أ.د. رضوان الرحمن
الهند لها أعياد ومناسبات واحتفالات متعددة لها علاقة بالأديان والثقافات ومنها "عيد ديوالي" أي عيد الأنوار. وهو مهرجان يحتفل به ملايين من الهندوس والسيخ والجاينيين في الهند وخارجها في مختلف شهور السنة. وهو عيد انتصار الخير على الشر والنور على الظلام. كما يعدّ مناسبة للاحتفال بالحياة والأمل والرخاء. وتتم بهذه المناسبة عبادة الإلهة كالي والإلهة لاكشمي وغيرهما من الآلهة. ويصادف ديوالي بداية فصل الخريف كما يمثل نهاية موسم الحصاد.
ويسمى ديوالي أي عيد الأنوار أيضًا بديبآولي أي "سلسلة المصابيح المضاءة" وهو من أهم أعياد الهندوس في شبه القارة الهندية وغيرها من المناطق التي يستوطنها أصحاب الديانات الهندية. ويصادف العيد فصل الخريف ولكن تاريخه ليس بمحدد، إذ يحل في شهري أكتوبر أو نوفمبر، وأما هذا العام، فيصادف 31 أكتوبر الحالي. وبهذه المناسبة يتم تزيين المنازل والمحلات التجارية والأماكن العامة بمصابيح زيتية فخارية صغيرة وكبيرة تسمى "ديا" أو "ضياء" وهذه الأيام تم استبدال المصابيح الفخارية الزيتية بالمصابيح الكهربائية الملونة أيضًا. كما يستمتع الناس أيضًا بالألعاب النارية ويُعدون أنواعًا من الحلويات الهندية، التي تحظى بشعبية كبيرة لدى الجميع.
وحسب التقليد الهندي يستقبل الناس الزوَّار من الأحباب والأقارب في بيوتهم الذين يأتون بالحلويات والهدايا. وفي الأيام الأخيرة شاع صيت هذا العيد في الهند وخارجها إلى حد يشارك فيه أتباع جميع الأديان بمن فيهم المسلمون.
وعيد ديوالي له علاقة بأحداث دينية مختلفة وآلهة وشخصيات. وفي مثل هذا اليوم عاد الإله راما إلى مملكته في أيوديا مع زوجته سيتا وشقيقه لاكشمانا بعد هزيمة الملك رافانا. كما يرتبط هذا العيد على نطاق واسع بالإلهة لاكشمي، إلهة الرخاء، وغانيشا، إله الحكمة ومزيل العقبات. وينتسب العيد بالآلهة فيشنو وكريشنا ودورجا وشيفا وغيرها من آلهة الهندوس. وفي الأساس هو مهرجان هندوسي، ولكن يحتفل به أتباع الديانات الأخرى بمختلف أنواعه في مواسم مختلفة. ويحتفل الجينيون بعيد ديوالي الخاص بهم والذي يمثل التحرير النهائي لماهافيرا. كما يحتفل السيخ بمهرجان باندي تشور ديفاس وهو مناسبة إطلاق سراح غورو هارغوبيند من سجن الملك المغولي. وتحتفل طبقة من البوذيين بعيد ديوالي من خلال عبادة الإلهة لاكشمي.
وتبدأ الاحتفالات قبل يومين من ظهور الهلال، وتمتد إلى اليومين التاليين، حتى اليوم الثاني (أو السابع عشر) من شهر كارتيك الهندي. والليلة الأكثر ظلمة هي قمة الاحتفال. وذروة المهرجان تكون في اليوم الثالث وتسمى ديوالي الرئيسة. وفي دولة نيبال، هو أيضًا مهرجان متعدد الأيام، ولكن تختلف تسمية الأيام والطقوس فيطلق الهندوس عليه عيد تيهار، بينما يسميه البوذيون عيد سوانتي.
وأثناء المهرجان، يضيء المحتفلون منازلهم ومعابدهم وأماكن عملهم بمصابيح الزيت والشموع والفوانيس. والهندوس، على وجه الخصوص، لديهم حمام زيت طقسي عند الفجر كل يوم من أيام المهرجان. ويتميز ديوالي أيضًا بالألعاب النارية بالإضافة إلى تزيين الأرضيات بتصاميم رانجولي وأجزاء أخرى من المنزل بأنواع مختلفة من الأشياء. ويتميز هذا العيد بتحضير عدة أنواع من الأطباق ومشاركة العائلات في الاحتفال وتوزيع الحلاوى بين الناس. ويشهد هذا العيد أيضًا عودة الناس إلى أوطانهم والترابط مع الأقرباء بالخصوص في المناطق الحضرية. وتُعقد في العديد من المدن مسيرات ومهرجانات وعروض موسيقية ورقصية في المواقع الشعبية. ويرسل الناس رسائل تهنئة ديوالي إلى عائلاتهم القريبة والبعيدة وأحيانًا مع الحلويات الهندية. وهناك جانب آخر من المهرجان وهو تذكر الأجداد عن طريق القيام بالطقوس.
ذكر ديوالي في المؤلفات القديمة
نشأ عيد ديوالي في شبه القارة الهندية ويحتمل أن يكون مزيجًا من مهرجانات الحصاد في الهند القديمة. وتم ذكره في النصوص السنسكريتية المبكرة، مثل بادما بورانا وسكاندا بورانا تم تأليفهما في الفترة ما بين القرن السابع إلى القرن العاشر. وجاء ذكر كلمة "ديا" (المصباح) في "سكاندا كيشور بورانا" باعتباره يرمز إلى جزء من الشمس، ووصفته بمصدر للضوء الأبدي والطاقة لجميع أشكال الحياة. ويشير الإمبراطور هارشا إلى ديبافالي، في مسرحية "ناجاناندا" السنسكريتية من القرن السابع، باسم "ديبابراديبادوتساو" أي اليوم الأول من عيد الأضواء، حيث كانت تضاء المصابيح ويتم تبادل الهدايا. كما أشار المؤلف راجاشيكهرا في كتابه من القرن التاسع "كاوياميمهانسا" إلى ديباولي، حيث قد تم ذكر تقليد تبييض المنازل وتزيين المنازل والشوارع والأسواق في الليل بمصابيح الزيت. وتم وصف ديوالي أيضًا من قبل العديد من المسافرين من خارج الهند. وكتب الرحالة والمؤرخ الفارسي البيروني في مذكراته عن الهند في القرن الحادي عشر، عن احتفال الهندوس بديباوالي في يوم القمر الجديد في شهر كارتيكا. وزار التاجر والرحالة الفينيسي نيكولو دي كونتي الهند في أوائل القرن الخامس عشر وكتب في مذكراته أن في أحد هذه الأعياد أقاموا داخل معابدهم ووضعوا على الأسطح الخارجية خارج المنازل عددًا لا يحصى من مصابيح الزيت التي تظل مشتعلة ليلًا ونهارًا وتجتمع العائلات وتلبس ثيابًا جديدة وتغني وترقص وتحتفل. وكتب الرحالة البرتغالي في القرن السادس عشر دومينغو بايس عن زيارته إلى إمبراطورية فيجاياناجارا الهندوسية، حيث تم الاحتفال بديبافالي في أكتوبر حيث قام أصحاب المنازل بإضاءة منازلهم ومعابدهم بالمصابيح. كما ذكر المؤرخون المسلمون عن الاحتفاء بعيد ديوالي والمناسبات الهندوسية الأخرى في سلطنة دلهي والإمبراطورية المغولية. وكان الملوك المسلمون يرحبون بالناس بمناسبة ديوالي ويشاركون فيها. وأشارت المنشورات الصادرة في فترة الحكم البريطاني أيضًا إلى ديوالي، مثل المذكرة المتعلقة بالمهرجانات الهندوسية التي نشرها عالم فقه اللغة، السير ويليام جونز، عام 1799م، بملاحظاته المبكرة حول اللغات الهندية. وأشار جونز، الذي كان يقيم آنذاك في البنغال، إلى أربعة من أيام ديوالي الخمسة في أشهر الخريف من أسوينا-كارتيكا على النحو التالي: بوتاتشاتورداسي ياماتيربانام (اليوم الثاني)، لاكشميبوجا ديبانويتا (يوم ديوالي)، ديوتا براتيبات بيليبوجا (اليوم الرابع)، وبهاتري دويتيا (اليوم الخامس). ولاحظ جونز أن لاكشميبوجا ديبانويتا كان مهرجانًا رائعًا، تكريمًا للإلهة لاكشمي حيث كان يهتم الناس بالإضاءات على الأشجار والمنازل.
اقرأ أيضًا: جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي تطلق النموذج اللغوي "ناندا" للغة الهندية
وما عدا القيمة الروحية للعيد لدى المحتفلين به، فقد استطاع الهنود في العقود الأخيرة، تخليده والحفاظ عليه من خلال تحويله إلى حدث اقتصادي واجتماعي. ويجتذب العيد الآن المشاركين والمحتفلين حتى من غير الهندوس والسيخ والجاينيين. وذاع صيته في معظم أنحاء العالم بسبب ضخامة الاحتفالات وأعداد المحتفلين الهائلة. كما سارعت المؤسسات والشركات التجارية إلى تنظيم الاحتفالات والبرامج والمعارض والحفلات الغنائية والراقصة وإنتاج البضائع والمأكولات والحلويات الخاصة بالعيد وعرضها في الأسواق، وبالتالي تحقيق أرباح اقتصادية في معظم المجالات. وعيد ديوالي هي من تلك الأعياد التي يتم احتفالها في أنحاء الهند في أشكال مختلفة يشارك فيها أتباع جميع الأديان.