الأستاذ الدكتور سيد إحسان الرحمن: مسيرة علمية حافلة بالتدريس والتأليف والترجمة

Story by  Prof. Rizwanur Rahman | Posted by  M Alam | Date 16-10-2024
الأستاذ الدكتور سيد إحسان الرحمن: مسيرة علمية حافلة بالتدريس والتأليف والترجمة
الأستاذ الدكتور سيد إحسان الرحمن: مسيرة علمية حافلة بالتدريس والتأليف والترجمة

 

أ.د. رضوان الرحمن

كان الأستاذ الدكتور سيد إحسان الرحمن من أشهر أساتذة اللغة العربية المعاصرين، الذي قام بتدريس اللغة العربية أربعين سنة بكلية في ولاية تاميل نادو وجامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي. وخلال هذه العقود الأربعة في الخدمة درّس الأستاذ تلاميذه الأدب والنحو والصرف ودرّبهم في الترجمة الكتابية والشفهية وترك خلفه كادرًا كبيرًا من المعلمين والمترجمين الذين يشتغلون بمختلف المؤسسات التعليمية والإدارية في الهند وخارجها، كما ألّف الأستاذ عددًا من الكتب والقاموس، إلى جانب ترجمته مؤلفات عديدة إلى العربية والأردية.

وُلد الأستاذ الدكتور سيد إحسان الرحمن في العاشر من مارس عام 1945م في حيّ دريا غنج الواقعة في مدينة دلهي القديمة في أسرة متدينة. وحصل على التعليم الابتدائي من الكتّاب في نفس الحي وانتقل بعده إلى المدرسة الحكومية حيث أكمل تعليم مرحلتي الثانوية والثانوية العامة. وأكمل شهادة البكالوريوس من كلية ذاكر حسين دلهي في عام 1966م وحصل على شهادة الماجستير من جامعة دلهي في عام 1968م. وبدأ الأستاذ أعماله التدريسية ولذلك تأخر في الحصول على شهادة الدكتوراه التي نالها من جامعة بنارس الهندوسية في عام 1989م بعنوان "السيد علي بن أبي طالب: تعاليمه السياسية والدينية كما تنعكس في خطبه".

وكان الأستاذ يجيد اللغات العربية والأردية والهندية والإنجليزية، كما كانت له القدرة على الكلام في اللغة التاملية حيث إنه قضى أكثر من أربعة أعوام في كلية كمحاضر بولاية تاميل نادو. كما كان الأستاذ يعرف اللغة الفرنسية واللغة الفارسية وكانت عنده شهادة الكفاية وشهادة الدبلوم في كلتا اللغتين.

وبعد الحصول على شهادة الماجستير حاول الأستاذ إحسان الرحمن الحصول على وظيفة التدريس في دلهي ولكن لم ينَلْها فالتحق بصفته محاضرا بكلية الحاج غوث كروثا راوثر باوتاما باليام الواقعة في ولاية تاميل نادو في عام 1970م. ثم انتقل إلى مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو في عام 1974م كأستاذ مساعد وأدى دورًا فعالاً في جعل هذا المركز مركزًا مهمًا للدراسات العربية. وتم ترقيته إلى الأستاذ المشارك في عام 1982م والأستاذية في عام 1996م. وخلال هذه الفترة الطويلة ترأس الدكتور إحسان الرحمن مركز الدراسات العربية والإفريقية ثلاث مرات من 1988 إلى 1990م ومن 2001 إلى 2003م ومن 2008 إلى 2010م. وخلال فترات رئاسته اتخذ الأستاذ خطوات ملموسة لترقية المركز وجعله من أعرق مراكز الدراسات العربية في الهند. وتقاعد الأستاذ من خدمة الجامعة في مارس عام 2010م ولكن استمر القيام بخدمة العلم والأدب المتمثلة في أعماله العلمية المنشورة وغير المنشورة.

وإلى جانب خدمات التدريس والإدارة في الجامعة، تم تعيينه على منصب مدير "مركز مولانا أبي الكلام آزاد للثقافة الهندية" بالقاهرة التابعة للمجلس الهندي للعلاقات الثقافية نيودلهي من عام 1995 إلى 2000م. كما تولى رئاسة مجلة "ثقافة الهند" الفصلية الشهيرة الصادرة عن المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، وزارة الخارجية الهندية، في عام 2015 لسنتين. ومُنح له وسام الشرف والتميز اعترافًا بخدماته الباهرة في مجال اللغة العربية وآدابها من قبل رئيس جمهورية الهند في عام 2002م. وتوفي الأستاذ إحسان الرحمن في 16 من شهر أكتوبر عام 2021م عن عمر ناهز 76 عامًا.

إسهاماته العلمية

ألف الأستاذ إحسان الرحمن عددًا كبيرًا من الكتب حول تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها في الإنجليزية والهندية ونشر سلسلة الكتب المدرسية لطلاب المدارس والجامعات ومقالات علمية حول مختلف الموضوعات، وساهم في إعداد الكتب المدرسية مع أساتذة آخرين، ودوّن قواميس اللغة العربية. كما ترجم الأستاذ عددًا لا باس به من الكتب العربية إلى الأردية وعرّب قصصا هندية إلى العربية. وإليكم بعض مؤلفاته الممتازة.

الكتاب المدرسي "الجديد في اللغة العربية" (في جزئين) المنشور في عام 1977م وهو من الكتب الممتازة للأستاذ الذي اشتهر في أنحاء الهند ولا يزال يوجد في مقرّرات دراسية في المدارس والكليات. والأستاذ ركّز بالخصوص على مجال الترجمة والنحو والمحادثة في العربية الذي يظهر من مؤلفاته مثل "الترجمة: الفن والتقليد" و"ترجمه - فن اور روايت" (في الأردية) و"عربي مين انواد كلا كي برمبرا- ويكاس ايوم انودت كهانيان" (في الهندية) و" فن الترجمة" و"كتاب المحادثة العربية الهندية" و"ليت اس اسبيك عربك" (في الإنجليزية) و"اللغة العربية الحديثة بالخط الديفاناغاري" (في الهندي) و" تسهيل العربية". وبالإضافة إلى هذه الكتب نشر الأستاذ عددًا كبيرًا من المقالات في ثلاث لغات حول الأدب العربي ومشاكل الترجمة والنحو العربي وتعلّم اللغة العربية.

وانطلاقًا من حرصه الكبير على تيسير تعليم العربية لغير الناطقين بها، ألّف الأستاذ كتابًا شهيرًا في الإنجليزية وعنوانه "تيش يورسيلف أربيك" (Teach Yourself Arabic) نال شهرة واسعة في مختلف أنحاء البلاد، كما ترجم عددًا من كتب التراث العربي إلى الأردية ومن أهمها "حياتي" السيرة الذاتية لأحمد أمين و"رحلة أمينة السعيد إلى الهند" وبقي إصدار ترجمة كتاب "في حب نجيب محفوظ" لرجاء النقاش وقواعد النحو والمحادثة (في الإنجليزية). ونشر الأستاذ ترجمة الأدب الهندي إلى العربية وأشهرها مجموعة "قصص هندية" (2009) كما ترجم كتب كبار العلماء الهنود إلى العربية ومنها "اختراعات غيّرت العالم" (1973) و"رومانسية الطوابع البريدية" (1976) و"قصة أنهارنا" (1976) و"حكايات شعبية من آسيا" (1978) و"عالم الكتب الرائع" (1980) و"راماينا (المصور)" (1986).

وللأستاذ إسهام في إعداد القواميس والمعاجم التي نُشرت من دور النشر المختلفة في الهند ومنها "القاموس الهندي-العربي" و"إيه دكشنري آف مسلم نيمز" و"إيه دكشنري آف ايبريويشنس إنكلش-عربك (معجم المختصرات) (إنجليزي-عربي)". هكذا ألف وترجم الأستاذ أكثر من ثلاثين كتابًا في مختلف اللغات.

وشارك الأستاذ في مؤتمرات وندوات حول اللغة العربية وآدابها في الهند وخارجها. كما ألقى محاضرات في دورات تدريبية في جامعة مني بور ووزارة الشؤون الخارجية بنيودلهي ووزارة سكة الحديد التي عُقدت لتدريب المسؤولين في اللغة العربية. كما عمل من حين لآخر لقسم اللغة العربية في إذاعة عموم الهند مذيعًا ومترجمًا. كما أعد لها سلسلة الحديث باللغة العربية حول المهرجانات والمناسبات الهندية.

كما شارك في ورش لإعداد الكتب المدرسية لمختلف المؤسسات التعليمية لحكومة الهند، وكان من أعضاء لجان الدراسات والبحوث التابعة لمختلف أقسام اللغة العربية التابعة بالجامعات الهندية.

اقرأ أيضًا: معلِّم مثالي ومربي حكيم.. الأستاذ محمد واضح رشيد الندوي

فكان الأستاذ سيد إحسان الرحمن من الأعلام البارزين في الهند في فن الترجمة، وكانت له مهارة فائقة في اللغات الهندية والأردية والعربية والإنجليزية. فاحتل مكانة مرموقة بين الكتاب والأدباء الهنود الذين أجادوا اللغة العربية الحديثة نطقًا وكتابةً.

وكان الأستاذ إنسانًا رائعًا ومعلمًا عطوفًا ومربّيًا مخلصًا. وكان الطلبة يستفيدون من خبراته الطويلة في مجال الدراسات العربية حتّى بعد تقاعده من خدمة الجامعة. ولقد خلق الأستاذ بيئة التعليم والتعلم في مركز الدراسات العربية والإفريقية التي لا تزال باقية. كما ترك خلفه عددًا كبيرًا من تلاميذه الذين يقومون بتدريس اللغة العربية وآدابها في مختلف المؤسسات التعليمية في الهند ويساهمون في ترويج اللغة العربية في البلاد.فيستحق الاعتراف بخدماته العلمية الغنية حق الاعتراف وإجراء البحث في أعماله في مجال الترجمة وتدريس اللغة العربية.

أ.د. رضوان الرحمن هو أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية ورئيسه سابقًا، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي