كيف تطورت ثقافة القهوة الحضرية في الهند؟

Story by  آواز دي وايس | Posted by  M Alam | Date 30-10-2024
كيف تطورت ثقافة القهوة الحضرية في الهند؟
كيف تطورت ثقافة القهوة الحضرية في الهند؟

 

تبريز أحمد

القهوة لا تُشرب على عجلٍ.. القهوةٌ أخت الوقت تُحْتَسى على مهلٍ.. القهوة صوت المذاق.. صوت الرائحة.. القهوة تأمّلٌ وتغلغل في النفس وفي الذاكرة.. القهوة هي هذا الصمت الصباحي الباكر.

هكذا قال الشاعر الفلسطينى محمود درويش في وصف القهوة. وإن الأدب العربي، من قديمه وجديده، مليء بذكر القهوة وسحرها. وهذا لا يقضي منه العجب لأن زراعة القهوة بدأت لأول مرة في شبه الجزيرة العربية بشكل منظم وتحديدًا في اليمن. ولكن المثير للإعجاب هو قصة دخول القهوة إلى جنوب الهند من اليمن، ثم انتشارها على يد الهولنديين والبريطانيين في العصور الحديثة. وإن هذه القصة هي رائعة جدًا وتحمل في طياتها دلالات ثقافية واجتماعية، إلى جانب معانيها الاقتصادية والاستهلاكية.

وقبل أن تصبح القهوة جزءًا مهمًا من التوسع الاستعماري الأوروبي منذ القرن السابع عشر، كانت القهوة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالثقافة العربية الإسلامية. وبحلول القرن الرابع عشر، اكتسبت شعبية واسعة بين العلماء و الصوفيين في العالم العربي الإسلامي، خاصة في اليمن حيث يشربونها ليبقوا مستيقظين  إلى ساعات متأخرة من الليل لأداء الصلاة، وقيام الليل ودراسة الكتب الدينية. وكانت المدن اليمنية هي أول من روج ثقافة القهوة الحضرية. ثم انتشرت هذه الثقافة في العالم الإسلامي كله من خلال التجارة. وبحلول عام 1500، افتتح أول المقاهي في العالم، في مكة المكرمة والقاهرة. وسرعان ما أصبح لكل مسجد في المدن الكبرى مقهى يلحق به أو يقرب منه حيث يناقش الناس الأمور الدينية. ثم تطورت ثقافة القهوة وتبوأت مكانة واسعة كمشروب اجتماعي في العالم الإسلامي.

وكان الصوفيون في اليمن يزرعون البن، وللحفاظ على سيطرتهم على زراعته، لم يسمحوا ببيعه إلا حبوبه المحمصة. وأما بيع الحبوب غير المحمصة فكان يعاقب عليه بالموت. وحسب أسطورة مشهورة ذكرها معظم المصادر الهندية أن الصوفي الهندي يسمى"بابا بودان" خلال رحلته للحج إلى مكة المكرمة في عام 1670م، زار مدينة المخا، مدينة ساحلية تقع في اليمن على ساحل البحر الأحمر، وقام بتهريب سبع حبات من القهوة إلى الهند، مخفيًا إياها في لحيته، وزرعها في تلال تشاندراجيري في ولاية كارناتاكا، حيث يقع ضريحه في بابا بودان جيري. ونوع القهوة الذي جلبه من اليمن يُعرف الآن باسم أرابيكا. مع هذا، إن الهولنديين والبريطانيين هم الذين قاموا بزراعة القهوة التجارية بشكل كامل وجعلوها شائعة.

ويحتج المؤرخ الهندي إيه. آر. فينكاتاشالاباثي في كتابه "في تلك الأيام لم تكن هناك قهوة"، قائلاً: رغم أن القهوة كانت تُزرع في منطقة ميسور منذ القرن الثامن عشر، فإنها ظلت مشروبًا للأوروبيين في الغالب. وقد دخلت القهوة في حياة الهنود في أواخر القرن التاسع عشر أو أوائل القرن العشرين، وإن ثقافة القهوة لم تحصل شعبية في  الهند إلا في أواخر القرن العشرين كمشروب اجتماعي. وكانت القهوة تعتبر رمزًا للحداثة وجزءًا من الاحتكار الاستعماري بالمعنى الثقافي والاقتصادي وجزءًا من سياسة التمييز العنصري للحكام الإنجليز الذين لا يسمحون للهنود الأصليين بدخول هذه المقاهي.

وخلال الحرب العالمية الثانية، تأثرت سوق تصدير القهوة الهندية إلى أوروبا وأمريكا الشمالية حيث يكثر استهلاكها. فنظرًا إلى هذه المعضلة، قام م. ج. سايمون، الأمين العام لمجلس القهوة الهندي، بتوسيع شبكة المقهى وتعميمها في أنحاء الهند. وفي عام 1942، تم فتح مقاهي جديدة في بناراس ولكناؤ وكولكاتا، وسُجّل تقدم ممتاز في كولكاتا. وفي عام 1943م، أفاد مجلس القهوة بأنه تلقى تقارير تقديرية عن المقاهي في نيودلهي ولكناؤ وبناراس وكولكاتا وحيدر آباد وغيرها. وبحلول عام 1944م، كانت المقاهي ناجحة، حيث تحقق تقدم جيد من جميع المراكز. وبحلول منتصف الأربعينيات، أصبحت المقاهي شركة مزدهرة في جميع أنحاء الهند البريطانية. وخلال هذه الفترة، جعلت ثقافة القهوة الحضرية تتسرب إلى المجتمع الهندي.

وفي عهد ما بعد الاستعمار، اكتسبت المقاهي معانٍ جديدة، لأنها ظهرت كمواقع للفضاء العمومي، توفر، وسط تقلص المساحات العامة بسبب التحضر السريع والعشوائي، أمكنة ديمقراطية للباحثين والكتاب والشعراء والفنانين والأدباء أن يناقشوا ويباحثوا ويتجاذبو أطراف الحديث.

اقرأ أيضًا: من هو الأستاذ مظهر آصف الذي عُيِّن شيخَ الجامعة الملية الإسلامية المرموقة؟

وبعد انقسام الهند في عام 1947م، ذهبت بعض فروع المقاهي الهندية في باكستان وبقيت بعضها في الهند. ولكن مع التحول المفاجئ في السياسية الهندية، قرر مجلس القهوة إغلاقها أو بيعها لشركات خاصة. فاندلعت ضد هذه الخطوة الرسمية، احتجاجات لعمال المقاهي والتي أجبرت الحكومة الهندية والمجلس على تسليمها إلى عمال القهوة الذين قاموا بعد ذلك بتشكيل جمعيات تعاونية لإدارتها. وهكذا، تحولت المؤسسة الاستعمارية إلى نوع خاص من المنطقة المستقلة التي وفرت مواقع حيوية للاحتجاجات والمقاومة. المقاهي الهندية لها فروع في كثير من الولايات الهندية. منها، المقاهي الهندية في ولاية كيرالا، المقهى الهندي في جابالبور، المقهى الهندي في شملا، والمقهى الهندي في بنغالور، والمقهى الهندي في نيودلهي والمقهى الهندي في كولكاتا. ويتمتع الفرعان الأخيران بمكانة فريدة في التاريخ الثقافي والسياسي للهند، وفرعها في كولكاتا يشتهر بكونه ملتقى للمثقفين ويرتبط بـ"نهضة البنغال" والنقاشات السياسية ويحظى بشعبية كبيرة حيث أصبح جزءًا مهمًا للذاكرة الثقافية، وحصلت "أغنية المقهى" في اللغة البنغالية، للمغني الهندي مانا دي، مكانة بارزة في المجتمع البنغالي.

تبريز أحمد باحث في المركز الثقافي العربي الهندي بالجامعة الملية الإسلامية بنيودلهي