الاتصال الثقافي يعزِّز العلاقات الهندية-السعودية

Story by  آواز دي وايس | Posted by  M Alam | Date 23-09-2024
الاتصال الثقافي يعزِّز العلاقات الهندية-السعودية
الاتصال الثقافي يعزِّز العلاقات الهندية-السعودية

 

د. محمد مدثر قمر

ترجمة: د. محمد محبوب عالم

تُعد المملكة العربية السعودية أحد أهم شركاء الهند في منطقة الخليج وغرب آسيا. وترتكز العلاقات بين البلدين على أهداف مشتركة ووجهات نظر عالمية متجذرة في الاستقلالية الاستراتيجية والتنمية الاقتصادية والأمن والاستقرار الداخلي والإقليمي. وتعتبر دولتا الجنوب العالمي من بين أكبر الاقتصادات وأسرعها نموًا في العالم، وهما عضوان في مجموعة العشرين.

وفي الفترة 2023-2024م، بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 43.37 مليار دولار أمريكي. وخلال العام، بينما كانت المملكة العربية السعودية خامس أكبر شريك تجاري للهند، كانت الأخيرة رابع أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية.

وتعد واردات الهند من الطاقة من المملكة العربية السعودية إحدى الدعائم الأساسية للتجارة الثنائية. ومنذ عقود من الزمن، فإن المملكة العربية السعودية مورّد موثوق للنفط الخام إلى الهند. وعلى الرغم من أن تجارة الطاقة شهدت تقلبات بسبب الأحداث العالمية مثل كوفيد-19، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإن هذا لم يغير مركزية السعودية في أمن الطاقة للهند. وبدلاً من ذلك، تعد الهند من بين أكبر موردي المنتجات الغذائية والزراعية للمملكة وتظل ركيزة للأمن الغذائي في المملكة العربية السعودية.

وإلى جانب التجارة، فإن تدفق الاستثمارات المتزايد في الاتجاهين، والمغتربين، والتحويلات المالية هي العناصر الحاسمة في العلاقات الثنائية. ومنذ عام 2014م، استثمرت الهند والمملكة العربية السعودية رأس مال دبلوماسي وسياسي كبير لتعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع التعاون الاستراتيجي والأمني مع ظهور مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الدفاعي والعسكري كمجالات ذات أولوية.

ويتقاسم رئيس الوزراء ناريندرا مودي وولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان فهمًا مشتركًا للحاجة إلى التنمية الاقتصادية وتكامل البلدين مع الاقتصاد العالمي من أجل تحقيق النمو المستدام والازدهار للشعبين. ومن الأمثلة على ذلك إطلاق الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا في سبتمبر 2023م خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، الذي يسعى إلى ربط الهند بأوروبا عبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.

ومن بين العوامل العديدة التي جعلت الهند والمملكة العربية السعودية أقرب إلى بعضهما البعض، هو الاتصال الثقافي بين البلدين، وعلى الرغم من أهميته وتوسعه المستمر، فإنه غالبًا ما يظل أقل من قيمته الحقيقية عندما يتعلق الأمر بفهم العلاقات المزدهرة.

ومن الجدير بالذكر أن الثقافة والتقاليد هي حاسمة في خيارات السياسة الخارجية لكل من مودي ومحمد بن سلمان. فالاثنان يشتركان في فهم تعدد الأفكار والانسجام الثقافي من أجل السلام العالمي، فضلاً عن الحاجة إلى مكافحة التطرف والراديكالية والإرهاب.

وظلت الهند تتحدث ضد الأيديولوجيات المتطرفة والإرهاب منذ فترة طويلة، وقد أكّد رئيس الوزراء مودي، في مناسبات عديدة، على الحاجة إلى حرب عالمية ضد الإرهاب. وقد عمل مودي على تعزيز نظام المعرفة والممارسات التقليدية في الهند، مثل اليوغا وأيوش، والأفكار، مثل فاسوديفا كوتومباكام (العالم أسرة واحدة)، نحو حياة مستدامة ومتناغمة مع الكائنات الأخرى والطبيعة.

ويقوم ولي العهد محمد بن سلمان بدور فعال في تسريع عملية الانفتاح الثقافي في المملكة العربية السعودية من خلال إصلاحاته الرائدة. ومن خلال اتخاذ تدابير تهدف إلى زيادة المشاركة العامة للمرأة، والحد من القيود المفروضة على الأقليات والمغتربين، وتوسيع مساحة الأنشطة الترفيهية والسياحية، والابتعاد عن التفسير الصارم والمتشدد للإسلام في الحياة العامة، أحدث ولي العهد تغييرًا ثوريًا في الحياة العامة بالسعودية. ونتيجة لذلك، تم تعزيز نطاق التعاون الثقافي بين الهند والسعودية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

ومن أهم جوانب الروابط الثقافية الإسلام. وتعد الهند من الدول التي تحتوي على أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، والمملكة العربية السعودية هي مركز العقيدة الإسلامية باعتبارها المكان الذي تأسس فيه الإسلام والتي تضم أقدس موقعَين في الإسلام -الكعبة في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة. فإن الإسلام تاريخيًا مصدر رئيس للاتصالات الثقافية بين شبه الجزيرة العربية والهند، وخاصة في المناطق الساحلية الجنوبية. وبينما يستمر الإسلام في القيام بدور مهم في التقريب بين البلدين، حيث يظل المواطنون الهنود واحدًا من أكبر الفرق التي تؤدي مناسك الحج السنوي والعمرة على مدار العام، فإن الروابط الثقافية تتجاوز أمور العقيدة.

ولقد أسرت الممارسة الهندية التقليدية لليوغا مخيلة العالم لقدرتها على دمج التأمل والتمارين الرياضية، وهو أمر مفيد للصحة العقلية والجسدية للأفراد. وقد أصبحت اليوغا ذات شعبية كبيرة في العديد من الدول العربية الإسلامية، وخاصة في المملكة العربية السعودية.

والدكتورة نوف المروعي، التي تعرفت على اليوغا خلال أيام دراستها، هي رائدة في هذه الممارسة باعتبارها تمرينًا رياضيًا تأمليًا شائعًا في المملكة، وخاصة بين النساء. وهي مؤسِّسة اللجنة العربية لليوغا في المملكة وكان لها دور فعال في اقتراح إدخال هذه الممارسة كجزء من المناهج الرياضية في المدارس السعودية في عام 2017م. وحازت الدكتورة المروعي على رابع أعلى جائزة مدنية في الهند –بادما شري– في عام 2018م لمساهمتها في نشر اليوغا في المملكة العربية السعودية والعالم العربي. وتأسست اللجنة السعودية لليوغا في عام 2021م برئاسة المروعي، والتي أعلنت في مارس 2022م أنه سيتم إدخال اليوغا في المناهج الجامعية أيضًا.

وتعمل صناعة السينما الناشئة في المملكة العربية السعودية على تطوير علاقاتها مع صناعة السينما الهندية في مومباي، المعروفة باسم بوليوود. وفي أبريل 2022م، زار وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله الهندَ والتقى بالعديد من صانعي الأفلام والممثلين والمنتجين الهنود البارزين لاستكشاف إمكانيات التعاون بين بوليوود وصناعة السينما السعودية. وبما أن المملكة العربية السعودية سمحت بفتح المسارح وقاعات السينما للعرض العام، فقد قام العديد من الموزعين وسلاسل المسارح من الهند، مثل PVR، بافتتاح دور السينما في المملكة من خلال مشاريع مشتركة مع نظرائهم السعوديين والخليجيين.

واجتذب مهرجان البحر الأحمر السينمائي السنوي في جدة فنانين ومخرجين مشهورين من الهند للمشاركة وعرض أفلامهم لأول مرة. وعلى مر السنين، شارك في المهرجان العديد من النجوم الهنود، بمن فيهم شاروخ خان وأكشاي كومار وسلمان خان ورانفير سينغ وعالية بهات. ومع نمو صناعة السينما والترفيه بالسعودية، اتسع نطاق التعاون الفني والتجاري أيضًا.

وبرزت المملكة العربية السعودية أيضًا كموقع لتصوير الأفلام الدولية لهوليوود وبوليوود، حيث تعمل المملكة على جذب المواهب العالمية المشهورة لزيارة واستكشاف المناطق الطبيعية الجميلة والمرافق الحديثة في المملكة. وترتبط المملكة العربية السعودية والهند بعلاقات طويلة في المجال الثقافي، ومن بين أهل التراث السعودي، يبرز اسم إبراهيم القاضي لأنه ساهم في تأسيس وتطوير فن وصناعة المسرح في الهند.

واتخذت الحكومتان السعودية والهندية العديد من المبادرات لتعزيز التعاون الثقافي من خلال مشاركة المجموعات والأفراد الهنود والسعوديين في المهرجانات الفنية والأدبية والمعارض الفنية ومعارض الكتب.

وفي عام 2018م، كانت الهند "ضيف شرف" في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في المملكة العربية السعودية، المعروف باسم مهرجان الجنادرية. وينضم العديد من العارضين والمصنعين والناشرين السعوديين إلى معارض التجارة والكتب والحرف اليدوية التي يتم تنظيمها في جميع أنحاء الهند، بما في ذلك معرض دلهي الدولي للكتاب، ومعرض الهند التجاري الدولي، ومهرجان سوراجكوند الدولي للحرف اليدوية.

اقرأ أيضًا: لياقت آفاقي: بعثة الحج تعكس الصورة العلمانية الجميلة للهند

وحتى في مجال الرياضة، شهد التعاون بين الهند والمملكة العربية السعودية تحسنًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. وفي عام 2023م، كانت أرامكو السعودية أحد رعاة الدوري الهندي الممتاز للكريكيت. وساهمت السفارة والقنصليات الهندية في جدة ومدن أخرى بالمملكة في تعزيز أشكال الرقص والموسيقى الهندية الكلاسيكية والثقافة الشعبية من خلال تنظيم مهرجانات ثقافية في المملكة بالتعاون مع أفراد الجالية الهندية.

اقرأ أيضًا: الشراكة الاستراتيجية بين الهند والسعودية

ويتجاوز الاتصال الثقافي حدود الأنشطة المنظمة. ويأتي العديد من السياح والمسافرين السعوديين إلى مدن وولايات مختلفة في الهند، وخاصة ولاية كيرالا، من أجل السياحة الترفيهية والصحية. كما وقّع البلدان اتفاقيات ومذكرات تفاهم لتعزيز التعاون التعليمي والعلمي، ويبدو مستقبل التعاون الثقافي بين الهند والسعودية أكثر إشراقًا من أي وقت مضى.

اقرأ أيضًا: مسؤول هندي يختتم زيارته إلى السعودية بهدف تعزيز الشراكة

وفي وقت تعمل فيه الهند والمملكة العربية السعودية على تعزيز علاقاتهما الثنائية من خلال التعاون السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والتجاري والاستراتيجي والأمني، غالبا ما يترك المرء الروابط التاريخية والثقافية والحضارية المشتركة بين البلدين، والتي مهّدت الطريق لتعاون ثقافي مزدهر في السنوات الأخيرة. وفي الواقع، تم تعزيز تقدير الثقافة الهندية والسعودية بشكل ملحوظ في البلدين المعنيين، وقد برز هذا كإحدى ركائز تعزيز العلاقات الثنائية.

د. محمد مدثر قمر هو أستاذ مشارك في مركز دراسات غرب آسيا، بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي