الشاي الهندي: من عبق الماضي إلى رمز عالمي

Story by  آواز دي وايس | Posted by  M Alam | Date 21-05-2024
صناعة الشاي في الهند
صناعة الشاي في الهند

 

د. عادل عفان

يشتهر شرب الشاي كمشروب تقليدي حول العالم، لما له من فوائد صحية وقدرة على تخفيف التوتر والإرهاق. فهذا المقال يكشف عن عمق التأثير الذي أحدثه الشاي الهندي في حياة الملايين في العالم وخاصة في الهند. وتُعد الهند ثاني أكبر منتج للشاي على مستوى العالم بعد الصين، حيث تساهم بنسبة تتراوح بين 25% إلى 28% من إجمالي إنتاج الشاي على المستوى العالمي، وذلك وفقًا لتقديرات خلال العقدين الماضيين. وعلى الرغم من قوة إنتاجها، فإن الهند أيضًا هي أكبر مستهلك للشاي في العالم، حيث يستهلك السكان المحليون ما يقرب من 80% من الشاي الذي يتم إنتاجه داخل البلاد، وهذا يجعلها لاعبًا رئيسًا في إنتاج الشاي واستهلاكه عالميًا.

من رحلة استعمارية إلى اعتراف عالمي

ارتبطت نشأة الشاي الهندي ارتباطًا وثيقًا بالاستعمار البريطاني. ففي مطلع القرن التاسع عشر، سعت شركة الهند الشرقية، بحثًا عن بديل للشاي الصيني، إلى زراعته في التلال الخضراء بولاية آسام، واكتشاف نباتات الشاي الأصلية في المنطقة بمثابة نقطة تحول، حيث برزت آسام كمنتج رائد للشاي بحلول منتصف القرن، مع حلول مزارع الشاي الواسعة محل الممارسات الزراعية التقليدية. ويقدّم مؤلف شهير وباحث تاريخي السيد إي جايوانت بول في كتابة الشهير "قصة الشاي" سردًا ممتعًا وسلسلاً لتاريخ الشاي، ويتناول الكتاب رحلة الشاي عبر العصور، من نشأته في الصين إلى انتشاره في جميع أنحاء العالم، مرورًا بزراعته وتصنيعه وطرق تحضيره وتقاليده المتنوعة. ويُبحر بنا المؤلف في رحلة ممتعة عبر الزمن، ليروي قصة اكتشاف الشاي في العصور القديمة، وكيف افتتن به الناس في مختلف الثقافات، ويكتب بالتفصيل تاريخ اكتشاف الشاي في الشرق، مُشيرًا إلى أول دليل علمي على وجوده في معجم صيني قديم يعود إلى عام 350 قبل الميلاد. ويُسلّط الضوء على انتقال الشاي من الصين إلى اليابان، ثم يغوص المؤلف في رحلة الشاي إلى الغرب، مُركزًا على رواجه في بريطانيا، التي تُعد أكبر مستهلك للشاي في العالم، ثم سلّط الضوء على جهود شركة الهند الشرقية البريطانية لنشر زراعة الشاي في مختلف أنحاء العالم وخاصة في الهند.

مزيج فريد من التقاليد والتكنولوجيا في مزارع الشاي الهندية

تُتيح جغرافية الهند المتنوعة مزيجًا غنيًا من الظروف المناخية، ممّا يُثري نسيج نكهات الشاي الهندي. فولاية آسام، معقل الشاي الهندي، تُنتج مشروبًا قويًا وكامل القوام، فيما تشتهر مدينة دارجيلينج، الواقعة على سفوح جبال الهيمالايا، بنكهة المسك الفريدة. وتُساهم كل من المناطق المميزة الأخرى مثل نيلجيري ومونار وكانجرا بنكهاتها المميزة في سيمفونية الشاي الهندي.

وقطعت زراعة الشاي في الهند منذ جذورها الاستعمارية شوطًا هائلاً. فاليوم، تفتخر الصناعة بمزيج فريد من التقاليد العريقة والتكنولوجيا المتطورة. ففي حين، تعد عملية قطف أوراق الشاي يدويًا مهارة تقليدية تُمارس في العديد من المناطق، مثل دارجيلينج في الهند، ولكن تُستخدم، الآن، تقنيات حديثة لزيادة الإنتاج والحفاظ على جودة أوراق الشاي. وتُعدّ منطقة دارجيلينغ، الواقعة على سفوح جبال الهيمالايا، وجهة مُحبّبة لعشاق الشاي، حيث تُنتج شاي دارجيلينج الشهير بلونه الفاتح وعطره المميز. وتُساهم هذه المنطقة بحوالي 25٪ من إجمالي إنتاج الشاي في الهند، وتضم حوالي 80 مزرعة شاي عاملة.

كما تُعدّ ولاية آسام أكبر منطقة منتجة للشاي في الهند، حيث تتم زراعة الشاي بشكل رئيس في منطقة وادي نهر براهمابوترا. وتُتيح هذه المنطقة لعشاق الشاي فرصة الاستمتاع بزيارة مزارع الشاي، والإقامة وسط أجواء طبيعية خلابة. وينظّم مجلس السياحة في ولاية آسام مهرجان الشاي سنويًا، حيث يُمكن أن يستمتع عشاق الشاي بمشاهدة مزارع الشاي الجميلة، وتجربة رحلات نهرية ممتعة مع احتساء الشاي الساخن. كما يمكنهم زيارة مركز غواهاتي لمعرض الشاي، وهو الأكبر في الهند.

وتُعدّ منطقة مُونار في ولاية كيرالا وجهةً مثالية لعشاق الشاي، حيث تنتشر مزارع الشاي الخصبة في جميع أنحاء المنطقة وكذلك منطقة وياناد، وهي منطقة جبلية خصبة في ولاية كيرالا، وجهةً أخرى رائعةً لعشاق الشاي، حيث تُنتج كميةً كبيرةً من الشاي. وتعتبر ولاية كيرالا من أهم المناطق المنتجة للشاي في البلاد، فتساهم مساحات واسعة من التلال المورقة والمناخ الرطب المعتدل في الولاية في إنتاج بعض أنواع الشاي الأسود المعروفة عالميًا. وتتميز تربة ولاية كيرالا بأنها غنية بالمواد العضوية، مما يضفي على شاي الولاية نكهة مميزة وقوة عالية. وتؤدي  كيرالا دورًا محوريًا في صادرات الشاي بالهند، حيث تساهم بأكثر من 50% من إجمالي إنتاج الشاي في الهند. ويُعد الشاي المُنتَج بكيرالا من الأصناف المُفضلة للتصدير بسبب جودته العالية ونكهته المميزة. وبالإضافة إلى ذلك، تساهم صناعة الشاي في كيرالا في تنمية السياحة بالولاية، حيث تجذب مزارع الشاي الخضراء الجميلة عددًا كبيرًا من السياح المحليين والأجانب على حد سواء.

وتنتج ولاية تاميل نادو وولاية كَرناتاكا في جنوب الهند الشاي أيضًا. فيتم زراعة الشاي في نيلجِيري وأنامالاي في تاميل نادو في أجواء معتدلة ومناظر طبيعية خلابة، مما يضيف نكهة مميزة لأوراق الشاي. وأما ولاية كرناتاكا فتشتهر بإنتاج الشاي في منطقتي كوداجو وكيلاجور الواقعتين على سفح جبال غاتس الغربية. وعلى الرغم من أن إنتاج الشاي في كرناتاكا أقل مقارنة بالمناطق الأخرى، فإنه اكتسب شهرة بين عشاق الشاي. ويستهلك معظم الشاي الذي يتم إنتاجه في الولايتين محليًا، ولكن هناك اهتمام متزايد بتصدير أنواع الشاي الخاصة.

الشاي ثقافة راسخة وركيزة اقتصادية

يتجاوز دور الشاي في الهند كونه مجرد مشروب عادي، ليُصبح حجر الزاوية في التفاعل الاجتماعي. فهو صديق مُريح في لحظات التأمل، ووسيلة لإظهار الاحترام والترحيب بالضيوف في منزل المضيف. ويُعد "كشك الشاي" المتواجد في كل مكان، بمثابة معلم ثقافي يجتمع فيه الناس من مختلف مناحي الحياة لتناول كوب من الشاي وتجاذب أطراف الأحاديث. كما أن الشاي جزء لا يتجزأ من المهرجانات والاحتفالات، ورمز للكرم وحسن الضيافة والعمل الجماعي. ويُعتبر الشاي الهندي محركا اقتصاديا مهما للهند وتُعد صناعة الشاي في الهند مساهمًا هائلاً في اقتصاد البلاد، حيث تحتل الهند المرتبة الثانية عالميًا في إنتاج الشاي، وتمثّل حصة كبيرة من تجارة الشاي الدولية، ممّا يُترجم إلى مليارات الدولارات من عائدات النقد الأجنبي، ويعزّز مكانة الهند الاقتصادية. وتعتبر صناعة الشاي دعامة أساسية للعمالة وسبل العيش في الهند، إذ توفر هذه الصناعة فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لملايين الأشخاص في جميع أنحاء البلاد. فتضمن صناعة الشاي، من عمال المزارع والقطّاف إلى عمال المصانع والمشاركين في التعبئة والتغليف والتوزيع، سبل عيش كريمة لملايين الأفراد.

الهند ثاني أكبر مصدر للشاي في العالم

تُعد الهند من أكبر الدول المصدرة للشاي في العالم، حيث يعتبر الشاي من أهم المنتجات التي تساهم في دعم الاقتصاد الهندي. ومن بين أهم الدول التي تستورد الشاي من الهند؛ روسيا والمملكة المتحدة وإيران والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج. ووفقًا لبوابة التجارة الهندية، بلغت قيمة الصادرات الهندية من الشاي إلى هذه الدول مجتمعة حوالي 277.3 مليون دولار أمريكي خلال الفترة 2021-2022م.

اقرأ أيضًا: العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الهند وقطر

ولقد شهدت صادرات الشاي الهندي إلى بعض الدول نموًا ملحوظًا خلال السنوات القليلة الماضية. وعلى سبيل المثال: ارتفعت صادرات الشاي إلى ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة وأيرلندا على التوالي بنسبة 14% و12% و70% و17% خلال الفترة 2021-2022م مقارنة بالعام السابق. ويعزى هذا النمو إلى زيادة الطلب على الشاي الهندي عالي الجودة وكذلك جهود الحكومة الهندية المبذولة في تعزيز صادرات الشاي إلى أسواق جديدة.

د. عادل عفان هو باحث في المركز الثقافي العربي الهندي بالجامعة الملية الإسلامية في نيودلهي