منسوج "الكيتا": تراث حي في سيمانشال بولاية بيهار

21-04-2025  آخر تحديث   | 19-04-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | مجيب الرحمن 
منسوج
منسوج "الكيتا": تراث حي في سيمانشال بولاية بيهار

 


مجيب الرحمن

في منطقة سيمانشال، الواقعة في شمال شرق ولاية بيهار، وفي بعض القرى بولاية آسام في الهند، تزدهر حرفة تقليدية تمارسها نساء القرى المسلمات: نسج "الكيتا". وهذا الفن المتوارث عبر الأجيال ليس مجرد تعبير جمالي، بل رمز للصمود الهادئ، ومصدر رزق، وهوية ثقافية تحتفي بإبداع المرأة الريفية في عالم يتغير بسرعة كبيرة.

"الكيتا" هو شكل من التطريز الذي يعتمد على خياطة طبقات من القماش، غالبًا من الساري المستعمل أو الأقمشة المماثلة، لتصنع ألحفة أو أغلفة تحمل طابعًا شخصيًا. وتمتهن هذه الحرفة نساء قرى سيمانشال بولاية بيهار، وكذلك في بعض القرى في ولاية آسام، مما يعزّز الروابط الاجتماعية بينهن. وكل منسوج "كيتا" يعكس أسلوبًا فريدًا يحمل بصمة صانعته، من خلال أنماط معقدة، وتفاصيل دقيقة، واستخدام نابض للألوان، مانحًا النساء مساحة للتعبير الفني الفردي. وبهذا، أصبح "الكيتا" جزءًا لا يتجزأ من هوية القرويات في هذه المنطقة الحدودية.

المذهل في الأمر أن النساء اللواتي يمارسن الحرفة، هن عادة نساء أميات، لا يعرفن القراءة والكتابة، ولكن الأنماط والتصاميم التي يعملنها على نسيج الكيتا تكون مبهرة ورائعة، وتستمد تصاميم "الكيتا" إلهامها من البيئة المحيطة، حيث تتجلى عناصر الطبيعة مثل تموجات الأنهار، وحركة ديدان الأرض، وأنسجة أوراق البان. كما تعكس التصاميم تأثيرات دينية وثقافية، مضيفة رمزية عميقة تعبّر عن الحياة اليومية وتراث المجتمع. وهذه القدرة على الجمع بين التعبير الشخصي والقضايا الجماعية تجعل "الكيتا" أكثر من مجرد حرفة؛ إنها وسيلة للتواصل الاجتماعي والإبداع.

وتجتمع النساء في حلقات نسج "الكيتا" بعد انتهائهن من الأعمال المنزلية، حيث يتبادلن القصص، ويغنين الأغاني الشعبية، ويتقاسمن لحظات من الراحة والترفيه في مجتمع ريفي تقل فيه وسائل التسلية المتاحة للنساء. وهذه الحلقات ليست مساحة للعمل اليدوي فحسب، بل هي للترابط المجتمعي، مما يجعل الحرفة رمزًا للقوة الأنثوية والتضامن. وكلما تجد المرأة الوقت بعد فراغها من أعمال المنزل تنشغل بخياطة الكيتا في منزلها.

وعلى الرغم من قيمتها الثقافية، واجهت حرفة "الكيتا" تراجعًا ملحوظًا بسبب انتشار المنسوجات المصنعة آليًا وقلة الجدوى الاقتصادية. ولكن، بفضل تدخل منظمات غير حكومية مثل مؤسسة "آزاد هند" ومؤسسة زمين أستار فاؤنديشان"، وجدت نساء منطقة كيشانغانج وما جاورها من المناطق في سيمانشال، فرصًا لتسويق حرفتهن. وهذه الجهود أعادت إحياء مهارات تطريز عمرها أكثر من 500 عام، والتي تنتقل من الأمهات إلى البنات جيلًا بعد جيل.

وفي الماضي، كانت النساء يصنعن "الكيتا" للاستخدام الشخصي، مثل ألحفة للمواليد الجدد، أو هدايا للمتزوجين حديثًا، أو قطع زخرفية. وأما اليوم، فقد توسعت المنتجات لتشمل دفاتر، ومفارش مائدة، ومراوح يدوية، وأوشحة، وأغطية أسرّة، مما فتح آفاقًا اقتصادية جديدة. وتمارس الحرفة عادة في أوقات الفراغ، بعد الظهر أو في المساء، لتصبح نشاطًا اجتماعيًا واقتصاديًا يعزز الاستقلال المالي للنساء.

ويكتسب "الكيتا" أهمية خاصة في المناسبات الاجتماعية، حيث يُستخدم كمهور، أو في الطقوس، أو يُقدم كهدايا في الأعياد مثل العيد. وفي العديد من البيوت، تُعد مهارة الفتاة في النسيج دليلًا على إبداعها وتعليمها المنزلي، مما يعزّز مكانتها في المجتمع.

الأهمية الثقافية لـ"الكيتا"

"الكيتا" ليست مجرد عمل يدوي، بل تعبير ثقافي يحمل في طياته قصصًا وتاريخًا. وكل منسوج "الكيتا" يروي حكاية من خلال أنماطه الهندسية المتكررة، التي تعكس بساطة وتوازنًا يتماشيان مع القيم الإسلامية والريفية. وتُعلم الأمهات هذا الفن لبناتهن، مانحةً إياه دورًا كجسر يربط بين الماضي والحاضر، ويحافظ على التراث المحلي للمنطقة.

تحديات الاستمرار وضرورة الإحياء

رغم غناها الثقافي، تواجه حرفة "الكيتا" تهديدات الاندثار بسبب التحديث، وندرة الحوافز الاقتصادية، فضلاً عن توافر المنتجات المصنعة. كما أن توجه الشابات نحو التعليم والعمل، رغم إيجابيته، قلل من عدد المتعلمات لهذه الحرفة. ومع ذلك، يمكن إحياؤها من خلال دعم المنظمات غير الحكومية، والبرامج الحكومية للترويج للحرف اليدوية، وتوفير منصات تسويق وأسعار عادلة. والترويج للمنتجات الصديقة للبيئة في الأسواق الحضرية قد يعزز قيمتها أيضًا.

اقرأ أيضًا: إحياء فن "كانثا" يوفر سبل العيش والكرامة للنساء المسلمات في ولاية آسام

وختاما فإن حرفة "الكيتا" في سيمانشال ليست مجرد تراث، بل شهادة حية على إبداع النساء الريفيات وصمودهن. وفي خيوطها تتجلى قوة المجتمع، وفي أنماطها تروى قصص الطبيعة والهوية. ودعم هذه الحرفة لا يحافظ على التراث فحسب، بل يمكّن النساء اقتصاديًا واجتماعيًا، مؤكدًا أن أيديهن، رغم خفائها أحيانًا، هي التي تنسج خيوط الفن والتقاليد.

أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي