عاطر خان: نيو دلهي
تتمتع الهند وعمان بعلاقات حضارية قوية. وقد يؤدي تعزيز هذه العلاقة إلى علاقات اقتصادية وثقافية واستراتيجية أكثر إثمارًا. وإن العلاقات بين البلدين ودية، وبقليل من الجهد يمكن تعزيز هذه العلاقات والارتقاء بها لصالح كلا البلدين.
وهناك دروس في أخطاء الماضي. في الخمسينيات من القرن الماضي، كان قدّم سلطان عُمان ميناء جوادار هدية للهند، ولكن الهند رفضت قبولها، وبمساعدة الأمير آغا خان، انتقلت إلى أيدي باكستان وتستخدمها الصين الآن.
وفي حين أن باكستان ليست منافسًا رئيسًا في المنطقة، فقد طورت الصين مؤخرًا نفوذًا اقتصاديًا في المنطقة. ومن المعروف أنها قامت بتحويل قوتها الاقتصادية إلى التفوق في تحقيق طموحاتها العسكرية، حتى بدأت الصين في تطوير علاقاتها الدفاعية مع المنطقة. وكانت هناك تقارير عن أنها ساعدت السعودية في بناء منشآت صاروخية. وقبل شهور، أشارت الولايات المتحدة إلى جهود الصين للسيطرة على ميناء في المنطقة. ومن المرجح أن يؤدي الوجود الاقتصادي المتنامي للصين إلى انخراطها على نطاق أوسع في المنطقة، مما قد يؤثّر على العديد من البلدان في العالم، على الرغم من أنه لا يبدو في الوقت الحالي أنه يشكِّل تحديًا للبنية الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة.
وإن العلاقات الحضارية العظيمة مع عمان تجعلها صديقًا اختبرته الهند عبر الزمن. وقد يكون من المرغوب فيه اتباع نهج متعدد الجوانب لتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والعسكرية مع البلاد. وإن سلطنة عمان صديق موثوق يمكنها مساعدة الهند على تحقيق أهدافها طويلة المدى.
ويقول الدكتور وائل عواد، وهو صحفي كبير من غرب آسيا: "إن الهند كقوة عالمية متنامية يجب أن يكون لها نفوذ وهيمنة في المنطقة. وتعتبر العلاقات مع عمان مهمة للغاية ليس فقط في مجال التجارة والوصول إلى البحر الأحمر ولكن أيضًا في عمليات مكافحة القرصنة وأمن النفط. ويمكن أن يعطي التعاون العسكري مع عمان ميزة عليا للهند في المستقبل". وفي حين، يعتقد الدبلوماسيون الهنود بأن نيو دلهي لا يمكنها الاعتماد على عمان في مجال الهيدروكربونات.
ومع ذلك، فإن قرب عمان من مضيق هرمز يجعلها ذات أهمية استراتيجية للأمن الاقتصادي والعسكري. ويمر عبر المضيق ثلث الغاز الطبيعي المسال في العالم وحوالي 25% من إجمالي استهلاك النفط العالمي، مما يجعله موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية للتجارة الدولية.
وإن ما يجعل عمان دولة مناسبة لإثراء علاقاتها هو طبيعتها التقدمية، وشعبها لديه احترام وتقدير كبير للهنود. فإنهم يفضِّلون الهنود في الوظائف وفرص العمل على مواطني أي دولة آسيوية أخرى. ويقول الدبلوماسي السابق جيه كيه تريباثي: "قبل أن تمضي عمان في الاتجاه الآخر، يجب أن نحاول إبقاء عمان معنا. وإنه أسهل نسبيا بالنسبة إلينا".
ويضيف أن عمان لديها أكثر من 800 آلاف مغترب هندي. ويعيش بعض التجار الغوجاراتيين في مسقط منذ أجيال وقد منحهم العمانيون لقب "الشيخ" الخاص. ويقال إنه إذا كنتم تريدون العيش في مسقط، فعليكم أن تتعلموا اللغتين الماليالامية والهندية أكثر من اللغة العربية. وبالمثل، فإن الهنود الذين استقروا هناك يكنون احترامًا كبيرًا لثقافة العمانيين وتقاليدهم.
وربما تكون هي الدولة الوحيدة في منطقة الخليج التي لديها ثلاثة معابد وثلاثة جوردوارا وثلاث كنائس. وبعض هذه الأماكن الدينية موجودة هناك منذ أكثر من قرن. وفي معبد شيف، يتم بيع مواد البوجا (العبادة) مثل الكلافا والبراساد والتماثيل من قبل العمانيين المحليين.
ويمكن أن يقوم الناس أيضًا بشراء الكتب الدينية مثل "رامشاريتماناس" المتوفرة في المكتبات المحلية. وتعمل محرقة للهنود في مسقط أيضًا. وتم تخصيص ميدان كبير لغاربا ودانديا في مسقط خلال نافراتري (مهرجان الليالي التسع). ويدير الهنود مطاعم ومحلات ملابس وسلع إلكترونية في مسقط.
وإن قرب عمان من الهند كبير بحيث يمكن السفر بين مسقط وغوجارات عن طريق البحر في فترة قصيرة جدًا. ومدة الرحلة بين مسقط ومومباي أطول بقليل من رحلة مومباي إلى دلهي. وتحقق الخطوط الجوية العمانية التي تديرها الدولة أرباحًا في القطاع الهندي أكثر من أي دولة أخرى. وهناك حوالي 16 رحلة جوية من عمان إلى الهند كل أسبوع تربط بين دلهي وأحمد آباد وجايبور ومومباي وكوتشين وحيدر آباد ولكناؤ وكولكاتا.
والعائلة المالكة في عمان مغرمة جدًا بالهند لدرجة أن البريطانيين وصفوا سلطانها قابوس بن سعيد بالملك الهندي. وفي كل فصل الرياح الموسمية، كان يأتي السلاطين إلى مومباي لقضاء بعض الوقت هناك. وكان جد السلطان الراحل قابوس بن سعيد قد دَرَس في كلية مايو بأجمير، حيث ستجدون حتى اليوم "بيت عمان" الذي يذكِّركم بالروابط القوية. ويقول سيد نصير الدين الجشتي، رئيس "مجلس آل إنديا صوفي سجاده نشين" إن أسلافه أخبروه بأن السلاطين كانوا كرماء بتبرعاتهم لدارغا خواجة غريب نواز.
وكان الرئيس السابق الدكتور شانكار ديال شارما قد درّس جد السلطان قابوس ولهذا السبب فإن عائلة السلاطين تكن له احترامًا كبيرًا لدرجة أنه عندما زار الدكتور شارما عمان ذات مرة، ذهب السلطان قابوس شخصيا لاستقباله في المطار.
وتعتبر عمان وجهة تجارية رائعة حيث لا توجد ضريبة دخل، وحتى الرسوم الجمركية منخفضة للغاية. وحتى أوائل الستينيات كانت الروبية الهندية عملة صالحة في البلاد. ووفقًا لراجان، وهو محاسب قانوني عمل في شركة خاصة في مسقط، هناك مصالح تجارية متبادلة المنفعة بين البلدين أيضًا.
وتدير مؤسسة النفط العمانية مصفاة نفط في ولاية مادهيا براديش، وتمتلك شركة "كريبكو" مصنعًا للأسمدة في سلطنة عمان. وأحد حملة الأسهم في بنك "إتش دي إف سي" هو بنك مسقط. وبالمثل، هناك العديد من البنوك والمؤسسات التي لها مصالح مشتركة. ويعد القبول في المدرسة الهندية "مدرسة دلهي العامة" وأميتي الأكثر طلبًا في ذلك البلد.
وكانت خططت الهند وعمان لإقامة مشاريع مشتركة في قطاعات توليد الطاقة والسكك الحديدية والأسمدة. وللأسف، ضاعت بعض المشاريع بسبب الرقابة في الوزارات. ويرى الخبراء أن الفرص التجارية بين البلدين لم يتم استكشافها بعد. ولنأخذ على سبيل المثال البرازيل، فهي أكبر مصدر لخام الحديد في العالم، وقد جعلت من عمان مركزًا لممارسة الأعمال التجارية مع آسيا.
وبالمثل، يمكن أن تنظر الهند وسلطنة عمان إلى بعضهما البعض كبوابة لسوق أوسع. وحوالي 160 من الرؤساء التنفيذيين للشركات الموجودة في سلطنة عمان هم من الهنود. وإنهم يعملون في شركات مملوكة للعمانيين فهناك حاجة إلى استغلالهم لإثراء العلاقات التجارية بين البلدين. وحتى الآن لم يكن هناك تواصل كبير معهم.
وتتعاون البحرية الهندية مع البحرية الملكية العمانية على العديد من الجبهات بما في ذلك التفاعلات العملياتية والتدريب. وقد وقعت الهند وعمان قبل شهور اتفاقية لتعزيز التعاون في مجال الأمن البحري. وتم استخدام ميناء صلالة للتعاون البحري بين البلدين. ويقول الخبراء إن العلاقات العسكرية يمكن تحسينها بشكل أكبر لتحقيق ميزة استراتيجية أكبر.
فإن السفير الهندي لدى عمان هو شخص مؤثر للغاية. ويقول السفير السابق أنيل وادوا إنه في مرافق التحول، لم نتقدم إلى ما هو أبعد من الاتفاق الأساسي. ويجب تعزيز مرافق إصلاح السفن. ويجب على الهنود أيضًا محاولة الحصول على إيجارات الأراضي الزراعية في عمان لتوفير السكر والقمح بانتظام.
وهناك جانب آخر مهم وهو تدريب المسؤولين العمانيين في الهند والذي يحتاج إلى مزيد من التطوير. وفي الماضي، تم تدريب العمانيين في مؤسسات التدريب الهندية الأجنبية، ولكنهم في الآونة الأخيرة فضّلوا الذهاب إلى الغرب. ومن الممكن أيضًا استكشاف التعاون في مجال تدريب القوات المسلحة.
وباختصار، هناك إمكانيات هائلة لتعزيز العلاقات ذات المنفعة المتبادلة بين البلدين والتي يجب على نيودلهي الاستفادة منها.