إيه. بي. جيه. عبد الكلام: الشخصية الملهمة للمسلمين

Story by  Prof. Ashfaq Ahmad | Posted by  M Alam | Date 27-07-2024
إيه. بي. جيه. عبد الكلام: الشخصية الملهمة للمسلمين
إيه. بي. جيه. عبد الكلام: الشخصية الملهمة للمسلمين

 

أشفاق أحمد

يعد أبو بكر زين العابدين عبد الكلام أحد أعظم الشخصيات التي أنجبتها الهند في العصر الحديث. وهو شخصية أثّرت أعماله العلمية والتكنولوجية والتعليمية في المجتمع الهندي تأثيرًا بالغًا، وألهمت الملايين من الطلبة والباحثين في الهند وخارجها. الطفل الذي وُلد في أسرة مسلمة متوسطة مغمورة، تولى مناصب عالية بمساعيه الكبيرة وإخلاصه وخلقه النادر المثالي. وهذا الرجل العلمي خلّف وراءه إرثًا غنيًا من الإنجازات في مجالات عديدة. ويعتبره كبار الناس رمزًا للإبداع العلمي والحب الوطني والبساطة في الحياة.واشتهر بـ"التكنوقراط الروحي"، وترقيته إلى راشتراباتي بهافان هي شهادة على الإعجاب العالمي للنزاهة التامة. وإن حياته تعد رمزًا لمجد الإخلاص والإيمان والتفاني في قيم الحياة العظيمة.

وُلد عبد الكلام المعروف بـ"رجل الصواريخ" في 15 أكتوبر عام 1931م لأسرة مسلمة فقيرة، في جزيرة رامسوارام بولاية تاميل نادو في الهند. وكان والده "زين العابدين" يملك قاربا يكسب منه معيشته، كما كان مؤذنا في مسجد محلي. وأما أمّه "أشيامّا" فكانت ربة منزل. وعلى الرغم من أوضاع المعيشة الصعبة للأسرة، ظهر عبد الكلام بنبوغه في الدراسة. وأكمل دراسته الثانوية في مدرسة شوارز في راماناثابورام، حيث كان معروفًا بين أقرانه بحبه الشديد للرياضيات والعلوم.

ودرس عبد الكلام الفيزياء بـ"كلية سانت جوزيف" في تيروتشيرابالي عام 1955م. ومن أجل شغفه الشديد بهندسة الطيران، درس في المعهد الهندي للتكنولوجيا- مدراس خلال 1955-1960م ونال منها درجة البكالوريوس في هندسة الطيران.

وبدأت مسيرة عبد الكلام المهنية في منظمة البحث والتطوير الدفاعية(DRDO) حيث شارك في تطوير أول مروحية هندية في عام 1963م بعد عودته من وكالة "ناسا" الأمريكية. وشارك في إطلاق أول صاروخ في الهند في عام 1963م. وانتقل إلى منظمة أبحاث الفضاء الهندية (ISRO)عام 1969م حيث أدّى دورًا محوريًا في تطوير برنامج الفضاء الهندي. وعيّن مديرًا مسؤولاً عن مشروع "روهيني"، الذي أصبح أول قمر اصطناعي هندي أُطلق بنجاح إلى الفضاء. وفي يوليو عام 1980م، تم إطلاق أول مركبة إطلاق أقمار اصطناعية في الهند (SLV3) بنجاح، وبهذا الإطلاق، انضمت الهند إلى الدول المنتخبة التي امتلكت القدرة على إطلاق الأقمار الاصطناعية.

وفي قيادة عبد الكلام تم تطوير العديد من المشاريع الصاروخية الكبيرة، ومنها الصاروخان الهنديان المعروفان بـ"أغني" و"بريثفي" مما جعله يعرف بـ"رجل الصواريخ". وهذه الإنجازات التكنولوجية الكبيرة كانت جزءًا من برنامج الصواريخ الباليستية المتكامل الذي رفع مكانة الهند وعززها كقوة تكنولوجية بارزة في مجال الدفاع في العالم.وكان مسؤولاً إلى حد كبير عن جعل الهند قوة صاروخية، وزوّد قوات الدفاع الهندية بأسلحة هائلة. وينسب إليه الفضل أيضًا في توجيه الهند إلى مكانة القوة النووية.

وأعدّ الدكتور عبد الكلام، صاحب رؤية موهوبة، خارطة طريق لبلده في القرن الحادي والعشرين. ورؤيته لعام 2020 ترى أن الهند ستصبح قوة عظمى وعملاقًا اقتصاديًا وأمة عظيمة في المستقبل القريب. وفي الواقع، إيمانه القوي بمستقبل الهند العظيم أعطى كل الهنود سببًا حقيقيًا للابتسام بالأمل والثقة والفخر. وإنه يعد اليوم أكثر الناس في الهند احترامًا وشعبيةً وثقةً. وجمع في شخصه الروحانية، والموسيقى (الفينا)، وأحب العلم والشعر والقيم الخلقية. وهو رجل وهب حياته لترقية الهند من خلال العلوم والتكنولوجيا والتعليم. وإن منبع فلسفته في الحياة هو تعليم القرآن الكريم، والحياة الروحية، وتعليم نخبة من الفلاسفة. وهو رجل أحب الهند، ومجّد ثقافتها الغنية المتنوعة.

ونظرًا لمكانته العالية وشخصيته الملهمة انتخب عبد الكلام في عام 2002م الرئيس الهندي الحادي عشر. وتم انتخابه رئيسًا لهذا البلد العظيم بمساعدة الحكومة المركزية بقيادة رئيس الوزراء آنذك أتال بيهاري فاجباي. وانتخابه رئيسا هنديا حقق جدارته لهذا المنصب، وعزز جذور الديمقراطية الهندية، وأثبت أن الهند ما زالت دولة علمانية. واعتبره مشاهير الناس رئيسًا هنديا غير تقليدي. إنه عاش حياة بسيطة في قصره "راشتراباتي بهافان" الرائع الفاخر، كما يعيش رجل عادي في كوخه، ولم يتفاخر أبدا بالتسهيلات والمرافق والامتيازات التي مُنحت له كرئيس هندي. ولم يتغافل أبدًا عن ضرورات عامة الناس، وما تحتاج إليه الهند من أجل التقدم والازدهار.

خدم بلده بعد توليه منصب الرئاسة، كما كان يخدمه ليلاً ونهارًا في مجالات العلوم والتكنولوجيا سابقًا. وظل في فترة رئاسته يتابع شغفه بالتعليم، ويتفكر دومًا في مستقبل الشباب. ولم يحب أبدًا أن يعيش بين أسوار قصره الفخم غافلا عن متطلبات البلد واحتياجات الناس. كان محبًا للعلم والمعرفة؛ فكان دائمًا يدعو الناس إلى أهمية العلم والتعليم، ويزور المدارس والكليات والجامعات ليشارك رؤيته وأفكاره مع الطلاب والباحثين.

ونظرًا لمآثره العلمية والاجتماعية ومكانته الرفيعة، مُنح لعبد الكلام عدد كبير من الجوائز والأوسمة والميداليات والتكريمات من الحكوماتوالمراكز العلمية والمعاهد التقنية في الهند ودول العالم، ومن أهم هذه الجوائز:

جائزة بهارات راتنا عام 1997م، وهي أعلى جائزة مدنية في الهند.

جائزة بادما بوشان عام 1981م،وهي ثالث أعلى جائزة مدنية في الهند.

جائزة بادما فيبهوشان عام 1990م، وهي ثاني أعلى جائزة مدنية في الهند.

جائزة إنديرا غاندي للتكامل الوطني من المؤتمر الوطني الهندي عام 1997م.

ومنحته حوالي أربعين جامعة شهادات الدكتوراه الفخرية. وفي مناسبة ميلاده الـ79، أعلنت الأمم المتحدة أن هذا اليوم هو يوم الطلبة العالمي. وأعلنت حكومة سويسرا عام 2005م أن يوم 29 مايو من كل عام هو يوم العلم، وذلك بمناسبة زيارته لهذه الدولة الأوروبية.

ووجّهت لعبد الكلام انتقادات على الصعيدين المحلي والدولي لصناعة وتطوير أسلحة الدمار الشامل، بما فيها تجارب القنابل النووية التي أجريت في بوخران عام 1998م. وانتقدته أيضًا مجموعات مدنية بخصوص موقفه من "محطة كودانكيولام للطاقة النووية" في ولاية تاميل نادو. وانتقده بعض علماء الدين الإسلامي بعض أفكاره وسلوكه ومعتقداته.

ومر هذا العالم الشهير بعديد من الإخفاقات في حياته الذاتية والمهنية؛ فلم ينل كل شيء كان يريده في حياته. وكان يريد أن يصبح طيارا عسكريا مقاتلا ولكنه خاب أمله في تحقيق حلمه. وهب حياته لوطنه فلم يتزوّج. عاش حياة بسيطة جدًا ولم يترك وراءه مالا.

وكان عبد الكلام المستشار العلمي لوزير الدفاع، والسكرتير لوزارة الدفاع للبحث والتطوير من 1992 إلى 1999م. عمل مستشارًا علميًا رئيسيًا لحكومة الهند من 1999 إلى 2001م، كما تولى مناصب عالية أخرى منذ ستينيات القرن العشرين إلى وفاته. وكانت حياته حافلة بالأنشطة العلمية والإدارية.

ونشر لعبد الكلام عدد من الكتب المهمة المؤثرة، ومنها "أجنحة النار" (Wings of Fire)،و"الهند 2020"  (India 2020)، حيث شارك فيها رؤيته لتطوير الهند لتصبح قوة عظمى في القرن الحادي والعشرين.ومن مؤلفاته أيضًا "التطورات في ميكانيكا الموائع وتكنولوجيا الفضاء"، والعقول المشتعلة: إطلاق العنان للقوة داخل الهند"، و"الشرر المضيئ"، و"مهمة الهند"، و"أفكار ملهمة"، و"الروح التي لا تقهر"، و"تصور أمة متمكنة"، و"نقاط التحول: رحلة عبر التحديات"، و"الهدف 3 مليارات"، و"رحلتي: تحويل الأحلام إلى أفعال"، و"بيان من أجل التغيير: تكملة للهند 2020".

وتوفي عبد الكلام في 27 يوليو 2015م أثناء إلقاء محاضرة في المعهد الهندي للإدارة في مدينة "شيلونغ" في ولاية ميغالايا في شمال شرق الهند. وكانت وفاته صدمة وخسارة كبيرتين للشعب الهندي وللعالم بأكمله. وتميزت جنازته بحضور كبير جدًا من الناس من مختلف أنحاء الهند، مما يعكس مكانته الرفيعة في قلوب الهنود.وتم دفنه في راميشوارام مع مرتبة الشرف الكاملة والطقوس الإسلامية. والحضور الكبير في جنازته يدل على نوع من الحب والاحترام الذي كان يكنه في قلوب الناس، وهذا الحب لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث للهند. لقد أثبت حقًا أنه كان رئيس الشعب، ومحبوبًا لدى الجميع فلم يكرهه أحد.

ويُذكر عبد الكلام في الهند وخارجها اليوم كشخصية ملهمة عرفت بالتواضع والتفاني الشديد لبلده العظيم. وكانت حياته تجسيدًا للعمل الدؤوب والإخلاص التام والإيمان القوي. وبدأت حياته متواضعة ليصل إلى أعلى المراتب في الهند. ويعتبر مثالاً رائعًا للملايين من الشباب في الهند وسائر العالم، وسيخلد اسمه مما تركه وراءه من إرثه العظيم في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم والعلوم والتنكولوجيا والسياسة.

اقرأ أيضًا: الاتصال الثقافي يعزِّز العلاقات الهندية-السعودية

واشتهرت له أقوال كثيرة في شتى الموضوعات والمناسبات، ومنها قوله الموجه إلى الشباب، يقول:

"رسالتي، خاصة للشباب، هي أن نتحلى بالشجاعة للتفكير بشكل مختلف، والشجاعة للاختراع، والسفر في الطريق غير المستكشف، والشجاعة لاكتشاف المستحيل والتغلب على المشاكل وتحقيق النجاح. وهذه صفات عظيمة يجب عليهم العمل من أجل تحقيقها".

اقرأ أيضًا: لوحات مادهوباني: شكل فني رائع من منطقة ميثيلا

فقدنا عبد الكلام قبل تسع سنوات، وتحديدًا في السابع والعشرين من شهر يوليو عام 2015م، ولكنه لا يزال حيا بيننا بفضل أعماله العلمية والتقنية والتعليمية والاجتماعية والسياسية. والهند في أمس الحاجة إلى رجال يمثّلون حياة هذا العالم الفذ، ويقودونها إلى الأمام، ويجعلونها دولة متقدمة اقتصاديًا وعسكريًا وخلقيًا. رحمه الله رحمة واسعة وأدخله الجنة.

أشفاق أحمد هو أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي