أ.د. مجيب الرحمن
"تتطلع الهند إلى توسيع نطاق التعاون في القطاعات الرئيسة المتعلقة بالتجارة والاستثمار والتكنولوجيا"، هذا ما كتبه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على منصة "إكس" بمناسبة زيارته الأخيرة إلى الدوحة في 14 فبراير 2024م، مضيفًا "لقد أضافت زيارتي إلى قطر قوة جديدة إلى الصداقة بين الهند وقطر. وتتطلع الهند إلى توسيع نطاق التعاون في القطاعات الرئيسة المتعلقة بالتجارة والاستثمار والتكنولوجيا والثقافة. وأشكر حكومة قطر وشعبها على حسن ضيافتهم". وهذه التصريحات لرئيس الوزراء مودي تدل دلالة واضحة على عمق العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين جمهورية الهند ودولة قطر، علمًا بأن كلا البلدين يوليان أهميةً كبيرةً على تعميق العلاقات الثنائية في شتى المجالات ولا سيما في المجال الاقتصادي الذي يشكّل الركيزة الأولى في العلاقات الثنائية.وفي هذا المقال نستعرض العلاقات الاقتصادية المتنامية بين جمهورية الهند ودولة قطر التي تمثل شريكًا تجاريًا مهمًا للهند في منطقة الخليج وتحتضن جالية هندية كبيرة تقدَّر بسبع مئة ألف هندي مقيم في قطر.
My visit to Qatar has added new vigour to the India-Qatar friendship. India looks forward to scaling up cooperation in key sectors relating to trade, investment, technology and culture. I thank the Government and people of Qatar for their hospitality. pic.twitter.com/Cnz3NenoCz
— Narendra Modi (@narendramodi) February 15, 2024
قد عزّزت الهند ودولة قطر في السنوات الأخيرة التعاون الاقتصادي بينهما بشكل كبير في مختلف القطاعات، بما في ذلك الطاقة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والتعليم والثقافة والصحة والموارد البشرية والإعلام وتكنولوجيا المعلومات. وتم تحقيق هذا التعاون من خلال عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات المهمة ذات المنفعة المتبادلة، وشملت مجالات مثل الاستثمار والبنية التحتية، والشؤون الجمركية، وتبادل المعلومات المتعلقة بغسيل الأموال، والجرائم المرتبطة بتمويل الإرهاب، وتنمية القدرات، والسياحة، والصحة، والشباب والرياضة.
وقد شهدت العلاقات التجارية بين البلدين نموًا مطردًا على مدى السنوات الماضية، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية في السنة المالية 2021-2022 حوالي 17.2 مليار دولار أمريكي، حسبما أفاد به سعادة الوكيل المساعد لشؤون التجارة بوزارة التجارة والصناعة في حكومة دولة قطر صالح بن ماجد الخليفي، خلال مشاركته في المؤتمر السادس للشراكة الهندية العربية المنعقد في نيو دلهي في يوليو 2023م، مضيفًا أن الهند تعد ثاني شريك تجاري أكبر لدولة قطر، ومشيرًا إلى أن حجم التجارة بين البلدين ارتفع بنحو 33 بالمئة خلال عامي 2021 و2022.
وتشمل صادرات قطر الرئيسة إلى الهند الغاز الطبيعي المسال، وغاز البترول المسال، والمواد الكيميائية، والبتروكيماويات، والبلاستيك، ومصنوعات الألومنيوم، في حين تشمل صادرات الهند الرئيسة إلى دولة قطر الحبوب، ومصنوعات النحاس، ومصنوعات الحديد والصلب، والخضراوات، والفواكه، والتوابل، والمنتجات الغذائية المصنعة، والآلات الكهربائية، والمنتجات البلاستيكية، ومواد البناء، والمنسوجات والملابس، والمواد الكيميائية، والأحجار الكريمة، والمطاط.
وتُعدُّ دولة قطر أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الهند، حيث تمثل أكثر من 40% من واردات الهند العالمية من الغاز الطبيعي المسال و15% من صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال. وفي 31 ديسمبر 2015م، وقّعت شركة بترونت للغاز الطبيعي المسال، أكبر مستورد للغاز الطبيعي في الهند، وشركة "راس غاز" القطرية المحدودة اتفاقية لتوريد إضافي قدره مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا من "راس غاز" خلال الفترة المتبقية من العقد البالغ مدته 25 عامًا، والذي ينتهي في عام 2028م. وكانت اتفاقية البيع والشراء الأصلية تبلغ 7.5 ملايين طن سنويًا وتم تنفيذها في عام 2004م. وإلى جانب الغاز الطبيعي المسال، تستورد الهند أيضًا الإيثيلين والبروبيلين والأمونيا واليوريا والبولي إيثيلين من قطر.
وقد تحقّقت الزيادة الكبيرة في واردات قطر من الهند بفضل افتتاح خطوط شحن مباشرة تسمى "خدمة الهند القطرية السريعة" التي تربط الموانئ الهندية بقطر. هذه الخدمة تربط ميناء حمد في قطر بموانئ موندرا (غُوجارات) ونافا شيفا (مَهَاراشترا) في الهند. كما أن وجود رحلات جوية مباشرة بين المطارات الدولية المختلفة في الهند والدوحة، من خلال شركات طيران: إير إنديا، وإنديجو، وفيستارا، وجُو إير، والخطوط الجوية القطرية، يعزّز عملية التبادل التجاري بين البلدين. وعلى صعيد القطاع المصرفي، يعمل البنكان الرئيسان في قطر بنك الدوحة في مومباي، وكوتشي، وتشيناي، بالإضافة إلى بنك قطر الوطني (QNB) في مومباي.
الوزير الهندي للنقل البري والطرق السريعة نيتين غادكاري ووزير المواصلات القطري جاسم بن سيف السليطي، في نيو دلهي في فبراير 2023م
وتعد الاستثمارات الهندية في قطر من أبرز مظاهر التعاون الاقتصادي القوي بين البلدين. فوفقًا لغرفة تجارة وصناعة قطر، يعمل أكثر من 6000 شركة هندية كبيرة وصغيرة في قطر، وتستثمر الشركات الهندية في قطر في مجالات البنية التحتية، والاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة، وغيرها من المجالات. ومن بين هذه الشركات هي؛ لارسن آند توبرو، وفولتاس، وشابورجي بالونجي، وويبرو، وتي سي إس، وتيك ماهيندرا. وقد شهدت العمليات التجارية لهذه الشركات توسعًا كبيرًا في قطر، خاصة في قطاعات البنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك مشاريع مرموقة مثل استاد الريان الذي افتتح خلال نهائي كأس الأمير 2020، مترو الخط الذهبي، وطريق الوكرة السريع.
اقرأ أيضًا: الشراكة الاستراتيجية بين الهند والسعودية
وأما الاسثتمارات القطرية في الهند، فهي آخذة في النمو، فقد استثمر جهاز قطر للاستثمار حوالي 450 مليون دولار أمريكي في وحدة تابعة لشركة أداني نرانسميشن ليميتد، كما قام بالاستثمار في تطبيق Byju’s، بمبلغ قدره 150 مليون دولار أمريكي. هذا وهناك استثمارات قطرية بقيمة مئات ملايين الدولارات في عدد من المشاريع الهندية المهمة.
اقرأ أيضًا: السفارة الهندية بدولة قطر تطلق نشرة إخبارية شهرية
وعلى الرغم من وجود التعاون الاقتصادي المزدهر بين البلدين الصديقين فما زالت هناك إمكانات كبيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما وذلك من خلال عدد من المبادرات التي قد تشمل تنويع الصادرات والواردات وتوسيع نطاق المنتجات للتبادل التجاري مثل المنتجات الزراعية، والأدوية والسلع الاستهلاكية، وإزالة الحواجز الجمركية، وإنشاء صناديق استثمارية مشتركة من أجل تحفيز الاستثمارات في القطاعات الحيوية مثل الطاقة، والطاقة المتجددة، والبنية التحتية مثل الموانئ، والمطارات والنقل العام، والعقارات، والخدمات المالية، ومشاريع الرعاية الصحية، وتبادل الخبرات والتكنولوجيا في المجالات الحيوية كالذكاء الاصطناعي، وتقنية النانو، وغيرها من المجالات المهمة التي يمكن أن يعزِّز البلدان من خلالها التعاون بينهما. فبالاستفادة من مواضع القوة في كل من جمهورية الهند ودولة قطر، يمكن أن يعزّز الجانبان التعاون الاقتصادي بينهما من أجل المنفعة المتبادلة للبلدين والشعبين.
أ.د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي