الإمام بارات والشعائر الحسينية في لكناؤ

Story by  Dr. Quamer Shaban | Posted by  M Alam | Date 23-07-2024
الإمام بارة الكبيرة
الإمام بارة الكبيرة

 

د. قمر شعبان

الإمام بارة أو الإمام باركاه (دارة الإمام) في الهند عبارة عن معبد شيعي أو مكان لإقامة الشعائر والطقوس الدينية الشيعية والاحتفاء بالمناسبات الحسينية الإمامية؛ والتي تزدان بالزخارف والمصابيح والشموع والزينات المختلفة في جميع هذه المناسبات، ولكن الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الحرام تشهد منظرًا نوعيًا استثنائيًا تذكاريًا من طراز آخر؛ وذلك لإحياء ذكرى استشهاد الصحابي الجليل الحسين بن علي -رضي الله عنهما-.

مدينة لكناؤ التي لها التاريخ العميق الضارب إلى أعماق القرون؛ ظلت مهدًا للحضارات والديانات والفرق عبر التاريخ، وهي القطب الرئيس الذي تدور حوله منطقة أودهـ؛ حكمها الهندوس والمغول والنوابون من الشيعة أيضًا، وتاريخ هذه الإمام بارات يعود إلى الحكام النوابين من الشيعة؛ الذين اهتموا اهتمامًا قياسيًا بتأصيل جذور التشيع عن طريق تشييد الإمام بارات على طراز فني متين خالد. وكل مدينة من مدن الهند التي يقطنها الشيعة، غالبا ما توجد فيها الإمام بارة، ولكن مدينة لكناؤ تحتضن الإمام بارتين من نوع فريد في الفن والعمارة والهندسة والنحت والتطرية؛ الإمام بارة الأولى والأشهر تدعى بــ"الإمام بارة الكبيرة". والإمام بارة الأخرى تدعى "الإمام بارة الصغيرة" إلى جانب الإمام بارات الأخرى التي لها القيمة الدينية لدى الشيعة.

الإمام بارة الكبيرة  

هذه الإمام بارة تدعى أيضا بـ "الإمام بارة الآصفية" نسبة إلى منشئها الشاعر الأردي الكبير وأمير منطقة أودهـ، النواب محمد يحيى مرزا زماني المعروف بـ"آصف الدولة"(1748-1797م) نجل النواب شجاع الدولة. وهي من إحدى المعالم التاريخية الإسلامية في الهند؛ أُنشئت عام 1784م، لجعلها مركزًا مهمًا لنشر الطقوس الدينية الشيعية في منطقة أودهـ، على طراز فني مغولي، تقع على الضفة الجنوبية لنهر غُومتي، غرب جامعة الملك جورج الطبية (King George’s Medical University) بجوار مسجد التل شاه، والباب الرومي. وتتكون الإمام بارة الكبيرة من الباب المركزي الأول، ونوبت خانه (برج الناقوس)، والساحة الدائرية، والساحة الخضراء، والبئر العجائبية، والمسجد الآصفي الشامخ الكبير، والمبنى الرئيس للإمام بارة، والمبنى المسمى بـ"بهول بهوليان"؛ وهذا المبنى هو محط أنظار الزوار والرحالين والمؤرخين والطلاب المتخصصين بعلم الآثار والهندسة المدنية، وذلك لطرقاته الداخلية التي لا يمكن الوارد الجديد أو الزائر العادي أن يخرج منها بسهولة؛ فإن عدد هذه الطرقات الداخلية يبلغ ما يناهز 489 طريقا على أبواب مماثلة ومتشابهة مختلفة، وثمة 1024 طريقا للوصول إلى الشرفة العلوية، ولا يوجد بها إلا بابان للخروج منها، فمن يدخلها ينسى من أين دخل؛ فيتسكع مبهوتًا مندهشًا؛ ولا يجد الطريق المفضي إلى البابين للخروج. وهذه هي السمة البارزة التي تمتاز بها هذه الإمام بارة الكبيرة فيما بين المعالم والآثار الهندية الإسلامية الأخرى، وهذه هي الميزة التي من أجلها لا يتعامى زائر مدينة لكناؤ عن زيارة هذه الإمام بارة، إلى جانب صالاتها وشموخها الفني الفريد الذي يخلد ذكرها في التاريخ.

وأمام المسجد الآصفي الكبير في حرم هذا المعلم التاريخي تقام فيه الصلوات الخمس على طريقة المذهب الشيعي، وهو يسع لأكثر من ألف مصل، يستريح في صالاته الزوار، ويقضي به أوقاتا سعيدة. وإن هذه الإمام بارة مع كل مبانيها وأجزائها رائعة من روائع الفن والعمارة والهندسة.

الإمام بارة الصغيرة

الإمام بارة الصغيرة، هي أيضًا معبد شيعي أو مكان لإقامة الشعائر، والطقوس والمناسبات الدينية الشيعية المختلفة، وتسمى أيضًا بـ"إمام بارة حسين آباد" لوقوعها في منطقة حسين آباد بلكناؤ. وأنشأها الأمير الثالث لمنطقة أودهـ النواب محمد علي شاه عام 1837م. وشيد بناؤها على طراز الفن الهندي-الإيراني الرائع واللامع الجميل. وتتكون من مسجد شامخ يدعى مسجد حسين آباد، والباب الأول، وسات كهاندا، وبركة ماء، والحديقة، ومقابر النوابين وعوائلهم، كما ادخرت فيها النوادر من العاج، والشموع، وتماثيل تشابيه التعازي، وإن منشئها النواب محمد علي شاه مدفون في مقابرها. والإمام بارة مزخرفة بالزجاجات البلجيكية، والمصابيح، والقناديل، والفوانيس، إلى جانب الزجاجات الإيرانية، والآيات القرآنية المنحوتة على جدرانها، ويقال إن البنائين حاولوا تمثيل الطراز الفني المستخدم في بناء التاج محل. وفي مناسبة العاشوراء يتم زخرفتها وتزيينها بالمصابيح البلجيكية البراقة فيسمونها "قصر المصابيح" أيضًا.

الإمام بارات الأخرى في لكناؤ

حاول النوابون من لكناؤ في عصورهم المختلفة أن يعمروا الإمام بارات، ومراكز التعازي لإحياء الشعائر الدينية الشيعية، وكما يهتم شيعة الهند بوجه عام بتخصيص مكان أوقاعة في منازلهم للمجالس الحسينية الإمامية التي تقام فيها مجالس الذكرى البطولية الحسينية سنويًا وشهريًا وأربعينيًا، ومن بعض الإمام بارات المعروفة في لكناؤ ماعدا الإمام بارتين الكبيرة والصغيرة، أجدرها بالذكر، إمام بارة سادات، وإمام بارة حسين آباد، وإمام بارة غوث لا، وإمام بارة الشاه نجف، ومن أهم مراكز التعازي، مركز تعازي "سلطنت منزل".

الشعائر الحسينية في مناسبة العاشوراء

يشهد العشر الأول على طول من شهر محرم تجهيزات وإعدادت استثنائية للمراسم الدينية الحسينية لدى الشيعة بوجه مخصوص، ولدى عدد ملحوظ من غير الشيعة أيضًا؛ تقام خلالها المجالس لذكر بطولات وكفاحات الحسين وآل الحسين في مجزرة كربلاء، ويعدون تشابيه التعازي بفرس، وجمل وفيل، للمواكب الشامخة مع عرض مسرحة أحداث كربلاء، وتمثيل أشخاصها الرئيسين، وتسيير المواكب المتجمهرة بالعويل والبكاء والصراخ والتأبين، ولطم الصدور والخدود، وضرب الظهور والرؤوس والأكتاف بسلاسل حديدية، وشفرات حادة، متزيين الأزياء السوداء الفاحمة معبرين عن الحزن على مقتل الحسين، وفي أيادي بعضهم الرايات الخضراء المسطور عليها بحروف جلية "يا حسين"، وإنهم في هذه المناسبة يرسون السقي باسم "السبيل" للمارين والمسافرين من السكان والأجانب ليشربوا من مياه ومشروبات متوافرة به، من دون تمييز بين أهل السنة والشيعة، والمسلم وغير المسلم. وبعضهم يعدون علبا صغيرة للطعام والحلويات أيضًا ويوزعونها فيما بينهم. ومن الشعائر الحسينية الرائجة فيها التطبير والتشابيه والمشي على الجمر أيضًا، وفي مجالسهم اهتمام بالغ بإنشاد شعر الشاه نامه والبطولة والتضحية. وإقامة بعض العروض المسرحية الحسينية مع أفراس خشبية أو ورقية مسماة بـ"دلدل" في الشوارع والميادين والساحات والمكان الخاص باسم "كربلاء" من المراسم والطقوس العامة في الكثير من المناطق الهندية.

حديقة بيجوم حضرت محل

وإلى جانب هذه الإمام بارات، تتميز لكناؤ بمعالم إسلامية وتاريخية وطبعية أخرى؛ من أهمها الباب الرومي أو الباب التركي، ومبنى محطة لكناؤ الشامخ، وحديقة أمبيدكار التذكارية، ومباني أسواق حضرت كنج، واللاء مارتيناري، ومبنى ودهان بهاوان، والمباني التاريخية لريزيدنسي، ومبنى مسجد نواب، وقصر روشن الدولة، وأبواب لكناؤ محل، ونهر غومتي، وبرج الساعة الذي هو أعلى أبراج الساعات في الهند، وحديقة بيجوم حضرت محل. وهكذا لكناؤ مدينة من مدن السمو والشموخ والمعالم الإسلامية، والحضارة، والمدنية والآداب والناطقين باللغة الفصحى من الأردية والهندية، إلى جانب غرامهم الشديد بالشعر والفن والموسيقى والشطرنج. وباتت اليوم تتقدم بأساليب الحياة الحديثة مع التطور التكنولوجي المدهش.

د. قمر شعبان أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية بجامعة بنارس الهندوسية، فاراناسي، أترابراديش