آواز دي وايس/نيودلهي

الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال ودين الأمن والسلام الذي يشجّعهم على  نشر السلام واستلزام حياة متوازنة ومعتدلة، وتجنب الغلو والإفراط، والتساهل والتفريط، والتعصب والتشدد، والعنف والتطرف. والقرآن الكريم خاطب الأمة المسلمة بالأمة الوسط أي المجتمع المعتدل في سورة البقرة. فحثّ الإسلام على إقامة التوازن والاعتدال في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق وفي الأمور المتعلقة بالمجتمع الإنساني. ويطلب الإسلام من أتباعه الاهتمام البالغ والعناية الخاصة تجاه الفرائض والواجبات، ويحذرهم من إهمال شؤونهم الدنيوية والمادية، كما يطالبهم بالعمل على المبادئ والقيم والأخلاق الإسلامية بطريقة وسطية تضمن العدالة الاجتماعية والتعايش السلمي في مجتمع تعددي.

نكهة البحوث الجامعية في الهند

قدّم نير رضا أحمد هذه الرسالة الجامعية بعنوان "الوسطية الإسلامية عند يوسف القرضاوي نظرية وتطبيقًا: دراسة تحليلية" تحت إشراف الدكتور أختر عالم، لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي، في أواخر عام 2023م، وتمت مناقشتها في شهر أغسطس 2024م.

إن قضية الوسطية والاعتدال قضية مهمة في العصر الحاضر، وشغلت الفكر الإسلامي في القرن الأخير، وأُلِّفت الكتب والمقالات في هذا الموضوع، وعقدت المؤتمرات والندوات في تحديد مفهومها، وذلك لما أصاب المجتمع المسلم من انحطاط وتدهور وتخلف في مجال القيادة والسياسة بعد سقوط الخلافة الإسلامية، وانقسامها إلى دويلات صغيرة، مما أدى الشباب المسلم إلى الشعور بعقدة النقص النفسية أمام الحضارة الغربية ونظرياتها السياسية والاقتصادية. فجعل الشباب المسلمون يفسّرون النصوص الدينية حسب رأيهم، ويفرضون آرائهم على غيرهم حسب اجتهادهم، ويعتبرون أنفسهم على الحق وغيرهم على الباطل، وأدى هذا إلى انحراف في الفكر والسلوك، ووضع النصوص الشرعية في غير موضعها وتشويه صورة الإسلام في البلاد الإسلامية وخارجها. وأدت هذه الأسباب إلى انقسامهم إلى مجموعات وأحزاب متطرفة في المجال السباسي، فتمردوا على الحكومات المنتخبة، ولجأوا إلى الأيديولوجيات المتشددة، معلنة أن هذه الحكومات كافرة لعدم خضوعهم للحكم الإسلامي، واتهموها بالكفر والجاهلية. وبهذا الطريق، برزت فكرة التمرد والثورة المسلحة ضد هذه السلطات التي هي في رأيهم غير ملتزمة بنظام الخلافة الإسلامية.

إن الاعتدال والتوسط هو الذي يضمن الوحدة الفكرية والثقافية للأمة ويحفظها من التفرق والاختلاف والتشرد، وهذه هي الفكرة الوحيدة التي تصلح أن توحد الأمة وتجمعها على صعيد واحد. ومن ميزة هذا الدين، أنه يقوم على مبدأ الوسطية الذي يتجلى بوضوح في محاضرات علماء وفقهاء المسلمين وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة التي تدل على مفهوم الوسطية في سياق العقيدة، والأعمال، والعبادة، والأحكام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعلاقات الإنسانية واكتساب المال وإنفاقه، ومحاسبة النفس والمشاعر. وقد مثل المسلمون الأولون العدالة والوسطية في جميع مراحل حياتهم حتى مع أعدائهم وخصومهم.

ومن أكبر التحديات التي يواجهها المسلمون في الوقت الحاضر هو فهم المعنى الحقيقي للوسطية بدقة وعمق حسب ما يقتضيه الكتاب والسنة. ويتورط كثير من المسلمين في الإفراط والتفريط والغلو أو التقصير بسبب نقص المعرفة الإسلامية والفهم الحقيقي للوسطية. وفي هذا الوضع الخطير، بذل عدد كبير من علماء وفقهاء الإسلام جهودًا مكثفةً لاستكشاف مفهوم الوسطية وشرحه في الإسلام، والتي تتضمن الابتعاد عن الإفراط والتفريط. وكان على رأسهم؛ الشيخ محمد عبده والشيخ بديع الزمان النورسي، والشيخ رشيد رضا، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ حسن البنا والشيخ أبو الأعلى المودودي وغيرهم. ثم في وقت لاحق، توجه إليها العالم المصري الشهير الشيخ يوسف القرضاوي-رحمه الله- وأوضح مفهوم الوسطية الإسلامية بأسلوب جامع.

ولا شك أن الشيخ يوسف القرضاوي احتل مكانةً مرموقةً في العالم الإسلامي المعاصر. وكان في طليعة المثقفين في المجتمع الإسلامي. وبذل الجهد المتواصل لنشر فكرة الإسلام الصحيح. وكان يعتبر أيضًا من أبرز المفكرين الإسلامين بسعة ثقافته، ودقة فقهه بالإضافة إلى المؤلفات والمحاضرات والفتاوى القيمة، التي تتجاوز المئة.

وكان يعتبر رائد الصحوة الإسلامية العالمية في عصرنا هذا، ويهدف إلى تحقيق الفكرة الوسطية لإعادة بناء الفرد والمجتمع ولإعادة فكر الأمة على أساس الإسلام. وذلك لأنه اعتقد أن الإسلام منهج جامع وشامل يتجلى في جميع مراحل الحياة. ووضع خطة لتوجيه الحركة الإسلامية نحو العمل بها في المجالات المختلفة. ومن منطلق الاقتناع بأن هذه المجالات تشكل القضايا الأساسية التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم. والعمل في هذه المجالات يعد خطوة أساسية، ويمهد الطريق لإقامة "دولة ديمقراطية" إسلامية. فكان يهدف إلى تحويل الأفراد كمقدمة لتغيير أعمال المجتمع وأفكاره بأكمله.

واهتم الشيخ يوسف القرضاوي بقضايا العصر الحديث، وأوضح شمولية الإسلام العادلة في ضوء نصوص الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي الدائر بين المذاهب الأربعة. وكل ما كتبه القرضاوي حظِي باهتمام كبير، وخاصة لدى الشباب الذين كانوا يتلقون كتاباته بوصفها توجيهات رشيدة.

تشتمل هذه الرسالة الجامعية على أربعة أبواب وخاتمة وقائمة المصادر والمراجع. ويحتوي الأبواب الأربعة على ثلاثة فصول إلا الباب الرابع فهو مشتمل على أربعة فصول:

فالباب الأول موزَّع على ثلاثة فصول؛ الفصل الأول يشمل سيرة الشيخ يوسف القرضاوي. وتحدث الباحث فيه عن مولده ويتمه وفقره، ونشأته في القرية الصغيرة، وحياته العلمية التي عاني فيها من المصائب والصعوبات في سبيل العلم، وما واجه من عراقيل للحصول على شهادة الدكتوراه من جامع الأزهر، وحياته الدعوية تحت الإخوان المسلمين، وانتقاله من الوطن الحقيقي إلى الوطن الثاني الذي توفي فيها عام 2023م. وأما الفصل الثاني فتحدث الباحث فيه عن مؤلفاته العلمية الثمينة وخدماته الدعوية والأدبية. والفصل الثالث يحلل قصائده الشعرية التي قرضها العلامة القرضاوي.

وأما الباب الثاني فهو يتحدث عن تطور الفقه الإسلامي ودلالات الوسطية ودعاتها. ويحتوي على ثلاثة فصول؛ الفصل الأول يتحدث عن تطور الفقه الإسلامي في المراحل المختلفة من عصر النبوة إلى العصر الذهبي الذي دونت فيها الكتب القيمة في الفقه والتشريع الإسلامي، وأسباب اختلاف الفقهاء في  هذه الأدوار، وانتشار المذاهب الفقهية الأربعة من مذاهب أهل السنة. والفصل الثاني يحتوي على الوسطية وتطور دلالاتها ومعانيها في ضوء الفقه الإسلامي. والفصل الثالث يتحدث عن المدرسة الوسطية وتراجم دعاتها البارزين الذين اهتموا بهذا الجانب المهم.

ويتناول الباب الثالث المسائل الدينية والاقتصادية والاجتماعية والمشكلات البيئية التي حلها الفقيه القرضاوي من منظور إسلامي وسطي. ويحتوي هذا الباب على ثلاثة فصول؛ الفصل الأول يتحدث عن المسائل الدينية التي يحلها الشيخ القرضاوي من وجهة النظرية الوسطية استخدامًا للملكية الفقهية التي وهبه الله. وأتى بحلول متفردة بناء على قوة الحجة والدليل. والفصل الثاني يتحدث عن المسائل الاقتصادية التي تفرد بها الفقيه من خلال استخدامه الملكية الفقهية واجتهاداته القيمة، متتبعا أقوال الصحابة وفقهاء الأمة في ضوء مقاصد الشريعة الغراء. والفصل الثالث يحتوي على القضايا البيئية التي يحلها في ضوء الكتاب الكريم والسنة المباركة وفي ضوء أصول الفقه الإسلامي.

اقرأ أيضًا: ثيمة الهوية في الأدب العربي والأدب الإنجليزي في الهند ما بعد الاستعمار

ويحتوي الباب الرابع على العلاقات الدولية وفقه الجهاد وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان الأساسية التي يتمتع بها الجميع في الدولة الإسلامية. ويحتوي الباب على أربعة فصول؛ الفصل الأول يتحدث عن الجهاد الإسلامي وحقائقها. وناقش الباحث فيه عن حقيقة الجهاد الإسلامي ومشروعيته، وجهاد الدفع  وجهاد الطلب، وعلاقة الدولة المسلمة بالدول الأخرى، هل هي علاقة سلمية أم علاقة حربية كما ناقش عن دار الحرب ودار الإسلام ودار العهد. وتحدث أيضًا عن أخلاق الحرب والدستور الإسلامي في حالة القتال وفي أسرى الحرب. ويتطرق الفصل الثاني إلى الحقوق التي يتمتع بها الأقليات الدينية في الدولة الإسلامية من حرية العقيدة إلى حرية العبادة وحرية تاسيس المعابد والكنائس، وحرية العمل وغيرها. كما يتحدث عن الواجبات المالية التي تفرض على المواطنين من المسلمين وغير المسلمين في الدولة الإسلامية. ويستعرض الفصل الثالث الحقوق الإنسانية التي يتمتع بها الجميع من حرية الحياة والعرض وحرية العمل والمساواة الإنسانية في تطبيق القانون، والعدالة والإخاء الإنساني وحرية التعبير وحرية العقيدة. كما يتحدث عن حقوق المرأة في الكسب والعمل، والعلم، والمشاركة في السياسة. والفصل الرابع يشتمل على الآراء السياسية وموقف الإسلام من هذه النظريات السياسية من العلمانية والديموقراطية والاشتراكية.