أ. د. رضوان الرحمن
الحج ركن من أركان الدين الإسلامي الأساسية، والقيام بالحج هدف يسعى إليه كل مؤمن طيلة حياته، فزيارة الأرض المقدسة بركة ونعمة تبعث في نفوس المؤمنين راحة كبيرة لإتمامهم أهم الفرائض الدينية. أمر الله سبحانه وتعالى بأداء فريضة الحج لكل مسلم يستطيع ذلك. ويجتمع في أيام الحج آلاف من الحجاج في مكة المكرمة من جميع أنحاء العالم لأداء هذه الفريضة رغم وجود أنواع المشاكل خلال السفر والسكن. ويزور بيت الله الحرام آلاف من الحجاج الهنود أيضًا كل سنة رغم صعوبات السفر والتكلفة المادية الهائلة، وتبذل أجهزة الحكومة الهندية قصارى جهدها لسلامتهم وراحتهم خلال السفر حتى عودتهم إلى البلاد. كما توفر الحكومة تسهيلات لازمة من السكن إلى التنقل والخدمات الصحية خلال إقامتهم في المملكة العربية السعودية.
أهمية الحج
حج بيت الله الحرام ركن من أركان الإسلام لقوله تعالى "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"، وقوله صلى الله عليه وسلم : "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا". وقد فرض الحج في السنة التاسعة للهجرة. فمن الضروري أن يقوم المسلمون بأداء مناسك الحج مرة واحدة على الأقل في حياتهم إذا استطاع ماديًا وصحيًا.
ويزور كل عام حوالي مليونَي مسلم الكعبة المشرفة لأداء فريضة الحج، وهو حدث يستمر لخمسة أيام ويقام في شهر ذي الحجة أي الشهر الإسلامي الأخير. ويُمنع الحجاج ارتكاب أي نوع من الخطيئة في حالة الإحرام. وهو يشمل العنف والنشاط الجنسي وحتى تقليم أظافرهم أو قص شعرهم. ويُنصح المسلمون بتبني سلوك هادئ طوال فترة الحج. وحسب الأحكام الإسلامية، الحج يغسل كلّ ذنوب الحاج وينقّي روحه ويبني شخصيته ويفتح باب الجنة أمامه. وبعد إتمام شعائر الحج يزور الحجاج المدينة المنورة ويصلّون في الحرم النبوي عدة أيام قبل عودتهم إلى بلادهم.
ووفقًا للهيئة العامة للإحصاء بالسعودية، بلغ إجمالي عدد الحجاج من داخل وخارج المملكة العربية السعودية1,845,045 حاجًا في عام 2023م، حيث بلغت نسبة الحجاج من الخارج 90 % من إجمالي الحجاج بعدد 1,660,915حاجًا، قدموا عبر المنافذ المختلفة، بينما بلغت نسبة حجاج الداخل 10 % وبعدد 184,130حاجًا.
رحلات الحج في التاريخ
حسب التاريخ بدأ الحج منذ زمن النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويستمر حتّى يومنا هذا، حيث يؤدي الآلاف من المسلمين فريضة الحج سنويًا. وتشير الكتب الدينية إلى أن الحج بدأ خلال فترة النبي إبراهيم عليه السلام بناء على أمر الله تعالى، وهو الذي بنى الكعبة التي أصبحت فيما بعد وجهة الحج وقبلة المسلمين. وبالنسبة لأغلبية العرب ما قبل الإسلام أيضًا، كانت الكعبة مركزًا للعبادة. ولكن النمط الحالي للحج أنشأه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حوالي عام 632م بعد أن جرت إصلاحات على الحج. وفي العصور الوسطى، كان يجتمع الحجاج في المدن الكبيرة مثل البصرة ودمشق والقاهرة للذهاب إلى مكة المكرمة في مجموعات وقوافل تضمّ عشرات الآلاف من الحجاج. وكان يتولى الحكّام المسلمون مسؤولية الحجّ، ويتيحون رعاية الدولة لتنظيم مثل هذه القوافل الحجّية. ولتيسير رحلة الحجّ، تم بناء طريق طوله 900 ميل يمتدّ من العراق إلى مكة والمدينة المنوّرة. ويشير المؤرخون إلى أنه تم بناء الطريق خلال أيام الخليفة العباسي أبي عبد الله محمد المهدي. كما تم إنشاء المرافق على طول الطريق ووُضعت صهاريج المياه وشُيّدت منازل للحجاج على فترات منتظمة.
والمكتبات العالمية حافلة بالمعلومات عن الحج في القرون الوسطى ومن أهمّها سجلّ تجارب ومشاهدات الأعلام مثل ناصر خسرو وابن جبير وابن بطوطة، الذين قاموا بأداء فريضة الحج. وأدّى ناصر خسرو القبادياني المروزي من مواليد بلخ الإيرانية مناسك الحج في عام 1050م. وابن جبير الأندلسي وصل للحج إلى مكة المكرمة في عام 1184م. وابن بطوطة غادر منزله في عام 1325م وأدّى الحج في العام التالي. وبعد سقوط بغداد في عام 1258م، أصبحت دمشق والقاهرة نقطتي التجمع الرئيستين للحجاج. في حين انضم حجّاج من سوريا والعراق وإيران وتركيا إلى قافلة دمشق، وانضمّ الحجّاج من شمال أفريقيا ومناطق الصحراء الكبرى إلى قافلة القاهرة.
ومن المعروف أن الحج إلى مكّة المكرّمة كان رحلة برّية أساسا باستخدام الجمال كوسيلة للنقل، غير أن العديد من الحجاج من المغرب العربي وشبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا اُضطروا طوال التاريخ إلى استخدام طرق بحرية مختلفة للوصول إلى الحجاز. وكان يسافر الحجّاج من المغرب العربي عبر الساحل السفلي للبحر الأبيض المتوسط للوصول إلى قوافل القاهرة والانضمام إليها. وكان بعض الحجّاج القادمين من أفريقيا يعبرون البحر الأحمر للوصول إلى الحجاز ثمّ إلى مكة المكرّمة.
والقيام بالحجّ كان مجّانا إلى حدّ كبير ولكن وفقًا لابن جبير، خلال الخلافة الفاطمية، فُرضت الضرائب على الحجّاج من قبل حكّام الحجاز بمعدّل سبعة ونصف دينار لكل رأس. وكان أولئك الذين لم يتمكّنوا من دفع الضرائب يتعرّضون للتعذيب. وفُرضت مثل هذه الضرائب رغم كونها غير شرعي من قبل الفقهاء الإسلاميين. ولكن بعد أن أطاح صلاح الدين بالخلافة الفاطميّة في عام 1171م، بذل محاولات إلغاء الضرائب المفروضة على الحجّاج، غير أنّ تدابير صلاح الدين ثبتت ناجحة جزئيّا فقط لأنّه بقيت أنواع أخرى من الضرائب مثل الضرائب على قوافل الحجّ أو الإبل لأنه لم يكن تنفيذ القرارات الإدارية المتخذة في دمشق أو القاهرة سهلا في الحجاز بسبب المسافات الطويلة. كما فرض بعض السلاطين المملوكين ضرائب على قوافل الحجّ عن طريق طلب مبلغ ثابت من المال من الحكّام في مكّة المكرّمة. ويذكر العلامة السيوطي أنّه في عام 994م لم يتمكّن الحجّاج من العراق وسوريا واليمن من أداء فريضة الحجّ لأنّهم لم يتمكّنوا من دفع الضرائب.
وفي الزمن الغابر، كانت رحلة الحجّ إلى مكّة المكرّمة قد وفّرت لكثير من الحجّاج والتجّار المحترفين فرصة للقيام بأنشطة تجارية مختلفة سواء في الطريق إلى مكّة المكرّمة أو في مكّة المكرّمة ودمشق والقاهرة، لأن إعفاء الجمارك في المنطقة والأمن المضمون لقوافل الحجّ جعلها مجالا مربحا للتداول. وجلب العديد من الحجّاج بضائع منتجة في أراضيهم لبيعها، وبالتالي أصبح بعض منهم تجّارا في فترة من الزمن. ووفقا للرحّالة السويسري، ليوهان لودفيك بركهارت، الذي سافر إلى المملكة في بداية القرن التاسع عشر ومكث بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، جلب الأفغان الشالات والخرز من الحجر وفرشاة الأسنان. كما جلب الأتراك الأحذية والنعال والقماش من الحرير وأصناف القماش المطرزة والحلويات والشالات والسجاد، وجلب حجاج المغرب العربي عباءة مصنوعة من الصوف. وقام رجال الأعمال المحترفون بمثل هذه الأنشطة واسعة النطاق التي شملت نقل البضائع بين مكة المكرمة وبلادهم وأيضًا مبيعاتها في طريق الحج. وفي تلك الأيام تمّ شراء البضائع الهندية وغيرها من السلع الشرقية، التي جلبتها سفن تجّار كبار إلى مكّة المكرّمة من القاهرة ودمشق، الذين باعوها عند عودتهم في مختلف الأسواق. وشملت هذه السلع عمومًا المنسوجات الهندية والتوابل المختلفة والقهوة والأدوية والعقاقير والأحجار الكريمة.
رحلة الحج الحالية من الهند
في الزمن الحالي، يتوجه الحجّاج إلى المكّة المكرّمة برّا وبحرا وجوّا ولكن أغلبية الحجاج من الدول البعيدة يسافرون إلى مكّة المكرمة لأداء مناسك الحج بالطائرة. وحتّى عام 1995م، قام الحجّاج الهنود برحلاتهم بحرًا وجوًّا كليهما، ولكنّ الآن لا يذهبون إلا جوّا. وعددُ الحجاج الهنود في عام 1995م كان حوالى ثلاثين ألفا، ولكن بسبب زيادة عدد الحجاج الهنود دخلت حكومةُ الهند في عدة اتفاقيات مع المملكة العربية السعودية في السنوات الماضية.
وبلغ إجمالي عدد الحجاج 175 ألفًا في عام 2023م، وفقًا للاتفاقية الثنائية بين البلدين.وتم توقيع اتفاقية ثنائية بين الهند والمملكة العربية السعودية في يناير الماضي، خلال زيارة قامت بها وزيرة الأقليات الهندية سمريتي إيراني، ووزير الدولة للشؤون الخارجية الهندي في. موراليدهاران إلى السعودية؛ حيث التقيا بوزير الحج والعمرة السعودي الدكتور توفيق الربيعة. وبموجب الاتفاقية، تم تخصيص حصة للهند، تبلغ 1,75,025 حاجا لأداء فريضة الحج السنوية خلال العام الجاري.
توقيع الاتفاقية الثنائية بين الهند والمملكة العربية السعودية في يناير الماضي
التسهيلات الحكومية للحجاج الهنود
في أغلبية الدول، يستخدم الحجّاج خدمات مكاتب السفريات التي تقدّم خدمات الحجّ والعمرة ولكن، في الهند، تقدّم وزارة الحجّ خدمات السفر لثمانين بالمئة من الحجّاج وسكنهم في المكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وسلامتهم وتنقّلهم خلال أيّام الحجّ ورعايتهم الصحية عن طريق لجنة الحجّ الذي يرأسه مسؤول حكومي كبير ينسّق مع مختلف السلطات الهندية والسعودية باستمرار. ويذهب معهم وفد كبير من الأطبّاء ورجال الأمن والمتطوّعين من الهند ولا يعودون إلى البلاد إلا بعد عودة الحجاج.
وبموجب الاتفاقية، تم تخصيص 1,40,020 مقعدا للحجاج للسفر عبر لجنة الحج الهندية، فيما سيتمكن 35,005 حجاج من السفر عبر شركات خاصة، حسبما ذكرت وزارة شؤون الأقليات في بيان صحفي رسمي.
اقرأ أيضًا: السفير الهندي لدى السعودية يقوم بجولة تفقدية لترتيبات الحج للهنود في مكة المكرمة
فالحكومة الهندية تواصل اتخاذ عديد من المبادرات الجديدة بهدف جعل رحلة الحج أكثر راحة وملاءمة وبأسعار معقولة للحجاج الهنود.ويقوم السفير الهندي لدى المملكة العربية السعودية وفريقه من مسؤولي بعثة الحج الهندية، إلى جانب استقبال الحجاج الهنود القادمين من مختلف ولايات البلاد، باستعراض ترتيبات الإقامة والتنقل بشكل مستمر للحجاج الهنود. كما يتم إنشاء المراكز الطبية/المستوصفات في المملكة العربية السعودية للحجاج الهنود خلال فترة الحج. ولقد سهلت الحكومة أيضًا تمكين المرأة من خلال السماح للنساء بأداء فريضة الحج دون محرم. وقامت 4314 امرأة وحيدة (دون محرم) بأداء فريضة الحج عام 2023م. وفي السنة الحالية، تم تخصيص 500 مقعد لامرأة دون محرم، وفقا لما ورد في إعلان رسمي صادر عن لجنة الحج الهندية.
فالحجّ له أهميّة دينيّة واجتماعيّة في كلّ العالم. وفوائد الحجّ لا تقتصر على الفرد فحسب، بل تمتدّ إلى المجتمع بشكل عامّ، حيث يساهم في بناء العلاقات الاجتماعية بين المسلمين من جميع أنحاء العالم. ويقوم المسلمون خلال الحجّ بالتفاعل والتواصل مع بعضهم البعض والتعرف على ثقافاتهم وتقاليدهم، مما يؤدي إلى تعزيز روح الأخوة والتعاون بين المسلمين. وحسب التقاليد الإسلامية، من الذي حجّ بيت الله زالت مساويه وأصبح كفرد وُلد من جديد.