العلاقات الثقافية بين الهند والعالم العربي في عام 2024م (2)

03-01-2025  آخر تحديث   | 03-01-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | مجيب الرحمن 
تكريم الطلاب الفائزين في مسابقة
تكريم الطلاب الفائزين في مسابقة "لمحات من الهند" في القاهرة

 

مجيب الرحمن

تشكل العلاقات بين الهند والعالم العربي مجالًا خصبًا للدراسة والتحليل في الأوساط العلمية، لما تحمله من أبعاد جيوسياسية واقتصادية متشابكة على المستويين المحلي والعالمي. ومن هذا المنطلق، رأينا ضرورة تسليط الضوء على تطور هذه العلاقات خلال عام 2024م من خلال مقالتين متكاملتين. تناولنا في الحلقة الأولى المحورين السياسي والاقتصادي، بينما نخصص الحلقة الثانية لاستعراض التعاون الثقافي والتبادلات في مجالات أخرى بعيدًا عن السياسة والاقتصاد. وقد شهدت العلاقات الثقافية بين الهند والعالم العربي في عام 2024م تطورًا بارزًا، تجلّى في العديد من أوجه التعاون المثمر والمبادرات المشتركة.

التعاون في مجال التعليم

استمرت الهند في عام 2024م، في تعزيز علاقاتها التعليمية مع البلدان العربية، سواء من خلال البرامج الدراسية المشتركة أو المبادرات التعليمية الثنائية. وعلى سبيل المثال، وقّعت جامعة علي كراه الإسلامية في الهند اتفاقية مع جامعة الملك سعود في السعودية لتبادل الطلاب والأساتذة في تخصصات مثل الطب والهندسة. وفي عام 2024م شارك 150 طالبًا عربيًا في برامج دراسات عليا بالجامعات الهندية، وكان 40% منهم من الإمارات والسعودية. كما عقد مركز الدراسات العربية والإفريقية في عام 2024م عددًا من البرامج والفعاليات المهمة بالتعاون مع مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بالرياض ومن أهمها برنامج شهر اللغة العربية في جامعة جواهر لال نهرو، والجامعة الملية الإسلامية وجامعة دلهي وجامعة كيرالا، فضلا عن "اختبار همزة" الذي يُعقد افتراضيًا من قبل المجمع على أساس دوري، وكان لهذه الفعاليات دور كبير في تمكين أساتذة اللغة العربية في الهند من جهة أخرى. واستضافت مصر مؤتمر التعليم الدولي بمشاركة وفود هندية بارزة، وناقشت التعاون في تطوير المناهج المشتركة.

الثقافة والفنون

تمثل الثقافة والفنون أحد المجالات الحيوية في العلاقات الهندية-العربية. شهد عام 2024م، تعزيز التعاون في مجالات مثل السينما والموسيقى والفنون البصرية. فأقيم هناك العديد من المهرجانات الثقافية والفنية المشتركة بين الهند والدول العربية، وشهد "مهرجان السينما الهندية في دبي" عام 2024م عرض 30 فيلمًا هنديًا، منها أفلام مثل "آر آر آر" و"كانتارا"، حيث حضر المهرجان أكثر من 50,000 زائر. ومن جهة أخرى، أقيم مهرجان "أيام الثقافة العربية" في نيودلهي، حيث شارك فنانون عرب وهنود في ورش عمل حول الرسم والنحت. وعلى سبيل المثال، تعاونت الفنانة الهندية أنجالي إيلا منور مع نظيرتها اللبنانية نادين توما في مشروع فني مشترك تحت عنوان "الجذور الثقافية المشتركة". كما شاركت الممثلة الهندية الشهيرة بريانكا شوبرا في فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة في ديسمبر 2024م. وهناك أمثلة كثيرة على زيادة التعاون بين الهند والعالم العربي في مجال السينما والفن.

التراث والآداب

حظيت اللغة والثقافة الهندية بمزيد من الاهتمام في العالم العربي في عام 2024م، خاصة من خلال ترجمة الأعمال الأدبية الهندية إلى اللغة العربية. وبدأ العديد من دور النشر العربية بترجمة أشهر الأعمال الأدبية الهندية، سواء الكلاسيكية أو الحديثة، مما ساعد على تعزيز الفهم المتبادل بين الثقافتين. وفي المقابل، شهد الأدب العربي اهتمامًا متزايدًا في الهند، حيث ترجمت العديد من الكتب العربية إلى اللغات الهندية، مما ساهم في تعزيز التقارب بين الأدبين العربي والهندي، وعلى سبيل المثال فقط، في عام 2024م، أطلقت "دار الساقي" للنشر مشروعًا لترجمة 20 عملاً أدبيًا هنديًا إلى العربية، من بينها رواية "قطار إلى باكستان" لخوشونت سينغ. كما تُرجمت رواية "ثلاثية غرناطة" لرضوى عاشور إلى الهندية، وعقدت ورشة عمل في القاهرة حول الأدب المقارن، حضرها كتاب من الهند والعالم العربي، مما ساعد في تعزيز التفاهم الثقافي المتبادل.

العلوم والتكنولوجيا

لقد شهد التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا بين الهند والدول العربية زخمًا كبيرًا في عام 2024م. وعلى سبيل المثال، في مجال تبادل الخبرات في مجالات مثل الفضاء والذكاء الاصطناعي، حيث شاركت بعض الشركات الهندية في مشاريع عربية للتنمية التكنولوجية، كما تم التعاون في العديد من المؤتمرات العلمية التي انعقدت في العواصم العربية، الأمر الذي ساعد على تعزيز الروابط الفكرية بين العلماء العرب والهنود. وقامت "وكالة الإمارات للفضاء" بالتعاون مع "منظمة أبحاث الفضاء الهندية"بتطوير برنامج تعليمي مخصص لطلاب الجامعات يتناول تكنولوجيا الأقمار الصناعية. وقد أُقيمت دورة تدريبية لمدة أسبوعين في مركز أبحاث الفضاء في بنغالورو، شارك فيها 25 طالبًا من الإمارات وعمان، وفي ديسمبر 2024م زار وفد علمي رفيع المستوى، من إمارة الشارقة مدينة دلهي وبنغالورو ومومباي لمشاهدة التجرية الهندية في أحدث التكنولوجيات في مجالات شتى أهمها الذكاء الاصطناعي.

 الدين والحوار بين الأديان

تعد الهند والعالم العربي مركزين عريقين ومهمين للديانات الكبرى مثل الإسلام والهندوسية والمسيحية والبوذية والسيخية، وفي عام 2024م، استمر التعاون الديني بين الجانبين من خلال تعزيز الحوار بين الأديان. كما استضافت بعض الدول العربية مثل الإمارات والسعودية مؤتمرات للحوار بين الأديان، تم خلالها مناقشة القضايا المشتركة بين الهند والعالم العربي، مثل التسامح الديني والحاجة إلى تجنب التطرف وتعزيز السلام العالمي، شارك فيها وفود مشتركة من أجل تعزيز الحوار بين الأديان وترسيخ التعايش السلمي.

الرياضة والسياحة الثقافية

شهد التعاون الرياضي بين الهند والدول العربية في 2024م المزيد من الزخم، خاصة في الرياضات الجماعية مثل كرة القدم والكريكيت. تم تنظيم العديد من المباريات والبطولات بين الفرق الهندية والعربية، مما ساهم في تعزيز التفاعل الثقافي بين شعبَي الهند والبلدان العربية. كما تم التعاون في برامج تنمية الرياضيين الشباب، مع توفير فرص التدريب في منشآت رياضية حديثة. كما نما التعاون بين الهند والدول العربية في مجال السياحة الثقافية، حيث تبادل السياح بين البلدين زيارات إلى المواقع التاريخية والأثرية. وأدّت الإمارات والسعودية، على وجه الخصوص، دورًا كبيرًا في تعزيز السياحة الثقافية الهندية من خلال تنظيم معارض ثقافية وعروض حية تستعرض الثقافة الهندية في معارض وأحداث كبيرة.

اقرأ أيضًا: استعراض العلاقات بين الهند والعالم العربي في عام 2024م (1)

ختامًا، لقد شهدت العلاقات الثقافية بين الهند والعالم العربي خلال عام 2024م تطورًا ملحوظًا، حيث ارتفع مستوى التعاون في مجالات متعددة تعكس حرص الجانبين على تعميق علاقاتاتهما الثقافية. ومن الواضح أن الثقافة باتت واحدة من أهم الركائز التي تدعم العلاقات بين الهند والدول العربية، مما يُسهم في تعميق الروابط الإنسانية وبناء جسور التفاهم والتعاون في المستقبل.

أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي