أ.د. مجيب الرحمن
سوريا، جنة الشرق ومهد الحضارات القديمة، كانت دائمًا مركزًا لازدهار الثقافة العربية الإسلامية، واحتضنت العديد من كبار الشعراء والعلماء في العصر الإسلامي مثل البحتري وأبي تمام، والفرزدق، وابن قتيبة، وأبي العلاء المعري، وكثيرين لا يأتي عليهم الحصر، فضلاً عن إنتاجها لنجوم أدبية معاصرة مثل نزار قباني، وعمر أبو ريشة، ومحمد الماغوط، وسعيد عقل، وأدونيس، وممدوح عدوان، وبدوي الجبل وغادة السمان وغيرهم كثير. ورغم جمالها الطبيعي وتاريخها الغني، فإن البلاد تمر اليوم بأصعب أيامها نتيجة الحروب المدمرة التي أشعلتها التدخلات الغربية، مما يهدد ثقافتها العريقة. رغم هذه المحن، يبقى شعب سوريا متمسكًا بالأمل في تعافي بلاده واستعادة مجدها الثقافي والتاريخي.
وسوريا، التي تعد من أقدم المناطق المأهولة في العالم، كانت عبر العصور نقطة تقاطع لحضارات عظيمة تركت بصماتها في تاريخ الإنسانية. من حضارة سومر في ميزوبوتاميا إلى الفينيقيين الذين أسسوا مراكز تجارية مهمة مثل صور وطرابلس، مرورًا بالحضارة الآرامية التي أثرت في اللغة والثقافة. كما شهدت ازدهارًا في العصور الرومانية والإغريقية، مع مدن مثل تدمر التي أصبحت رموزًا للفن والهندسة المعمارية. وفي العصر الإسلامي، كانت دمشق عاصمة للخلافة الأموية ومركزًا للعلم والثقافة. ورغم التحديات الراهنة، تظل آثار هذه الحضارات شاهدة على التاريخ الغني الذي تشكل هوية سوريا الثقافية والحضارية.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة، تمد سوريا يدها إلى الهند الصديقة والشقيقة، طلبًا لتقديم الدعم والمساعدة في مواجهة المصاعب العديدة التي تعيشها. وعلى الرغم من البعد الجغرافي بين البلدين، فإن العلاقات السورية الهندية تتسم بالتعاون والصداقة المستمرة عبر التاريخ. والهند، التي لطالما عُرفت بدعمها للمواقف العادلة في العالم، تقدم لسوريا المساعدة في مختلف المجالات، سواء على الصعيد السياسي أو الإنساني. وفي هذا المقال، سيتم استكشاف الأبعاد المتنوعة للعلاقات بين البلدين، التي تشمل السياسة، والاقتصاد، والثقافة، وكيف يمكن أن تساهم الهند في مساعدة سوريا على تخطي محنتها وتحقيق الاستقرار في المستقبل.
وتعتبر العلاقات بين الهند وسوريا من العلاقات المتينة التي تميزت بالتاريخ الطويل والمجالات المتعددة من التعاون السياسي والثقافي والاقتصادي. ورغم أن هذه العلاقات كانت في معظمها موجهة نحو مواقف مشتركة في مجالات السياسة الدولية، فقد امتدت إلى مجالات التعاون الثقافي والتعليم والاقتصاد، مما يعكس مدى التفاهم بين البلدين على مدار العقود.
العلاقات السياسية
بدأت العلاقات السياسية بين الهند وسوريا في القرن العشرين، حيث كان هناك دعم متبادل في قضايا الاستقلال والحرية. ودعمت الهند سوريا في كفاحها ضد الاستعمار الفرنسي، بينما دعمت سوريا الهند في قضاياها المتعلقة بالتحرر الوطني والنضال ضد الاستعمار البريطاني. ومنذ ذلك الحين، تطورت العلاقات بين البلدين على أساس المبادئ المشتركة، مثل التمسك بسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وفي السنوات الأخيرة، حافظت الهند على سياسة توازن في علاقتها مع سوريا، حيث دعمت في الغالب الحلول السلمية للصراعات في المنطقة ورفضت التدخل العسكري في الشؤون السورية. وقد قدمت الهند مساعدات إنسانية لسوريا خلال الأزمة السورية، مع التركيز على تقديم المساعدات الطبية والإغاثية في الوقت الذي كانت تعاني فيه من ظروف صعبة جراء النزاع الداخلي.
العلاقات الثقافية
من الناحية الثقافية، تشترك الهند وسوريا في العديد من الروابط المشتركة التي تعود إلى التاريخ القديم. وكانت سوريا دائمًا جزءًا من شبكة ثقافية وتاريخية واسعة تمتد من الهند إلى البحر الأبيض المتوسط. وعبر العصور، كان هناك تبادل ثقافي وعلمي بين الهند والمنطقة العربية، بما في ذلك سوريا. فقد كان هناك العديد من الرحلات العلمية والتجارية التي جرت بين الهند وسوريا في العصور الإسلامية، وازدادت العلاقات الثقافية تعميقًا في العصر الحديث.
ويُظهر التبادل الثقافي بين الهند وسوريا في العديد من المجالات، بما في ذلك الأدب والفنون. ففي السنوات الأخيرة، استضافت الهند العديد من الفعاليات الثقافية السورية، بما في ذلك عروض الأفلام والندوات الثقافية. كما شهدت المدن الهندية بعض الفعاليات التي تم فيها تسليط الضوء على التراث الثقافي السوري، وهو ما يعكس التقدير الكبير في الهند للثقافة السورية.
العلاقات الاقتصادية
فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، تعتبر الهند وسوريا شريكين اقتصاديين مهمين في المنطقة، رغم التحديات التي فرضتها الأزمة السورية على الاقتصاد السوري في السنوات الأخيرة. وقبل الحرب السورية، كانت التجارة بين الهند وسوريا متنوعة وشملت العديد من القطاعات، بما في ذلك تصدير السلع الهندية إلى سوريا مثل الأدوية والآلات والمعدات الإلكترونية، بينما كانت سوريا تصدر للهنـد موادًا مثل النفط والمنتجات الزراعية.
وسعت الهند خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز تعاونها الاقتصادي مع سوريا من خلال المشاريع التنموية والمساعدات الإنسانية. وقدمت الهند مساعدات غذائية وطبية في أوقات الأزمات، كما دعمت العديد من المشاريع في قطاعات التعليم والبنية التحتية. ورغم الظروف الصعبة في سوريا، تواصل الهند دعمها للسوريين من خلال برامج التدريب والدورات التعليمية في مجالات مختلفة.
وعلى الرغم من أن الوضع الحالي في سوريا لا يسمح بتطوير التجارة بشكل كامل بسبب العقوبات الدولية والظروف الاقتصادية الصعبة، فإن الهند تظل مهتمة بالحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع سوريا. ففي السنوات الأخيرة، كان هناك اهتمام متزايد من الشركات الهندية في دخول أسواق الشرق الأوسط، بما في ذلك السوق السورية، ما يعكس التوجه الهندي نحو تعزيز دورها الاقتصادي في المنطقة.
المستقبل والفرص المشتركة
مع تحسن الوضع الأمني في سوريا، من المتوقع أن تتسارع عملية تطوير العلاقات بين الهند وسوريا في المستقبل. وهناك فرص كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات متعددة مثل التعليم، حيث يمكن أن تقدّم الهند دعمًا أكبر في بناء مؤسسات تعليمية في سوريا، وكذلك في القطاع الطبي، حيث يمكن أن تسهم الهند في تطوير الخدمات الصحية في سوريا من خلال تقديم الخبرات والموارد اللازمة.
كما أن التعاون في مجالات التجارة والاقتصاد من المرجح أن يتطور مع تطبيع الأوضاع في سوريا. من الممكن أن تزيد صادرات الهند إلى سوريا، بما في ذلك السلع الاستهلاكية والأدوية، ويمكن أيضًا أن تتوسع فرص العمل في مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
اقرأ أيضًا: باحث هندوسي (مولوي ماهيش براشاد) له دور بارز في نشر اللغة العربية في الهند
وختامًا، يمكن القول بأن العلاقات بين الهند وسوريا آخذة في التطور على الرغم من التحديات الجسيمة التي تواجهها سوريا بسبب الحرب والصراعات الإقليمية. وتكمن أهمية هذه العلاقات في تعزيز التعاون المشترك في العديد من المجالات الحيوية مثل السياسة والثقافة والاقتصاد. ومن خلال العمل المشترك، يمكن أن تساهم الهند وسوريا في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط، وبالتالي تعزيز علاقاتهما الثنائية في المستقبل.
أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي