الهند- مركز كبير للسياحة الطبية

Story by  Prof. Mujeebur Rahman | Posted by  M Alam | Date 15-05-2024
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 

أ.د. مجيب الرحمن

ظهرت الهند منذ مطلع القرن العشرين كمركز مهم ورئيس للسياحة العلاجية، وتُعد الهند من بين أفضل وجهات عالمية للعلاج من أنحاء العالم خصوصًا من دول الشرق والعالم العربي.

ويشير مصطلح السياحة الطبية، أو السفر من أجل العلاج، إلى صناعة العلاج والاستشفاء في بلد غير بلد المريض من خلال السفر إليه للحصول على علاجات طبية أو تجميلية أو صحية. وقد وضعت صناعة السياحة الطبية سريعة النمو المدن الهندية الكبرى مثل دلهي وجُروجِرام، وأحمد آباد، وتشيناي، وبونة، ومومباي، وأحمدآباد، وكولكاتا،  وكوتشي وغيرها على خارطة العالم لملايين الأشخاص في جميع أنحاء آسيا وإفريقيا، الذين يسافرون إلى هذه المدن لتلبية جميع احتياجاتهم الطبية ولا سيما فيما يتعلق بالعمليات الجراحية الحرجة التي تحتاج إلى تسهيلات طبية متطورة وتكاليف باهظة. وقد استطاعت الهند -بفضل تعليمها الطبي المتطور وخبرتها الواسعة في العلاجات التقليدية، وجودة أطبائها المهرة، واحتضانها لشبكة واسعة من المستشفيات الرائدة ذات المستوى العالمي وتوفير هذه الخدمات الطبية بأسعار معقولة- أن تستحوذ على سوق السياحة الطبية.

مشهد السياحة العلاجية في الهند

ما زالت سوق السياحة الطبية في الهند  تحقّق نموًا مطردًا، فقدرت قيمتها  في منتصف عام 2020م، بحوالي 9 مليارات دولار أمريكي، مما وضعت الهند في المرتبة العاشرة في مؤشر السياحة العلاجية العالمي. ثم داهم وباء الكورونا في مطلع عام 2020م وشل العالم كله لمدة عامين تقريبًا، وكان قطاع السياحة الطبية من القطاعات الأكثر تضررًا بالوباء، حيث توقفت السياحة الطبية كليًا، ثم أخذت تستأنف نشاطها بعد زوال قيود السفر وعودة السياحة العالمية إلى سابق عهدها. ويقدّر عدد السياح الذين يزورون الهند بما يقرب من 2 مليون مريض كل عام من 78 دولة لأغراض العلاج الطبي والاستشفاء والتلقيح الاصطناعي، وهو ما يدر  7.4 مليارات دولار سنويًا  لهذه الصناعة التي من المتوقع أن تصل إلى 43.5 مليار دولار بحلول عام 2032م بحسب خبراء الصناعة، وقد تحقق هذا النمو الكبير بدعم من مبادرة "الشفاء في الهند" الحكومية. وهذا القطاع لا يولد فرص العمل لعدد كبير من المترجمين، ومقدمي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة فحسب، بل ويدر الأرباح والعملات الأجنبية للمستشفيات ويخلق أيضًا قوة ناعمة ذات قيمة كبيرة للهند، مما يجعلها مركز العلاج والشفاء على المستوى العالمي. كما أنه يخلق الطلب على المعدات الطبية المتطورة، مما يؤدي إلى النمو المستمر للرعاية الصحية في الهند.

وإنّ الميزة الرئيسة التي تتمتع بها الهند هي كون أسعار الرعاية الصحية ذات الجودة العالمية معقولة ورخيصة مقارنة بأمريكا والدول الأوروبية وحتى اليابان وسنغافورة، إلى جانب العلاجات التكميلية في الأيورفيدا، مما يمنحها موقعًا فريدًا للرعاية الصحية الشاملة. وإن المبادرات الحكومية مثل "الشفاء في الهند"، ويُسر الحصول على التأشيرة العلاجية، وسهولة صرف العملات الأجنبية، وتوافر عدد كبير من الشركات التي تقدّم خدمات الرعاية الطبية المتكاملة بدءًا من الحصول على التأشيرة واختيار المستشفى والإقامة والترجمة الفورية للمرضى قد فتح الإمكانات الهائلة للسياحة الطبية في البلاد.

ومعظم السياح المرضى الوافدين إلى الهند للعلاج هم من الدول الآسيوية أو الأفريقية مثل سريلانكا وبنغلاديش ونيبال وجزر المالديف وإندونيسيا وكينيا، وتتصدر العراق وعمان واليمن والإمارات قائمة الدول العربية التي يسافر مرضاها إلى الهند لغرض العلاج.

ومن أهم أسباب ازدهار السياحة العلاجية في الهند هو نمو المستشفيات الخاصة ذات المستوى العالمي، خصوصًا بعد فتح الهند لأسواقها في التسعينيات للاستثمار الأجنبي المباشر، فتم فتح عدد لا بأس به من المستشفيات الخاصة في الثمانينيات والتسعينيات وبعدها. وتملك هذه المستشفيات أحدث المعدات والتسهيلات العلاجية وأفضل الأطباء المهرة الذين يحملون خبرةً واسعةً في علاج الأمراض الخطيرة وإجراء عمليات جراحية معقدة، وتعد مستشفيات أبولو وماكس للرعاية الصحية، وميدانتا، وغيرها من المستشفيات الرائدة في الهند التي تجتذب أكبر عدد من المرضى الأجانب للعلاج فيها. كما أن التشابه الثقافي، ووفرة الأطباء المهرة، وتوافر الأدوية بأسعار رخيصة، وتوافر أحدث العلاجات والعمليات الجراحية بتكلفة ميسورة وغيرها من العوامل التي تجعل خيار العلاج في الهند خيارًا مفضلاً لدى الكثير من المرضى من دول العالم الثالث.

ومع وجود أكثر من 2000 مستشفى وعيادة معتمدة، تقدّم الهند مجموعةً واسعةً من الخدمات الطبية المتخصصة، مثل أمراض القلب والأورام وزراعة النخاع العظمي وزراعة الأعضاء وجراحة العظام والجراحة التجميلية، مما يجذب المرضى من جميع أنحاء العالم.

ومن الناحية المالية، يزدهر القطاع بمعدل نمو مذهل في الإيرادات السنوية يتراوح بين 15 و20%، ما يدل على المرونة القوية للقطاع. ومن المتوقع أن يوفّر قطاع السياحة الطبية أكثر من مليونَي فرصة عمل بحلول عام 2029م، مما يؤكد الدور المهم الذي تلعبه الصناعة في تمكين القوى العاملة في البلاد.

أفضل وجهات للسياحة العلاجية في الهند

تشيناي: أحد أكثر المواقع المفضلة في الهند لتلقي الرعاية الطبية. ووفقًا لبحثٍ أجراه اتحاد الصناعات الهندية، فإن ما يقرب من 40٪ من المرضى يختارون تشيناي بسبب المستوى العالي للرعاية الصحية في المدينة. وتشيناي، "عاصمة الصحة في الهند"، تستقبل المرضى الأجانب سنويًا لإجراء عمليات استبدال مفصل الورك، وجراحات العيون، ومجازات القلب، وزراعة نخاع العظام، والإجراءات الطبية البديلة.

مومباي: هي المدينة التي تتميز بصناعة السياحة الطبية الأسرع توسعًا في الهند، وهي مركز لعدد من المستشفيات المتخصصة الفائقة بالإضافة إلى مركز الأبحاث والتشخيص لإجراءات جراحة العظام وتقليل الوزن. وتشتهر مومباي أيضًا بعلاجات الأيورفيدا والجراحة التجميلية.

نيودلهي: يمكن العثور في عاصمة البلاد على العديد من المستشفيات الخاصة المتميزة، بما في ذلك تلك التي تقدم عروضًا للجراحة العامة وجراحة العيون ورعاية القلب وجراحة الأعصاب للمرضى الأجانب.

أحمد آباد: أحمد آباد هي مدينة هندية أخرى تقع في ولاية غُوجرات، وترتقي تدريجيًا إلى مكانة بارزة كمركز للسياحة الطبية. ويفضل العديد من غير المقيمين العلاج في أحمد آباد بسبب مستشفياتها المزودة بوسائل الراحة من الدرجة الأولى.

بنغالورو: نظرًا لوفرة المرافق الطبية والمتخصصين من الدرجة الأولى بين المتخصصين الطبيين برزت مدينة بنغالورو  واحدةً من أهم مراكز السياحة الطبية في الهند. ويوجد أيضًا أطباء في بنغالورو الذين تلقوا تدريبًا متقدمًا في الغرب مع وقت انتظار قليل تقريبًا وإمكانية الوصول السريع إلى الرعاية الطبية للزوار الباحثين عن العلاج.

خدمات علاجية متكاملة للمرضى

لقد أحدث نمو قطاع السياحة الطبية فرص عمل متنوعة في مجال رعاية المرضى الأجانب، فتم تأسيس مئات من الشركات لتوفير حزمة الرعاية الطبية المتكاملة للمرضى الأجانب، وهي تقدم الخدمة "من المطار إلى المطار"، أي بدءًا من استقبال المريض على المطار إلى حين توديعه على المطار بعد العلاج والتعافي، ويقدم العاملون في القطاع كل ما يمكنهم من الخدمات الممتازة إلى المرضى ما يرضيهم. فبعد أن تطلع الشركة على طلب علاج من أي مريض أجنبي تحصل على سجلاته الطبية وتقوم باختيار المستشفى والطبيب له، كما ترتب له إرسال طلب التأشيرة من المستشفى، وبعد الحصول على التأشيرة يبقى المريض على التواصل مع الشركة التي تحجز له غرفة في الفندق أو ترتب له إقامة، وتساعده في إنجاز جميع المهام مثل الترجمة الفورية، وشراء شريحة الجوال، والتسوق، وصرف العملة، والقيام بكل ما يلزم في المستشفى، وضمان تقديم أفضل العلاج له حسب الميزانية المتفق عليها بين المريض والمستشفى. وتتكفل الشركة بتوفير كل الخدمات للمريض كي تكون تجربته العلاجية في الهند مريحة ومرضية، وبالفعل، يحس المريض أنه في بلده وفي بيته. وإن قطاع الخدمات العلاجية الشاملة للمرضى الأجانب يحقّق نموًا كبيرًا ومطردًا، وتقدر قيمته بـ 2 مليار دولار، وبحسب الخبراء، قد ينمو إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2030م.

ويحسب لهذا القطاع أنه يوفّر فرص عمل جيدة لمن يجيدون اللغة العربية نطقًا، واللغات الأجنبية الأخرى، وهو القطاع الذي يستقطب أكبر عدد من خريجي أقسام اللغة العربية في الجامعات الهندية والمدارس العربية الهندية، ويقدر عدد المترجمين الذين يشتغلون في قطاع السياحة الطبية بألفَي مترجم في مختلف المدن الهندية، وبعضهم أسّسوا شركات لتقديم الخدمات العلاجية الشاملة. ومن بين الشركات الرائدة في هذا المجال "الشفاء للرعاية الصحية"، وميندشور هيلث كير سرفيسز برائفيت ليميتيد"، (Mendsure Healthcare Services Private Limited) و"كلينيك سبوتس"، و"بيس ميديكل تورزم"، وترانس أرث ميديكل تورزم"، و"ميد مونكس"، وكريدت هيلث"، و"ميدي كونيكت" وغيرها كثيرة.

أ.د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي