أمارناث ياترا وأهميتها الدينية والاجتماعية

Story by  Prof. Rizwanur Rahman | Posted by  M Alam | Date 07-08-2024
أمارناث ياترا وأهميتها الدينية والاجتماعية
أمارناث ياترا وأهميتها الدينية والاجتماعية

 

أ.د. رضوان الرحمن

المسيرات والأسفار والرحلات هي من أهم ميزات الديانات الهندية. تتم بعضها في السهول أو حول البحيرات أو في الجبال أو حول الجبال. أمارناث ياترا (Amannath Yatra)أي السفر إلى كهف أو معبد الإله أمارناث (الإله شيفا) في كشمير هو من مثل هذه الرحلات، والآن يشكّل كهف أمارناث أحد أكثر مواقع الزيارة احترامًا وتقديسًا بين الهندوس. وهذا الكهف أيضًا يعتبر أحد أقدس المعابد للإله شيفا. ويقوم الآلاف من الزوار برحلة "أمارناث ياترا"، التي تنظمها هيئة حكومية بمساعدات السلطات المحليةومجالس قرى هذه المنطقة من شهر يونيو إلى أغسطس كل عام. كما يضمن الجيش وأجهزة الأمن سلامة الزوّار الذين يتوجهون إليها في آلاف من الرجال والنساء. ولا يمكن إكمال هذه الرحلة المقدسة إلى الكهف إلا بمساعدة السكان المسلمين الذين يعيشون في هذه المنطقة. كما تتيح لهم هذه الرحلة فرصة لكسب الرزق خلال مدة هذه الرحلة أو المسيرة.  

     

تاريخ أمارناث ياترا

يقع كهف أمارناث على ارتفاع 3888 مترًا في منطقة جامو وكشمير، وهو يعتبر أحد أقدس المعابد للإله شيفا. وحسب الأسطورة الهندوسية، اختار الإله بهولي شانكار أي الإله شيفا هذ الكهف لسرد أسرار الخلود وخلق الكون للإهة بارفاتي (Parvati). وتم اختيار هذا المكان المنعزل لكي لا يسمعها أحد من الإنس والحيوانات والطيور والحشرات. فقبل ذهابه إلى الكهف ترك مركبه المعروف بناندي (Nandi) وهو ثور في مكان يعرف بباهالغام (Pahalgam) وأطلق القمر من شعره الطويل في تشاندانواري (Chandanwari) كما أطلق الثعابين المعلقة بعنقه على شاطئ بحيرة شيشناغ (Sheshnag) وترك ابنه غانيش (Ganesh) على جبل ماهاغون (Mahagunas) ونهائيًا خلع خمسة عناصر وهي الأرض والماء والهواء والنار والسماء بمكان نعرفه الآن ببنجتارني (Panchtarni). وحسب الأسطورة الهندوسية الإنسان متكون من هذه العناصر الخمسة والإله شيفا يسيطر عليها. وبعد ترك كل الأشياء الدنيوية، دخل بهولي شانكار أي الإله شيفا كهف أمارناث المقدس برفقة بارفاتي.وجلسالإله شيفا قرفصاء على جلد الغزال وبدأ يتأمل. ولضمان عدم تمكن أي كائن حي من سماع الحكاية الخالدة، خلق رودرا (Rudra)   أي أغني (Agni) وأمره بنشر النار للقضاء على كل كائن حي في الكهف المقدس وما حوله. وبعد ذلك بدأ يروي أسرار الخلود لبارفاتي. ولكن بالصدفة، ظلت بيضة واحدة كانت ملقاة تحت جلد الغزال محمية. وأيضًا يُعتقد بأنها لم تكن حية. فأصبح زوج الحمام الذي خرج من هذه البيضة خالدًا بعد أن استمع إلى سر الخلود المعروف بأمار كاثا (Amar Katha). وقد ذكر العديد من الزوّار أنهم رأوا زوج الحمام في طريقهم إلى الكهف لعبادة القضيب من الجليد أي آيس لينغام (Ice Lingam) وهو الرمز القضيبي للإله شيفا.

الكهف و"آيس لينغام" الذي يظهر في الشكل الجليدي في هذا الزمان بقيا مختفيين من أنظار عامة الناس لقرون عديدة حتى تم اكتشافهما من قبل الشخص من قبيلة الرعاة الكشميرية، بوتا ملك في عام 1850م. وتقول القصة إن أحد القديسين أعطى بوتا مالك كيسًا ممتلئًا بالفحم. وفتحه لدى وصوله إلى منزله، فلمفاجأته الشديدة وجد الحقيبة مليئة بالعملات الذهبية التي جعلته مسحورًا. فركض خارج البيت ليشكر القديس. ولكن لم يجده لأنه كان القديس قد اختفى. وبدلاً من ذلك، وجد الكهف المقدس وشيفا لينغام في ذلك المكان. ومنذ ذلك الحين أصبح هذا المكان مقدسًا للزيارة التي تستمر 52يومًا كل عام. وبما أن الفضل لكشف الكهف يرجع إلى راع مسلم فيخدم المعبد كل من الهندوس والمسلمين وأيضًا جزء من عائداته يصل إلى عائلة بوتا ملك. 

اقرأ أيضًا: الهند: كانوار ياترا وأهميته الدينية عند الهندوس

ويجذب "أمارناث ياترا" مئات الآلاف من المعتقدين كل عام من الهند وخارجها، حيث يزورون الموقع خلال مهرجان "شرافاني ميلا" الذي ينعقد في شهري يوليو وأغسطس (شهر شرافان في التقويم الهندي). وهو الوقت الوحيد في العام الذي يمكن فيه الوصول إلى كهف "أمارناث". ولكن قبل بداية الرحلة يلزم لجميع المشاركين تسجيلهم عبر المواقع الرسمية أو من خلال المكتب الحكومي المحدد لتسجيل هذه الرحلة.

مسارات أمارناث ياترا

توجد عدد من المسارات للوصول إلى الكهف المقدس. الأول هو الطريق الشمالي الذي يبلغ طوله أربعة عشر كيلومترا وهو أقصر المسارات. ولكنه شديد الانحدار وصعب التسلق. ويبدأ هذا المسار من مكان يسمى ببالتال (Baltal). ويمر الطريق الأطول والأسهل والأكثر تقليدية إلى الكهف من خلال مدينة سريناغار. ويبدأ المعتقدون طريق أمارناث ياترا من سريناغار أو باهالغام سيرًا على الأقدام ويسلكون أحد الطريقين. مسار الرحلة الأقصر الذي يبدأ من بالتال ويمرّ بدوميال وباراري وسانجام وهو أكثر انحدارا ولكن تسمح للمسافرين بالذهاب والعودة في غضون يوم أو يومين. لذلك لا يُسمح للخيول الصغيرة بالسير على هذا الطريق لأسباب تتعلق بالسلامة. ويجب على المرء إما المشي أو أن يُحمل على مقعد فوق أكتاف آخرين. ويُعتبر طريق أمارناث ياترا هذا أكثر ملاءمة للعودة من الكهف رغم أن الانحدار الشديد يخلق مشاكل صحية خطيرة بين الزوار غير المتأقلمين. ويتراوح طول المسار من خلال سريناغار من خمسة وثلاثين إلى خمسين كيلومترا، وعادةً ما يستغرق المسار من ثلاثة إلى خمسة أيام في اتجاه واحد. وقد تم توسيع مسار أمارناث إلى حد كبير ولكن مسار بالتال بقي على حاله بسبب الانحدار الشديد. وتكون المسارات كلها مزدحمة بالمشاة والخيول بسبب كثرة المسافرين. ونظرًا إلى أهمية الرحلة والمشاركة فيها من المسنين والأطفال والمرضى، قد بدأت الحكومة نقل المسافرين بالحوامات أيضًا.

مشاركة المسلمين المحليين في إنجاح  أمارناث يارترا

في منطقة كشمير التي مزقتها الصراعات منذ أعوام ماضية، عزّزت الرحلات إلى كهف أمارناث بيئة التوافق والتناغم بين المسلمين والمعتقدين الهندوس. وخير مثال على هذا التناغم هو اكتشاف كهف أمارناث المقدس في عام 1850م من قبل الراعي المسلم يُدعى بوتا مالك. وبالإضافة إلى الهندوس، يشارك عدد كبير من المسلمين من كشمير وخارجها أيضًا في المسيرة ويقدّمون أنواعًا متعددة من الخدمات إلى المعتقدين. ويفتح المسلمون محلاتهم ومطاعمهم في الطرق للمسافرين وينقلونهم إلى الكهف على خيولهم وأكتافهم. ولا يمكن إنجاز هذه الرحلة المقدسة إلى كهف أمارناث إلا بمساعدة السكان المسلمين لهذه المنطقة. ولا شك فيه أن فترة أمارناث ياترا هي أيضًا تفتح للتجار والعمال المسلمين فرصة نادرة لكسب الرزق وخدمة مئتي ألف زائر هندوس من الهند وخارجها. ورغم محاولات خلق النزاع وبيئة عدم الاستقرار، يستمر الود والإخاء بين الهندوس والمسلمين في هذه المنطقة كما تستمر رحلة أمارناث ياترا دون انقطاع بفضل وجود التفاهم والتعاون بين معتقدي جميع الأديان واهتمام الحكومة بهذا الحدث الثقافي والديني وبذل أجهزة الأمن قصارى جهدها لضمان الأمن والسلام في منطقة المسيرة.

أ.د. رضوان الرحمن هو أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي