بونيه
رغم أنّ عيد الفطر قد مرّ منذ وقت قصير، فإن روحه المليئة بالمحبّة والتآخي لا تزال حيّة وحاضرة. ومؤخرًا، لفتت مبادرة مؤثرة قامت بها "جماعة المسلمين تراست" في بيودي، في مدينة بونيه بولاية مهاراشترا، انتباه الجميع، حيث كانت خطوة استثنائية تمثلت في فتح أبواب مسجدها أمام أتباع جميع الأديان للمرة الأولى، في مشهد فريد يجسد الانسجام بين الأديان بشكل نادر ومُلهم.
وقد جاء هذا البرنامج المميز بهدف تصحيح المفاهيم الخاطئة حول المساجد، وتعزيز روح الأخوّة والتفاهم بين أتباع الديانات المختلفة – وهي رسالة باتت تكتسب أهمية بالغة في عالمنا الممزّق والمنقسم اليوم.
يُعدّ عيد الفطر مناسبة مقدّسة تعبّر عن الفرح والمحبة لدى المسلمين، لكن هذا العام اختارت هيئة مسجد بيودي في مدينة بونيه أن تجعل من العيد تجربة أكثر تميّزًا وإشراقًا. فقد قرّرت دعوة الناس من مختلف الطبقات والانتماءات لعيش أجواء المسجد الروحانية عن قرب، في خطوة عزّزت من قيم الانفتاح والتقارب.
وقد لاقت هذه المبادرة تجاوبًا شعبيًا واسعًا، حيث شارك فيها عدد كبير من الشخصيات السياسية، وضباط الشرطة، والناشطين الاجتماعيين، وكان الحضور اللافت لعدد كبير من النساء دليلاً على مدى تأثير هذا الحدث وأهميته. وقد تحوّل هذا البرنامج إلى لحظة خالدة في ذاكرة المشاركين.
وتعرّف الزوّار خلال الزيارة على كيفية أداء الصلاة ومعانيها الروحية العميقة، وذلك بإشراف وإرشاد فضيلة المفتي واجد، الذي قدّم شرحًا مبسطًا حول الجوانب الروحية للتعبّد في الإسلام. وفُتحت أبواب المسجد على مصراعيها، ليعيش الجميع أجواءه السلمية والمفعمة بالعبادة والخشوع. ولم يغب كرم الضيافة عن هذا اللقاء، حيث قُدمت التمور، و"شير خورما"، وغيرها من الحلويات التقليدية، ما أضفى دفئًا ونكهة محببة على هذه المبادرة التي شكّلت بحق جسرًا من المودّة بين القلوب.
وقال الناشط الاجتماعي أنور شيخ، الذي كان له دور محوري في تنظيم هذه المبادرة، إنّ "إخواننا وأخواتنا من الديانات الأخرى يأتون كل عام ليقدّموا لنا التهاني بعيد الفطر أمام المسجد، لكن دائمًا كان يراودنا شعور بأنهميُجبرون على التوقّف عند باب المسجد"، مضيفًا "هذا العام قررنا أن نقوم بشيء مختلف. فأردنا أن يدخلوا المسجد ليروا بأعينهم كيف تبدو المساجد من الداخل، وليعيشوا أجواءها الروحية والسلمية عن قرب".
وأوضح أن المبادرة لم تكن مجرد احتفال بالعيد، بل كانت محاولة حقيقية لتعزيز روح الوحدة في المجتمع. "في زمنٍ تزداد فيه المفاهيم الدينية الخاطئة، تأتي مثل هذه المبادرات لتكون بمثابة جسر بين القلوب"، حسب قوله.
وأشار أنور شيخ أيضًا إلى بعض المفاهيم المغلوطة التي تنتشر حول المساجد في المجتمع، قائلاً: "هناك من يروّج شائعات بأن المساجد أماكن يُخفى فيها السلاح، أو أنها مراكز للتطرّف. ولقد قمنا بجولة لكل الزوار، وفتحنا أمامهم كل ركن، وكل زاوية في المسجد، وكل ما رأوه كان عبادة، وطمأنينة، وسلامًا خالصًا".
كما تطرّق إلى شرح بعض المصطلحات التي يُساء فهمها، مثل كلمة "كافر"، والتي غالبًا ما تُعرض بصورة سلبية. وقد طرح أحد الضيوف من الإخوة الهندوس هذا السؤال، فقمنا بتوضيح المعنى الحقيقي للكلمة، حيث بيّنا أن كلمة "كافر" باللغة العربية تعني "من يُخفي الحقيقة"، ولا تُستخدم بوصفها شتيمة أو كلمة تحمل الكراهية.
وقد شهد البرنامج حضور عدد من الشخصيات البارزة من مختلف الفئات الاجتماعية، وهو ما أضفى على المناسبة طابعًا مميزًا وأبرز أهميتها.
ولكنّ أجمل ما في هذا اللقاء كان ما عبّر عنه الزوّار من شعور بالسكينة داخل المسجد، وبحفاوة الاستقبال، حيث تبدّدت الكثير من التصورات السلبية التي كانت تملأ أذهان بعضهم. ولقد كان هذا البرنامج أكثر من مجرد حدث ليوم واحد؛ بل كان خطوة عملية زرعت بذور الثقة والاحترام المتبادل في القلوب.
اقرأ أيضًا: أربعة شبّان من بيهار يتركون حياة الترف من أجل تعليم الأطفال الفقراء
وفي ختام حديثه، قال أنور شيخ: "في هذا العصر الذي أصبحت فيه الانقسامات باسم الدين أمرًا شائعًا، كانت هذه المبادرة بمثابة شعاع أمل. ونحن نأمل أن تستمر مثل هذه المبادرات في المستقبل، لأنها تتيح فرصًا حقيقية للتفاهم والتقارب بين مختلف فئات المجتمع".