شكّلت بداية عهد جديد في العلاقات الثنائية، القائمة على القيم المشتركة والاحترام المتبادل.

أسس العلاقات بين الهند وموريتانيا (السياق التاريخي)

على الرغم من البعد الجغرافي بين الهند وموريتانيا، فإن البلدين يجمعهما تاريخ طويل من العلاقات الثقافية والاقتصادية. فقد وقفا جنبًا إلى جنب في المنتديات الدولية كجزء من الجنوب العالمي لتعزيز النمو ومعالجة التحديات العالمية مثل الفقر وتغير المناخ. ولكن المحاولات الدبلوماسية الأخيرة تمثل نقطة تحول مهمة في تحويل هذه الروابط التاريخية إلى تحالف استراتيجي.

التعاون الثقافي (جسر القيم المشتركة)

إن التبادل الثقافي هو جزء أساسي من العلاقات بين الهند وموريتانيا، حيث يسهم في تعزيز الفهم المتبادل والتقدير الثقافي بين البلدين. وقد تم توقيع مذكرة تفاهم حول التبادل الثقافي خلال زيارة الرئيسة دروبادي مورمو إلى موريتانيا، وتهدف هذه الاتفاقية إلى تشجيع شعبي البلدين على التعاون في مجالات الفنون، وحماية التاريخ، والدبلوماسية الثقافية. وفي الواقع، يؤدي أعضاء الجالية الهندية في موريتانيا دورًا بالغ الأهمية في توطيد الروابط الثقافية وتعزيزها باستمرار بين البلدين.

وأسهم السكان الهنود في موريشيوس في نقل العادات الهندية والمأكولات والمهرجانات إلى الجزيرة، مما يثري الثقافة المحلية ويعكس التاريخ العريق للهند. ولا تقتصر مساهمتهم على تعزيز النسيج الثقافي للمنطقة فحسب، بل تمثل أيضًا امتدادًا للإرث الثقافي الهندي العريق. ويستخدم البلدان "القوة الناعمة" لتعزيز الثقة والاحترام المتبادل، ويعد التركيز المتزايد على الترويج للثقافات المشتركة دليلًا واضحًا على هذا التوجه.

الانخراط الدبلوماسي (محطة تاريخية) 

مثّلت زيارة الرئيسة دروبادي مورمو إلى موريتانيا حدثًا تاريخيًا، حيث كانت أول زيارة يقوم بها رئيس هندي إلى الدولة. وهذا يعكس التزام الهند العميق بتعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى. 

وخلال لقائها مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، جدّد الزعيمان التزامهما بتعزيز التعاون في القضايا ذات الأهمية المشتركة. وكانت خطوة كبيرة نحو ترسيخ المشاركة الدبلوماسية بشكل رسمي من خلال توقيع عدة مذكرات تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات.

وتشمل هذه الاتفاقيات التدريب الدبلوماسي، والإعفاء من التأشيرات لحاملي جوازات السفر الدبلوماسية، وإجراء مشاورات منتظمة بين وزارتي خارجية البلدين. ويأمل الناس أن تسهم هذه الاتفاقيات في تسهيل التواصل والتعاون بين الجانبين لمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، مما سيؤدي إلى تحقيق وحدة سياسية أفضل وتطوير استراتيجيات نمو مشتركة.

التعاون الاقتصادي (إطلاق العنان للإمكانات)

تعتمد العلاقة بين الهند وموريتانيا أيضًا على العمل معًا في المجال الاقتصادي. وعلى الرغم من أن حجم التبادل التجاري بين البلدين لا يزال محدودًا، فإن الاجتماع الأخير يُمهّد الطريق لتعزيز هذه العلاقات وتوسيع نطاقها. وتمتلك موريتانيا ثروات طبيعية وفيرة، مثل خام الحديد والثروة السمكية، مما يوفر فرصًا كبيرة للشركات الهندية للاستفادة منها في مجالات استخراج الموارد، والتكنولوجيا، والطاقة الخضراء.

وإن العديد من الهنود الذين غادروا بلادهم للعمل كرجال أعمال وعمال مهرة في موريتانيا يمكن أن يشكلوا جسرًا لتعزيز النفوذ الاقتصادي للهند. وقد أشادت الرئيسة دروبادي مورمو بمهارات وخبرات الهنود في موريتانيا، مما يؤكد أهميتهم في دعم نمو موريتانيا وتعزيز التأثير الاقتصادي للهند على المستوى العالمي. ويمكن أن يستفيد البلدان من العمل معًا في مجالات مثل بناء القدرات، وتطوير البنية التحتية، والتبادل الطلابي، وتبادل التكنولوجيا. ومن شأن هذا التعاون أن يُعزز الروابط التجارية بين الهند وموريتانيا، ويدفع بها إلى آفاق أوسع.

دور دبلوماسية الشتات

تشكل الجالية الهندية في موريتانيا حلقة وصل بين البلدين. وأشادت الرئيسة دروبادي مورمو، خلال زيارتها، بأعضاء الجالية الهندية لما يقدمونه من خدمات في مجال الاقتصاد، وما يبذلونه من جهوده في تعزيز الروابط بين البلدين الصديقين. وتُعد قدرة الجالية الهندية على الاندماج في الثقافة الموريتانية مع التمسك بالتقاليد الهندية مثالًا بارزًا على دبلوماسية الشتات. وعلاوة على ذلك، فإن الاعتراف بدور الجالية الهندية يساهم في تعزيز القوة الناعمة للهند ومدى تأثيرها السياسي في إفريقيا. ولا يقتصر دور الجالية الهندية على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يحمل بُعدًا رمزيًا يعكس حرص الهند على العمل مع الدول الأخرى.

نحو شراكة مستدامة (رؤية استراتيجية) 

تخطط الهند وموريتانيا للعمل معًا على المدى الطويل، ويعود الفضل في ذلك إلى المحادثات التي بدأت خلال زيارة الرئيسة مورمو. وبناءً على هذا الأساس، يمكن أن يستكشف البلدان عن سبل جديدة للتعاون في مجالات مثل الرعاية الصحية والتكنولوجيا الرقمية والطاقة الخضراء. وترغب الهند في تعزيز علاقتها مع موريتانيا لأنها تتماشى مع سياستها العامة تجاه إفريقيا. فهي تركز على بناء القدرات، وتعزيز الاقتصاد، وتبادل الثقافات. وبالمثل، فإن خبرة الهند في مجال التكنولوجيا، وفرص الأعمال، بالإضافة إلى برامج التدريب، يمكن أن تساعد موريتانيا بشكل كبير.

اقرأ أيضًا: الرئيسة مورمو: أوجه التشابه كثيرة بين ثقافتي موريتانيا والهند

لقد بدأت حقبة جديدة في العلاقات بين الهند وموريتانيا مع زيارة الرئيسة دروبادي مورمو إلى موريتانيا. فقد هيأ البلدان الأجواء لعلاقة جديدة، من شأنها أن تؤدي إلى التقدم والازدهار لكليهما، ولذلك يسعى الجانبان إلى تعزيز علاقاتهما بشكل أقوى. وعلاوة على ذلك، فإن دور الجالية الهندية، والاتفاقيات الموقعة، والأهداف المشتركة ستسهم في تشكيل هذه العلاقة بشكل أكبر. وإن المسار الذي اختارته الهند وموريتانيا للتعاون المشترك لا يعد إنجازًا سياسيًا فحسب، بل هو دليل على مدى قوة الدبلوماسية الثقافية والاقتصادية في بناء علاقات طويلة الأمد.

الأستاذ الدكتور همايون أختر نظمي هو مدير مركز دراسات غرب آسيا، الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي