ولاية آسام وثقافتها المتنوعة

Story by  Prof. Rizwanur Rahman | Posted by  M Alam | Date 13-09-2024
ولاية آسام وثقافتها المتنوعة
ولاية آسام وثقافتها المتنوعة

 

أ.د. رضوان الرحمن

آسام هي إحدى ولايات الهند الواقعة في المنطقة الشمالية الشرقية. وهي تشتهر بثقافتها المتنوعة وتحفها اليدوية الفريدة وفنونها الجميلة مثل الموسيقى والرقص والأغنية كما يطير صيت الولاية في الهند وخارجها لأمطارها الغزيرة وأراضيها الخصبة وغاباتها مترامية الأطراف ووحوشها مثل الكركدن والنمر وطيورها الجميلة المتواجدة في محمياتها المختلفة.

تقع آسام جنوب جبال الهيمالايا الشرقية، وتتكون من وادي نهر براهمابوترا ونهر باراك بالإضافة إلى جبال كاربي أنجلونج وتلال كاشار الشمالية. وتحيط بآسام ست من الولايات السبع الشقيقة الأخرى. وترتبط آسام جغرافيًا ببقية الهند عبر شريط ضيق من الأرض في غرب البنغال المعروف بممر سيليجوري أو "رقبة الدجاجة". وتشترك آسام في حدود دولية مع بوتان وبنغلاديش كما تشترك في ثقافاتها وشعوبها ومناخها إلى حد كبير مع بلدان جنوب شرق آسيا.

وتعد ولاية آسام غنية بالثقافة والجماعات العرقية واللغات واللهجات والأدب. وهي معروفة للشاي والنفط والحرير وتنوعها البيولوجي الغني. وتشتهر هذه الولاية بوجود لكركدن والخنزير القزم والنمر والعديد من أنواع الطيور والفيل الآسيوي. وأصبحت الآن أشهر الوجهات لسياحة الحياة البرية. كما أن محميتي كازيرانجا وماناس كلتاهما من مواقع التراث العالمي. كانت ولا تزال آسام تعرف أيضًا بغابات أشجار السال ومنتجات شعبية من الغابات. وتتمتع آسام بمساحات خضراء ونهر براهمابوترا العظيم، الذي توفر روافده وبحيراته للمنطقة بيئة مائية من نوعها.

ثقافة ولاية آسام

تعتبر ولاية آسام أرض التقاء الثقافات المتنوعة. ويشكل شعب ولاية آسام الساحرة مزيجًا من مختلف الأعراق مثل المنغوليين والهنود والبورميين والآريين. فالثقافة الآسامية هي نسيج غني من كل هذه الأعراق التي تطورت من خلال عملية استيعاب طويلة. ويُعرف سكان ولاية آسام باسم "آسوميا"  أو  "أهوميا" (الآسامية)، وهي أيضًا لغة ولاية آسام. وتضم الولاية عددًا كبيرًا من القبائل، وكل منها فريدة في تقاليدها وثقافتها وملابسها وأسلوب حياتها.

وتطورت الثقافة الآسامية نتيجة دمج المجموعات العرقية الثقافية في الأيام الغابرة. ولذلك، نجد فيها عناصر محلية وأيضًا تلك العناصر التي لها أصول في شمال الهند. والحركة الدينية المعروفة بحركة فايشناف التي جرت في قيادة سريمانتا شانكارديفا لها إسهامات في بناء الثقافة وأيضًا في التغييرات الثقافية. ولقد أدخلت حركة فايشناف في القرن الخامس عشر بعدًا آخر إلى الثقافة الآسامية. وحدث تحول هندوسي متجدد في أشكال محلية، والذي حظي في البداية بدعم كبير من قبل مملكتي كوتش وآهوم. وأصبحت المؤسسات الاجتماعية مثل نامغار وساترا جزءًا من حياة الآساميين. كما ساهمت الحركة بشكل كبير في إنتاج وإثراء اللغة والأدب والمسرحية والفنون. ونلاحظ أن حركة فايشناف حاولت في كثير من الأحيان، حسب آراء الخبراء، إدخال سمات ثقافية غريبة وتعديل أسلوب حياة عامة الناس. فضعفت لغة براجافالي، وهي لغة تم إنشاؤها خصيصًا من خلال إدخال كلمات من لغات هندية أخرى وتلاشت، ولكنها تركت آثارها على اللغة الآسامية. وعلاوة على ذلك، تم أيضًا إدخال قواعد غريبة وتم التغيير في عادات الناس الغذائية وجوانب أخرى من الحياة الثقافية.

وتتعايش قبائل متنوعة مثل بودو وكاتشاري وكاربي وميري وميشيمي ورابها وغيرها من القبائل في ولاية آسام. ومعظم القبائل لها لغاتها الخاصة على الرغم من أن الآسامية هي اللغة الرئيسة في الولاية. وأغلبية الآساميين يتبعون الديانة الهندوسية التي تميل إلى حركة فايشناف. ويمارس السكان أيضًا ديانات أخرى مثل الإسلام والبوذية والمسيحية والهندوسية. والمسلمون لهم وجود كبير في هذه الولاية وعددهم يزيد عن خمسة عشر مليون نسمة. وجزء منهم من الأصل الآسامي والجزء الآخر من الأصل البنغالي. فلهم لغتهم وتقاليدهم المحلية الخاصة.

وتتميز الثقافة الحديثة بتقاليدها الغنية، وهي أيضًا تتأثر بشكل كبير بالأحداث والوقائع التي وقعت في العصر البريطاني وفترات ما بعد الاستقلال. وقد قام المبشرون الأمريكيون مثل ناثان براون ومايلز برونسون والخبراء المحليون ومنهم هيمشاندرا باروا بتوحيد اللغة في منطقة سيبساجار. وتم تبني اللغة السنسكريتية بشكل متزايد لتطوير اللغة والقواعد النحوية الآسامية. كما ظهرت موجة جديدة من التأثير الغربي والشمالي الهندي في الفنون المسرحية والأدب.

ولقد أدت الجهود المتزايدة لتوحيد المعايير في القرن العشرين إلى إبعاد الأشكال الثقافية المحلية الموجودة في مختلف المناطق ودمج المجموعات العرقية الثقافية الأقل استيعابًا. ومع ذلك، فإن الثقافة الآسامية في شكلها وطبيعتها المتنوعة من أغنى الثقافات الهندية، ولا تزال في مسار نموها وتطورها. وتجدر الإشارة إلى العديد من الثقافات الأصلية التي لا تزال آثارها باقية ومنها ثقافات الأقليات القبلية مثل بودو أو كاربي أو ميشينج. والآن يتم التركيز على الحفاظ على مثل هذه الثقافات الفرعية لثقافة آسام وتطويرها. وبعض السمات الثقافية المشتركة والفريدة في ولاية آسام هي احترام كبار السن والأجداد واستهلاك جوز الفوفل وأوراق التنبول وارتداء ملابس الحرير التقليدية مثل ميكيلا تشادور (الزي التقليدي لنساء آسام).

المهرجانات في ولاية آسام

توجد مهرجانات تقليدية مهمة ومتنوعة في ولاية آسام. بيهو هو أهم المهرجانات وأكثرها شيوعًا ويُحتفل به في جميع أنحاء آسام. ويُعتبر أيضًا مفخرة ولاية آسام. وهو احتفال رأس السنة الآسامية الذي يحلّ في أبريل وفقًا للتقويم الميلادي. ودورجا بوجا هو مهرجان آخر يتم الاحتفال به بحماس كبير. ويحتفل المسلمون بعيد الفطر وعيد الأضحى بحماس كبير في جميع أنحاء آسام.

وبيهو هو عبارة عن سلسلة من ثلاثة مهرجانات بارزة. وهو مهرجان غير ديني أصلا يتم الاحتفال به للإشارة إلى المواسم والنقاط المهمة في حياة المزارعين. وبيهو له ثلاثة أنواع؛ النوع الأول هو رونجالي أو بوهاج، يتم الاحتفال به مع قدوم الربيع وبداية موسم البذر في منصف شهر أبريل، والنوع الثاني هو كونغالي أو كاتي يتم الاحتفال به في منتصف شهر أكتوبر عندما يكون الزرع في الحقول، والنوع الثالث هو بوجالي أو ماغ، وهو عيد الشكر عندما يتم حصاد المحاصيل في منتصف شهر يناير. وأغاني ورقصات بيهو مرتبطة برونجالي بيهو. واليوم قبل كل أنواع احتفال بيهو يُعرف باسم "أورووكا". واليوم الأول من "رونجالي بيهو" يسمى "جورو بيهو" أي بيهو البقر، حيث يتم نقل الأبقار إلى الأنهار أو البرك القريبة لاستحمامها بعناية. وفي الآونة الأخيرة، تغير شكل وطبيعة الاحتفال مع تنمية المناطق الحضرية.

وبايساجو هو أحد المهرجانات الموسمية الشعبية في بودوس. وهو يشير إلى بداية العام الجديد. بايساجو هي كلمة لغة بورو التي تكونت من كلمة "بايسا" أي العام أو العمر، و"أجو" معناها البداية. "بوشو ديما" أو "بوشو" فقط هو مهرجان حصاد رئيس لقبيلة ديماسا. ويتم الاحتفال بهذا المهرجان في نهاية شهر يناير. ويحتفل شعب ديماسا بهذا المهرجان ويستخدمون فيه آلات موسيقية ومنها كهرام (نوع من الطبول) وموري (نوع من المزامير الطويلة). ويرقص الناس على موسيقى وأنغام مختلفة تسمى "موريثاي" ولكل رقصة اسمها، وأبرزها "بايديما". وهناك ثلاثة أنواع من "بوشو" تحتفل بها قبيلة ديماسا وهي جيداب وسوريم وهانجسو. وعلاوة على ذلك، هناك مهرجانات تقليدية مهمة أخرى يتم الاحتفال بها كل عام في مختلف المناسبات في مختلف الأماكن. ويتم الاحتفال بالعديد من هذه المهرجانات من قبل مجموعات عرقية ثقافية مختلفة.

الحرف اليدوية والطعام

تتميز ولاية آسام بفنونها وحرفها في هذه المنطقة. وسكان آسام هم حرفيون بشكل طبيعي. وتوجد عندهم أنواع مختلفة من التحف اليدوية بالخشب والمعدن والمجوهرات التي تجعلها منفردة من الثقافات الأخرى في الهند. والمنتجات من الحرير والخيزران والقصب من آسام تعتبر من المنتجات المتميزة في جميع أنحاء الهند. وأنجبت هذه المنطقة آلافا من الحرفيين المهرة الذين احتفظوا بالتقاليد الثقافية الغنية للولاية على مر القرون. ويتمتع سكان ولاية آسام بمهارة خاصة في الصياغة. وهناك العديد من الصناعات المنزلية الصغيرة ومعظم الناس منخرطون في أنواع مختلفة من مثل هذه الصناعة.

ويعد الطعام جزءًا مهمًا للغاية من ثقافة أي ولاية. وتفتخر ولاية آسام بامتلاك طعامها الفريد. وطعام آسام بسيط ولكنه ذو مذاق فريد. ومعظم سكان آسام يتناول الأكلات غير النباتية وبالتالي، تشكل الأسماك واللحوم جزءًا لا يتجزأ من المطبخ الآسامي. كما يحب الناس الطعام المسلوق والأقل زيتًا وتوابلًا.

وتعد ولاية آسام من المناطق التي تتميز بثقافتها المنفردة التي تظهر من خلال مختلف أشكال الفنون الجميلة. ولكل هذه الأشكال آثار في ثقافات الولايات الست المجاورة أيضًا. وعاش فيها عدد كبير من العمالقة الذين اشتهروا في مجالات الموسيقى والأدب والفنون وذاعت صيتهم عبر حدود الهند. وأهم شيء تتميز به آسام هو إسهامها في إنتاج العطور والتعايش السلمي رغم تباين الديانات والثقافات واللغات.

أ.د. رضوان الرحمن هو أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي