أ.د. مجيب الرحمن
كانت مفاجأة محزنة وصادمة أن أطلع على وفاة رجل الأعمال الهندي المعروف المقيم في دبي منذ 65 سنة ماضية على صفحة "آواز دي وائس" في الأسبوع الماضي الذي ربطتني به علاقة شخصية منذ عام 2009م، فقد تعرفت عليه في نادي دبي للصحافة في ندوة أقامها النادي على إثر ظهور نتائج الانتخابات العامة الهندية في عام 2009م.
وقد استضافني نادي دبي للصحافة مع عدد من الشخصيات العلمية لإلقاء محاضرة عن أهمية نتائج الانتخابات العامة الهندية، وكان من ضمن الحضور الدكتور رام بوكساني وتعرفت عليه بواسطة صديق حميم كان موظفًا في نادي دبي للصحافة، ووجدته حينها على رغم شهرته الواسعة وشموخ قامته في مجال الأعمال وكونه من الشخصيات الاعتبارية في الإمارات شخصًا حنونًا وخلوقًا ولطيفًا وذا ثقافة واسعة، وبعيدًا كل البعد عن التعالي والكبرياء.
وبعد سنوات اتصل بي هذا الصديق العزيز وقال إن الدكتور رام بوكساني يريد ترجمة سيرته الذاتية المعنونة بـ"Taking the High Road" إلى العربية، ويريد مني أن أقوم بالترجمة، فقلت له إنني سأقبل الاقتراح بعد أن أقرأ الكتاب، وبعد أسبوع وصلتني النسخة الأصلية بالإنجليزية من مكتب الدكتور رام بوكساني، وما إن فتحت الكتاب حتى أعجبت به أيما إعجاب، وانتهيت من قراءته في أيام، وأبلغته بموافقتي على ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية. وأنجزتُ ترجمة الكتاب في ستة شهور، ونشرت النسخة العربية للسيرة بعنوان "السير في الطريق السريع" من دار كتّاب للنشر والتوزيع في عام 2016م، والكتاب يقع في 459 صفحة من القطع الكبير، واطلعت من خلال الكتاب على جوانب سيرة الدكتور رام بوكساني الشيقة؛ وصل إلى دبي في عام 1959م وهو في الثامنة عشرة من عمره... جامعته كانت أسواق دبي، تعلّم فيها دروس الحياة، ودروس التجارة والأعمال، وهي التي وضعته على رأس شركات كان لها أثر كبير في تطور الجالية الهندية القوية في دبي، يقول رام بوكساني: "الحقيقة أن دبي صاغت حياتي، وكان للثقافة العربية تأثير كبير عليّ، وكتابي هو عبارة عن تحيّة إلى البلدان والشعوب والمجتمعات والشركات التي لعبت دورًا مهمًا في تكويني".
ويفيدنا رام بوكساني في سيرته الذاتية أنه ولد بولاية غوجرات في الهند ونشأ في بيئة متواضعة، وانتقل في نوفمبر 1959م في سن 18 سنة إلى دبي بحثًا عن فرص أفضل في فترة كانت فيها دبي لا تزال تتطور كمدينة، بدأ بوكساني حياته المهنية في دبي كموظف بسيط في شركة عائلية صغيرة، ومن خلال العمل الجاد والتفاني تمكّن من إثبات نفسه واكتساب الخبرات اللازمة في مواجهة التحديات في بيئة الأعمال الجديدة بما في ذلك التكيف مع ثقافة جديدة، يتحدث بوكساني عن كيفية تمكنه من تحويل التحديات إلى فرص، مما أدى إلى تحقيق نجاحات متتالية في مسيرته المهنية، منها تقلده منصب رئيس مجموعة "آي تي إل كوزموز"، وترأسه لعديد من الهيئات والجمعيات: نادي روتاري جميرا (دبي) والمنتدى الاقتصادي للهنود في الخارج (الإمارات العربية المتحدة)، والوصاية الدائمة للمعهد الهندي لعلوم السندولوجي، أديبور، ومنصب مدير مدرسة تشينمايا الدولية السكنية، كويمباتور، وتأسيس المجلس التجاري والمهني الهندي، ورئاسة المدرسة الثانوية الهندية، وعضوية نادي الهند وغيرها.
وتفيدنا سيرة بوكساني بفلسفته في الحياة والعمل التي تعتمد على العمل الجاد والالتزام والأخلاقيات المهنية. ويقدم الكتاب نصائح قيمة لرواد ورجال الأعمال الشباب والطموحين حول كيفية تحقيق النجاح والاستدامة في عالم الأعمال. كما يتطرق الكتاب إلى رؤيته المستقبلية لتطور دبي والإمارات، وآماله في استمرار النمو والازدهار، وعن تفاؤله بمستقبل المنطقة، ويقدم رؤى حول كيفية المحافظة على هذا الزخم التنموي المدهش الذي شهدته دولة الإمارات منذ خمسين سنة ماضية. ويقول الدكتور بوكساني عن فلسفته في حب المغامرة: "أؤكد غالبًا أنه من الأفضل ألّا يكون هدفك أن تكون فيلاً. بل كن طائراً - حلّق واستكشف. في حين أن لدينا تطلعات وأهدافًا، فإن القدر يلعب أيضًا دورًا مهمًا ولا يمكننا التحكم في كل شيء. باختصار، لديّ اعتقاد راسخ أن المصير مرتبط بالحظ، لكن هذا لا يعني أنه لا ينبغي لنا بذل الجهد"، وفعلاً هو الجهد والتفاني الذي جعله يخوض رحلة من خمس روبيات إلى مليار درهم في دبي، يقول بوكساني "دبي منحتني كل ما يمكن أن أطلبه، فالفرص هنا وفيرة للجميع، وبالتفاني والعمل الجاد يمكن تحقيق النجاح".
ولقد أثّر رام بوكساني تأثيرًا كبيرًا في الجالية الهندية المقيمة في الإمارات التي برز منها عدد كبير من رواد الأعمال الناجحين وتمكنوا من ترك بصمات واضحة في الاقتصاد والمجتمع الإماراتي من خلال تأسيس وإدارة عديد من كبرى الشركات والمؤسسات التي تسهم بشكل كبير في مختلف قطاعات الاقتصاد، مثل القطاع التجاري، وتجارة التجزئة والجملة واستيراد وتصدير السلع والقطاع العقاري، وتساهم هذه الاستثمارات في تنمية البنية التحتية وتوفير المزيد من المساكن والمساحات التجارية، مما يدعم النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل جديدة، كما يستثمر رجال الأعمال الهنود في القطاع الصناعي من خلال إنشاء المصانع والشركات الصناعية، ويستثمرون أيضًا في قطاع الخدمات الذي يشمل مجالات متعددة مثل السياحة والصحة والتعليم والتكنولوجيا ويدعمون الابتكار وريادة الأعمال من خلال تقديم الدعم المالي والفني للمشاريع الناشئة.
ومن أبرز هذه الشخصيات يوسف علي مؤسس ورئيس مجموعة اللؤلؤ، وهي الآن واحدة من أكبر سلاسل السوبرماركت في الشرق الأوسط، ووي آر شيتي مؤسس "مجموعة إن إم سي للرعاية الصحية" و"مجموعة الإمارات للصرافة"، وسونيل فاسواني رئيس مجلس إدارة مجموعة "ستيليون"، وهي مجموعة متعددة الجنسيات تعمل في مجالات متنوعة تشمل التجارة والصناعة واللوجستيات، ومايكل ديل مؤسس "مايكل ديل إنترناشونال"، وهو واحد من أبرز رجال الأعمال في قطاع الأزياء والموضة في الإمارات، وجميل كوتوال مؤسس شركة "جي كيه للتجارة"، وهي شركة متخصصة في تجارة الذهب والمجوهرات، وشاجي أولوكال مؤسس مجموعة "ذا ستارلينج"، وهي مجموعة متخصصة في قطاع العقارات والضيافة، وراكيش أوبروي مؤسس "مجموعة أوبروي للعقارات"، وهي واحدة من أكبر شركات التطوير العقاري في الإمارات، وأديتيا فاديراجو مؤسس "مجموعة إف في إم"، وهي مجموعة متخصصة في القطاع الصناعي والتجاري، وكمال فورا مؤسس "مجموعة الفورا"، وهي مجموعة متخصصة في قطاع التجزئة والتجارة العامة، وأرون بانسال رئيس شركة "إريكسون الشرق الأوسط وإفريقيا وغيرهم كثير.
اقرأ أيضًا: أبعاد جديدة للشراكة الاستراتيجية بين الهند والإمارات
ولذلك فإن رحيل الدكتور رام بوكساني هو خسارة لا تعوض ليس فقط للمجتمع الهندي المغترب بل أيضًا للمجتمع الإماراتي. ووصف السفير الهندي لدى دولة الإمارات سانجاي سودهير وفاته بفقدان "المرشد والقدوة والمعلم" للمجتمع.
اقرأ أيضًا: دبي: وفاة رجل الأعمال الهندي المخضرم رام بوكساني
وقال سعادة السفير: "سيظل الدكتور رام بوكساني مصدر إلهام لأجيال من الهنود الذين يعتبرون الإمارات وطنهم. لقد كان أحد أبرز الشخصيات الهندية في دولة الإمارات الذين سيظل عملهم الجاد وروحهم للمبادرة وخدمتهم للمجتمع في الذاكرة دائمًا، فيما قال رجل الأعمال باراس شهدادبوري رئيس مجموعة "نيكاي": "إن وفاة الدكتور رام بوكساني هي خسارة مفاجئة لا يمكن تعويضها للمجتمع بأكمله والمغتربين".