ظفر دارك القاسمي
تؤدي المدارس الدينية دورًا محوريًا في تطوير التعليم للمسلمين. في حين، يُقال غالبًا إن على المدارس الدينية إدخال تغييرات في مناهجها الدراسية لجعل التعليم أكثر ارتباطًا بمتطلبات العصر. ولهذا، يجب إدراج دراسة علم الأديان المقارنة في مقرراتها الدراسية، مما سيساهم بمرور الوقت في معالجة العديد من القضايا، بما فيها العنف الطائفي والكراهية، وتعزيز الاحترام المتبادل للأديان والمعتقدات والأفكار المختلفة.
وفي الهند، نعيش في مجتمع تعددي حيث تتعايش المجموعات الدينية والعرقية المختلفة بسلام ووئام، ونتشارك الأفراح والأحزان. فإذا لم ندرس أديان بعضنا البعض، وعقائدنا، وعاداتنا، وأفكارنا، فستزداد الفجوات الاجتماعية وسوء الفهم بيننا. ولم تُبذل جهود كبيرة في هذا الصدد، كما أننا لا ندرك حتى مدى سوء الفهم الذي نحمله في قلوبنا وعقولنا تجاه الآخرين.
وإلى جانب ذلك، ينبغي إجراء أبحاث أكاديمية حول هذا الموضوع. ولقد أصبح العالَم اليوم قريةً عالمية، وأصبحت أبواب البحث مفتوحة أكثر من أي وقت مضى. ويجب على المدارس الدينية الاستفادة من هذه الفرصة لتعزيز التقارب بين الأديان الأخرى.
وينبغي لها أن تقوم بإجراء أبحاث أكاديمية لتعزيز تواصلها مع الأديان العالمية. فالعمل على مثل هذه الموضوعات سيساهم بلا شك في نشر التفكير المتزن والآراء المعتدلة في المجتمع. وإن تأثير التفكير الإيجابي والمتوازن لا يقتصر على زمان أو مكان معين، بل هو تأثير مستدام وخالد.
ومن الحقائق المعروفة أن خرِّيجي المدارس الدينية يتعرضون لصور نمطية من أتباع الديانات الأخرى. ويحتل الإسلام المرتبة الأولى في دراسات الباحثين في مجال الأديان المقارنة، إلا أن العديد من هؤلاء الباحثين يروجون للنزعة الطائفية في كتاباتهم. ومن الواضح للجميع مدى الضرر الذي يُلحقه هذا النهج بالمجتمع الإسلامي، حيث يسهم في تعميق الفجوات وتعزيز ظاهرة سوء الفهم بدلاً من تحقيق التقارب والتفاهم.
وإننا في حاجة ماسة إلى تقديم صورة حقيقية للإسلام. ولكن لا ينبغي لنا أن ننسى أبدًا أنه يتعين علينا أيضًا أن نزيد من أنشطتنا المعرفية والبحثية فيما يتصل بمواطنينا وأديانهم لمعالجة سوء الفهم تجاه الأديان والأشخاص الآخرين.
ويجب أن تعمل المدارس الدينية على تعزيز الوحدة الاجتماعية والانسجام المجتمعي. ولتحقيق ذلك، ينبغي للقائمين على هذه المدارس دعوة خبراء دينيين لإلقاء محاضرات على الطلاب. كما أنه عند مناقشة الهندوسية، من الضروري دعوة خبراء في اللغة السنسكريتية، حيث إن معظم النصوص الدينية الهندوسية متوفرة بهذه اللغة.
ويجب أن نضع في الاعتبار أيضًا أن سياسة التعليم الجديدة (2020م) قد تم تنفيذها. ورغم أن هذه السياسة لا تذْكر التعليم الديني بشكل صريح، فإنها تنص بوضوح على ضرورة إعطاء الأفضلية، عند تعيين المعلمين، للمرشحين الذين لديهم معرفة بعلم الهنديات (Indology)، أي بالحضارة الهندية وتنوعها الديني.
وفي هذا السياق، يفكر علماء المدارس الدينية بجدية في إدراج دراسة الأديان ضمن مناهجها التعليمية.
وبالمثل، تتطلب حضارة الهند ومجتمعها المتنوع والتعددي أن نعيش في أجواء من الحوار والتسامح لتعزيز فهم أعمق للأديان. ومن الضروري دراسة مختلف الحضارات والأديان والعادات والتقاليد من منظور شامل، وضمان احترامها.
اقرأ أيضًا: السعودية والإمارات تختتمان مشاركتهما في معرض نيودلهي الدولي للكتاب 2025م
وتُعرف الهند بأنها موطن الحكماء والقديسين والصوفيين الذين بذلوا كل جهد لضمان السلام والوئام والتآخي. وحتى اليوم، لا تزال أفكارهم ورسائلهم الروحية تبعث برسالة الوحدة والتسامح إلى الهند. فإذا مهّدت المدارس الدينية الطريق للحوار ودراسة الأديان، فسيكون ذلك خطوة مهمة نحو تعزيز وترسيخ الوئام والسلام.
الدكتور ظفر دارك القاسمي هو مؤلف وكاتب عمود