عادات وتقاليد المجتمع الإسلامي في ولاية آسام

Story by  Prof. Ashfaq Ahmad | Posted by  M Alam | Date 10-10-2024
عادات وتقاليد المجتمع الإسلامي في ولاية آسام
عادات وتقاليد المجتمع الإسلامي في ولاية آسام

 

أ.د. أشفاق أحمد

قدم المسلمون إلى آسام في مستهل القرن الثالث عشر الميلادي. وسرعان ما أصبحوا جزءًا لا ينفك للمجتمع الآسامي، وساهموا في تطوير ثقافة الولاية وترقيتها اقتصاديًا وتعليميًا. وفي القرون اللاحقة، وصل المسلمون إلى معظم المناطق للولاية، وبهم انتشر التعليم الإسلامي والشريعة الإسلامية والعقائد الإسلامية. وتأثر المسلمون بشتى التقاليد المحلية عبر القرون، ولكنهم استطاعوا في الحفاظ على هوياتهم الدينية والثقافية.

ولاية آسام منطقة غنيّة بالموارد البشرية والمعادن الطبيعية. وتسكن فيها الكثير من القبائل، وكل قبيلة لها خصائص وميزات. وتنوعت فيها الأعراق، والثقافات، والديانات، واللغات، والآداب، والعادات، والتقاليد. وهي منطقة تزخر بشتى الموارد الطبيعية والمناظر البهيجة الخلّابة، كما توجد فيها أنواع من الطيور والحيوانات، وتكثر فيها الغابات، والثمرات. وهي منطقة استراتيجية مهمة لوقوعها على حدود بوتان وبنغلاديش. وتعتبر هذه الولاية أيضًا أهم الولايات في شمال شرقي الهند  لمواجهة التهديدات الصينية.

انقسمت هذه الولاية الهندية طبيعيًا إلى منطقتين مستقلتين جغرافيًا ولغويًا وثقافيًا، وهما وادي نهر براهمابوترا، ووادي نهر باراك. وادي باراك يقع في جنوب آسام ويحوي ثلاث مديريات. وتقع بين هذين الواديين ولاية ميغالايا والهضبات والجبال والغابات. ويشمل وادي براهمابوترا أكبر مساحة للولاية، ويستوطن فيها أكثر سكانها. والأغلبية الساحقة لسكان وادي باراك هم البنغاليون، وهم يشاركون ثقافة سكان سيلهات في بنغلاديش ولغتهم.

وأما وادي براهمابوترا، فيسكن فيها الآهوم/الآساميون، والبنغاليون، وأشتات القبائل. وتختلف لغة الآساميين وثقافتهم عن لغة البنغاليين وثقافتهم، وتختلف أيضًا بعض عاداتهم وتقاليدهم. وأما قبائل هذه الولاية، فكل قبيلة تختلف عن الأخرى في لغتها وثقافتها وعاداتها. وهذا المقال يتحدث بالخصوص عن ثقافات سكان وادي باراك وتقاليدهم وتعليمهم.

الخصائص الاجتماعية

ينقسم المسلمون في آسام إلى أشتات الطبقات الاجتماعية. ويستخدمون مع أسمائهم ألقابًا، وهذه الألقاب تعيّن مكانتهم في المجتمع. ومن الألقاب السائرة هي: تَشودهري، ومازومدارْ، وباربُهويا، وماجار بُهويا، وبُهويا، وبارْ لَسكر، ولسكر (لشكر /عسكر)، وتَعْلُقدار. وكل من يستخدم لقبه مع اسمه يعرف جيدًا مكانته الاجتماعية في مجتمعه.

وإن التفاوت الاقتصادي بين المسلمين كبير، والروابط الاجتماعية بينهم غير قوية. ترى الرجل الغني يعيش حياة مترفة، وهو لا يبالي كثيرًا بجاره الفقير. وروابط حياتهم الجماعية ضئيلة في المدن.

فإن المسلمين في آسام ينتمون عادةً إلى الطبقة الاقتصادية الفقيرة. ومن أهم الأسباب لهذا الوضع هي تخلفهم في مجال التعليم. ومن الأسباب الرئيسة لهذا التخلف السائد في المجتمع المسلم في آسام هي عدم رغبتهم في تعليم بناتهم، وتمكينهن من الحصول على الوظائف. وهذا ليس خاصا بالمسلمين في آسام، بل في الواقع يسود هذا الفكر في سائر الهند.

التعليم الإسلامي

أهم مراكز التعليم الديني في آسام هي المدارس الإسلامية. والمساجد أيضًا تؤدي دورًا مرموقًا في نشر التعليم الإسلامي. وإن المدارس الإسلامية بمسمياتها المتعددة منتشرة في أغلب المناطق بولاية آسام. ومنها المدارس التي يتم تمويلها من تبرعات المسلمين وخيراتهم. وكانت هناك أيضًا بعض المدارس التي كانت تمولها حكومة ولاية آسام حتى عام 2022م، وفيما بعد قامت حكومة الولاية بتغيير أسماء 1281 مدرسة إسلامية إلى اسم مدارس "الإنجليزية المتوسطة"، بهدف التركيز على العلوم العصرية لكي لا يتخلف طلاب هذه المدارس الإسلامية الحكومية في أي مجال من مجالات التعليم، ولكي يواكبوا متطلبات العصر. وتدرّس العلوم الإسلامية، والعلوم العصرية في هذه المدارس على مختلف المستويات، إلى جانب اللغة العربية وفنونها. ويُلقَّب المتخرجون في هذه المدارس بـ"مولانا"، ويسمون أيضًا بـ"جُناب"، و"مِيان صاحب".

الاحتفال بالعيد

يهتم المسلمون في الولاية بالعيدين اهتمامًا بالغًا. وفي هذه المناسبات، يلبسون ألبسة جديدة، خاصة "كُرتا باجاما"، و"اللونغي"، ويأكلون أنواعًا من الأطعمة اللذيذة، ويؤدون صلاة العيدين في "عيد كاه"، أو في المساجد. وبعد الصلاة، يرحب بعضهم بعضا بـ"عيد مبارك"، ويعانقون. والمرأة لا يسمح لها علماء الإسلام بأداء صلاة العيدين، كما لا يسمحون لها القيام بأداء صلاة الجمعة.

ويجتمع الكثير من المساكين في جانبي بوابة "عيد كاه" (المصلى- المكان الذي تؤدى فيه صلاة العيدين) للتسوّل. وتنصب البوابات في الشوارع الرئيسة، وأحيانًا ينفق المسلمون أموالاً طائلةً من أجل تنوير مناطقهم. ومن عاداتهم، زيارة منازل أقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم. وأما عيد الأضحى، فيسمّونه "بَكْرَ عِيد" أو "بَقرَ عِيد"، ويهتمون كثيرًا بـتقديم "القرباني" (الأضحية).

شب بَرَات

شب بَرَات (ليلة البرأة) الذي يعرف بـ"نُمازِيرْ دِن" أو يوم الصلاة، هو احتفال مهم بالنسبة إلى المسلمين في هذه المنطقة. ويعتقد بعض المسلمين بأن أرواح الموتى تزور بيوتهم في هذا الليل المبارك. ويزور الكثير من الرجال والنساء أضرحة الأولياء والصوفية والمرشدين، كما يزورون زوايا الصوفية وتكاياهم، التي تُعرف بـ"مُقام"؛ ليتبركوا بها ويتوسّلوا بمن فيها إلى الله. وفي هذه المناسبة، يتم تنوير معظم البيوت بالشموع والمصابيح الكهربائية المزيّنة، كما هي العادة بين الهندوس في مناسبة "دِيْباوَلِي" أو عيد الأنوار.

الاحتفال بالمحرم

يُسمّى شهر المحرم الحرام بشهر "الرُوتي" (الخبز–الرزق)، والسُّوجي (قسم من الحلويات). ويحتفل بعض أهل السنة بـ"التازِية". والمسلمون يحتفلون بـ"ميلاد النبي" على نطاق واسع. وبعض المسلمين يشاركون في الأعياد المحلية كـ"عيد الأنوار" (ديباولي) و"عيد الألوان" (هُولي)، وكذلك في عيد "بِيهو"، ويعد بيهو أكبر الأعياد وأجلّها في ولاية آسام.

الاحتفال بشهر رمضان

يهتم المسلمون بهذا الشهر المبارك اهتمامًا كثيرًا. ويتناول الصائمون السحور، ويفطرون عادة بالتمر والحلويات وبعض الأطعمة المقلية والحمص. و"الكِهجْرِي" أو "الكوشري" طعام معروف في بيوت المسلمين خلال شهر رمضان. وترسل الحلويات وأنواع من الأطعمة إلى الجيران والأقارب، وخاصة إلى أسرة زوج البنت، ويسمى هذا التقليد بـ"إرسال الإفطاري".

الزواج

عادة يتم زواج الفتى والفتاة في عمر متأخر. ويتم الختان أيضًا في وقت متأخر. ويتم تحديد المُهر عند الزواج بمبلغ كبير. وإن المطالبة بـ "الدُورِي" (الدوطة) قليلة بين المسلمين. وعلى الرغم من عدم المطالبة بالدوطة، يتم تقديم الهدايا إلى العريس سيارة أو ذهبا أو قطعة من الأرض وغيرها من الأشياء الثمينة، إذا انتمى إلى أسرة غنية. ويتم إرسال الأثاث المنزلي، والأواني، والتلفزيون، والثلاجة وغيرها من الأشياء التي تُستخدم يوميًا، إلى بيت العريس.

وعادة تستمر احتفالات الزواج لثلاثة أيام. وفي مساء اليوم الأول، يتم استعمال الحناء والتجميلات كالكركم على أبدان العروس والعريس في حضور ملحوظ من الأقارب والجيران. وفي اليوم الثاني يأتي "البارات" (حشد من الناس) إلى بيت العروس. واليوم الثالث هو يوم الوليمة من قبل العريس. وأحيانًا يتم اتباع التقاليد المحلية؛ فترقص الفتيات والنساء على الأغاني المحلية أو الفولكلور، ويلقى الماء على قدمي العروس خارج العتبة عند قدومها لأول مرة إلى منزل العريس.

العقيقة

هذه السنة النبوية ليست سائدة بين المسلمين؛ فيقوم بأدائها القليل من الناس. ونسبة الطلاق قليلة في هذا المجتمع. والمرأة عادة تحتل مكانة سامية في الأسرة والمجتمع. والعنف والجرائم ضد النساء قليلة. والفتاة أو المرأة المسلمة تخرج من بيتها إلى المعاهد التعليمية، والأسواق، والمكاتب دون خوف. وتلبس المرأة المسلمة لباسًا فضفاضًا يغطّي جسمها بشكل كامل. وبعض الفتيات المسلمات يلبسن الجينز، والقميص القصير، والألبسة الأخرى السائدة في المجتمع. ولا تتمتع المرأة في هذا المجتمع المحافظ بالحرية في كثير من السلوك والأعمال. ونسبة التعليم بين النساء قليلة.

وتأثرت جماعات مسلمة في هذه المنطقة بالعديد من التقاليد الهندوسية، وقد ذكرنا بعضهًا آنفًا. ومن التقاليد غير الإسلامية التي توجد في بعض الجماعات المسلمة هي لمس الصغار قدمي الكبار تبركًا بهم أو احترامًا لهم في مناسبات خاصة. ومنها "الشيرني" (Shirni)  وهو تقديم شيء في سبيل الله أو إنفاق مال احتفالا بشيء خاص. ويدعو المسلمون عددًا من علماء الدين وطلبة المدارس الإسلامية إلى بيوتهم بمناسبة بدء شيء جديد مهم أو لإنجاز عمل خاص، فيتلون ما تيسّر لهم من القرآن الكريم، ويدعون الله له بمزيد الخير والبركة، ويأكلون ثم يرجعون بالفلوس والهدايا. ويتم توجيه الدعوة إلى علماء الإسلام لافتتاح دكان جديد أو بيت جديد أو مؤسسة جديدة، ليتلوا ما تسير لهم من القرآن لمطاردة الشياطين أو الأرواح الشريرة، ثم يتم توزيع الشيرني بين الناس.

اقرأ أيضًا: صناعة الخيزران في الهند واستخدامه المتنوع

وفي هذا المقال الوجيز، لا يمكن استيعاب جميع العادات والتقاليد والاحتفالات المرتبطة بالمسلمين في آسام. ومن اللافت للنظر أن مسلمي هذه الولاية يتقدّمون إلى الأمام في أغلب مجالات الحياة، ويتغيّر مجتمعهم شيئًا فشيئًا، ويتحسّن مستوى حياتهم الفردية والاجتماعية، وتتعزز جذورهم الثقافية.

أشفاق أحمد هو أستاذ بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي