أ.د. مجيب الرحمن
على امتداد التاريخ، كانت العلاقات التجارية بين جمهورية الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة قوية ومزدهرة. ومع وجود حوالي 3.5 ملايين هندي يقيمون في دولة الإمارات في الوقت الحالي، أدّت الجالية الهندية دورًا حيويًا في دعم اقتصاد الإمارات وتشكيل جسر ثقافي بين البلدين والشعبين. وإضافة إلى ذلك، ساعدت التحويلات المالية الكبيرة من الجالية الهندية التي تقدَّر بـ 15 مليار دولار سنويًا في تعزيز الاقتصاد الهندي. ومع مرور الزمن، توسعت العلاقات بين البلدين لتشمل الاستثمارات المتبادلة، وقطاعات مثل الطاقة والتكنولوجيا والتعاون الدفاعي، مما يعكس تحولاً نوعيًا في طبيعة الشراكة بينهما.
وتقف الهند اليوم ثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات العربية المتحدة حيث تمثل 9٪ من إجمالي تجارتها الخارجية و14٪ من الصادرات غير النفطية. كما تعد الإمارات العربية المتحدة ثالث أكبر شريك تجاري للهند. ولقد ارتفعت التجارة بين الهند والإمارات العربية المتحدة من 180 مليون دولار أمريكي سنويًا في السبعينيات إلى 84.84 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2023م. ومن المتوقع أن تزيد قيمة التجارة غير النفطية للإمارات العربية المتحدة مع الهند إلى أكثر من 100 مليار دولار أمريكي على مدى السنوات الخمس المقبلة. وبعد الولايات المتحدة والصين، أصبحت دولة الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند وثاني أكبر وجهة لصادرات الهند. والإمارات العربية المتحدة هي سابع أكبر مستثمر في الهند بتدفقات استثمارية مباشرة أجنبية تراكمية بلغت 16.67 مليار دولار أمريكي من أبريل 2000 إلى سبتمبر 2023م.
وفي سلسلة من الخطوات المهمة من البلدين منها توقيع اتفاقيات مهمة وزيارات متبادلة بين كبار قادة البلدين في الآونة الأخيرة، لقد جاءت زيارة ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان في الفترة من 9-10 سبتمبر الجاري إلى الهند بدعوة من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في إطار تعميق العلاقات الاقتصادية وترسيخ التعاون الاقتصادي بين البلدين مزيدًا، علما أن الإمارات تسعى إلى تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على النفط، وتعزيز موقعها كمركز استثماري عالمي. وفي المقابل، تسعى الهند إلى تعزيز تعاونها الاقتصادي مع الإمارات في سبيل تحقيق أهدافها الطموحة، بما في ذلك أن تصبح اقتصادًا بقيمة 5 تريليونات دولار في السنوات المقبلة. وفي هذا السياق، تم التركيز على زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة. وكانت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA)، التي تم توقيعها في عام 2022م، من أبرز إنجازات التعاون الثنائي، حيث ألغت الرسوم الجمركية على عدد كبير من السلع، وفتحت المجال لتعزيز الاستثمارات في قطاعات رئيسة مثل التكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة والخدمات اللوجستية.
والطاقة كانت وستظل محورًا أساسيًا في العلاقات الاقتصادية بين الهند والإمارات. فإن الإمارات تعد واحدة من أكبر موردي النفط للهند، ومع سعي الدولتين إلى تعزيز استثماراتهما في مجال الطاقة المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية، أصبح التعاون في هذا المجال حجر زاوية للتنمية المستقبلية. وإنشاء الاحتياطي الاستراتيجي للبترول الهندي بالتعاون مع الإمارات يعزز الطابع الاستراتيجي للتعاون بين البلدين في مجال أمن الطاقة.
وإن الاستثمار في البنية التحتية يعد مجالًا مهمًا آخر في العلاقات الثنائية. وصناديق الثروة السيادية الإماراتية استثمرت بشكل كبير في مشاريع البنية التحتية في الهند، وخاصة في قطاعات النقل والعقارات والطاقة المتجددة. والزيارة الأخيرة التي قام بها ولي عهد أبوظبي مهّدت الطريق لمزيد من الاستثمارات في مجالات التكنولوجيا المالية والشركات الناشئة والمشاريع المستدامة، وهو ما يعزز التعاون بين البلدين في تطوير البنية التحتية.
كما يعد الأمن الغذائي مجالًا ناشئًا للتعاون بين الهند والإمارات. وفي ظل تزايد التحديات العالمية المتعلقة بسلاسل الإمداد الغذائي، تنظر الإمارات إلى الهند كشريك موثوق به في هذا المجال. ويوفّر القطاع الزراعي الواسع في الهند فرصًا هائلةً للتعاون في مجال الأمن الغذائي، حيث أطلقت الدولتان مشاريع لوجستية لضمان استمرارية الإمدادات الغذائية بينهما.
وفي مجال التكنولوجيا والابتكار، تمتلك الهند قطاعًا مزدهرًا في تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات، وهو ما لقي قبولًا في الإمارات. وأثناء زيارة ولي عهد أبوظبي الأخيرة، تركزت النقاشات حول تعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين والأمن السيبراني، خاصة أن الإمارات تسعى لتحويل مدنها إلى مدن ذكية، والهند تمتلك خبرات كبيرة في هذا المجال.
وبالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية، يمتد التعاون بين البلدين إلى مجالات الدفاع والأمن. ويتعاون البَلدان لضمان الأمن البحري في منطقة المحيط الهندي والخليج العربي، ما يعزّز استقرار المنطقة ويؤمن طرق التجارة الحيوية التي تضمن استمرار العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين.
ولقد أدركت الإمارات أهمية الهند كقوة اقتصادية صاعدة وشريك رئيس في الاستثمارات غير النفطية. ومن جهة أخرى، ترى الهند في الإمارات شريكًا مهمًا يوفر لها الوصول إلى رأس المال، ويعد بوابة للأسواق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتدرك الدولتان أن تعاونهما الاقتصادي يحمل مستقبلاً مشتركًا. ويعكس توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملةوالجهود المبذولة لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، الالتزام الجاد من كلا الجانبين ببناء شراكة طويلة الأمد ومستدامة.
ختامًا، لقد تطورت العلاقات الاقتصادية بين الهند والإمارات من مجرد روابط تجارية إلى شراكة استراتيجية شاملة. ولقد جاءت الزيارة الأخيرة لولي عهد أبوظبي إلى الهند كدليل واضح على الرؤية المشتركة لتعزيز التعاون في مجالات رئيسة مثل التجارة، والاستثمار، والتكنولوجيا، والطاقة. ومع استمرار الهند في تحقيق نمو اقتصادي متسارع، وتوجه الإمارات نحو تنويع مصادر دخلها، من المتوقع أن يكون لهذه الشراكة تأثيرات واسعة على الاقتصاد العالمي، إضافة إلى دورها في تعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة.
اقرأ أيضًا:
- رئيس الوزراء مودي وولي عهد أبوظبي يبحثان العلاقات بين البلدين