ثيمة الهوية في الأدب العربي والأدب الإنجليزي في الهند ما بعد الاستعمار

27-08-2024  آخر تحديث   | 27-08-2024 نشر في   |  M Alam      بواسطة | آواز دي وايس 
ثيمة الهوية في الأدب العربي والأدب الإنجليزي في الهند ما بعد الاستعمار
ثيمة الهوية في الأدب العربي والأدب الإنجليزي في الهند ما بعد الاستعمار

 

آواز دي وايس/نيودلهي

تأتي الهوية في إطارها كموضوع ذي أهمية بالغة، إذ أصبحت محط اهتمام للمهتمين بالدراسات الاجتماعية، فضلاً عن أهميتها للأدباء والشعراء على حد سواء شرقًا وغربًا. ومن ثم، فقد انخرطوا في استجلاء مختلف جوانبها في رواياتهم وقصصهم وأشعارهم.

نكهة البحوث الجامعية في الهند

تم تقديم هذا البحث بعنوان "ثيمة الهوية في الأدب العربي والأدب الإنجليزي في الهند ما بعد الاستعمار: دراسة مقارنة للروايات الانتقائية"إلى مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي، لنيل شهادة الدكتوراه، من قبل محمد شفيق عالم في أواخر عام 2023م، وتم مناقشته في شهر أغسطس 2024م. وتم إنجاز هذا البحث تحت إشراف الأستاذ الدكتور مجيب الرحمن.

تُعَدّ "الهوية" مصطلحًا نوقشت وعولجت على نطاق واسع، خاصة في أدب ما بعد الاستعمار. يُشير مصطلح "الهوية" إلى مجموعة الخصائص الشخصية والسلوكية التي تميز الفرد كعضو في مجموعة معينة. ويميز الأفراد أنفسهم عن الآخرين بناءً على العرق والهوية والدين واللغة والثقافة، والأعراف، والتقاليد، والقيم.

وظهرت الهوية كموضوع رئيس في أدب ما بعد الاستعمار، نتيجة الصراعات والاختلافات السريعة في المجتمعات والثقافات، وتأثير الاستعمار من جهة، مما أدّى إلى الفوضى والاضطراب والإحباط، وانهيار التقاليد والقيم والأخلاق، وغياب الإيمان بالله، مصحوبًا بالكرب والقلق والعزلة والوحدة في المجتمع. ورغم استقلال معظم البلدان المستعمرة في النصف الثاني من القرن العشرين، وانتهاء عصر الإمبريالية الغربية، إلا أن تأثير الاستعمار والحربين العالميتين لا يزال يطاردها إذ وجد الناس أنفسهم محاصرين في ظروف وصعوبات وتناقضات ثقافية واجتماعية، مما أدى إلى تشكك في هويتهم وشعورهم بالانتماء إلى وطنهم الحقيقي.

ولا يمكن أن يظل الأدب، كونه مرآة للمجتمع، بمنأى عن هذه التغييرات في العالم المعاصر. ومن هنا ظهرت الهوية كواحدة من المواضيع الرئيسة في أدب ما بعد الاستعمار على مستوى العالم. وتناول عدد من الكتاب هذا الموضوع ومواضيع أخرى ذات الصلة مثل التعددية الثقافية والهوية الثقافية والاجتماعية، والجندر، والاختلاف الثقافي، والاغتراب، والشعور بالانتماء، والعودة إلى الوطن والتهجير القسري والهجرة، والعولمة، والتشرد والنفي، وما إلى ذلك. فظهرت روائع أدبية حول هذه القضية الخطيرة، التي ألقت الضوء بشكل ملفت على معاناة المهاجرين أو الوافدين إلى البلدان الأخرى أو الذاهبة لأغراض أخرى مثل التعليم العالي وما إلى ذلك.

وظهرت الهوية كموضوع رئيس في الروايات الإنجليزية الهندية قبل الاستقلال مباشرة، كما في روايات: المنبوذون(Untouchables) (1935م) والحمال (Coolie)  (1936م) وسوامي والأصدقاء  (Swami & Friends)(1935م) للكاتبَين ملك راج آناند وآر. كيه. نارايان. ورغم ذلك، فإن الهوية كموضوع رئيس ظهرت في روايات الكتّاب الهنود خاصة في فترة ما بعد الاستعمار، وخاصة في كتابات الشتات الهندي. ويجدر بالذكر أن الروايات الهندية التي تناولت قضية الهوية لا تقتصر على مشاكل المهاجرين والشتات الهندي، بل تسلط الضوء على كيفية محاولة الشخصيات الحفاظ على الثقافة الوطنية والتقاليد الهندية في الأراضي الأجنبية، وكذلك على التحديات التي تواجه الأجيال الهجينة في التماسك بين نمط الحياة الحديثة والتقاليد الهندية.

ومن بين الكتّاب الهنود الذين ركزوا على موضوع الهوية في رواياتهم، تبرز أسماء مثل سلمان رشدي، وأنيتا ديساي، وكيران ديساي، وأروندهاتي روي، وأميتاف غوش، وجومبا لاهيري. فرواية "أطفال منتصف الليل" لسلمان رشدي، تُسلط الضوء على ثلاثة أجيال من عائلة مسلمة من سيناء، مع التركيز بشكل خاص على موضوع الهوية والتشريد والاغتراب من خلال العديد من الشخصيات، وخاصة البطل سليم سيناء. وفي رواية"The Shadow Lines"  لأميتاف غوش، يبرز موضوع الهوية من خلال شخصية ثعمة، التي تعتبر نفسها امرأة هندوسية فخورة، ولكن عندما تغادر إلى دكا بعد انقسام الهند، يقوى شعورها بالانتماء إلى شرق باكستان، ويدفع هذا الإدراك إلى قرارات مصيرية.

وبجانبهم، أبدعت أروندهاتي روي في"The God of Small Things" (إله الأشياء التافهة) عام 1997م، وجومبا لاهيري في"The Namesake" (السمي) (2003م)، وأنيتا ديساي في"Bye Bye Blackbird" (وداعًا أيها الطائر الأسود) (1971م)، وكيران ديساي في "ميراث الخسارة" (2006م)، وروهينتون ميستري في"" A Fine Balance   (توازن جيد) عام 1975م. وجميع هؤلاء الكتّاب أثروا بشكل قوي في موضوع الهوية وتحديات الأجيال الهجينة في البحث عن التوازن بين التقاليد الوطنية وأسلوب الحياة الحديثة.

لم يؤثر الاستعمار كحركة عالمية فقط في البلدان الأفريقية والآسيوية، بل أثر أيضًا بشكل كبير في العالم العربي، حيث كانت هناك صراعات مستمرة حول الهوية والجنسية والهجرة والتهجير والاغتراب في مرحلة ما بعد الاستعمار. كانت الحركات الاستعمارية، خاصة الفرنسية والبريطانية، تسعى إلى خلق افتراض بأنها مسيطرة ثقافيًا وسياسيًا، وأن العرب يعتبرون شعباً دونيا. وفي مرحلة ما بعد الاستعمار، طرأت تغييرات جذرية على الطبيعة التقليدية للعرب، مما أدى إلى مشاكل صعبة تتعلق بالتهجير والاغتراب والتحول في العالم العربي. تحدثت هذه الفترة عن تعذيب وقتل وإقامة جبرية وتهجير قسري وتدخل عنيف في العالم العربي كله. فقُتل عدد من النشطاء والكتاب السياسيين واعتقلوا باسم الثورة والقومية، بينما نفي آخرون من وطنهم الأم وطردوا قسراً، وعندما وصل هولاء المهاجرون إلى بلاد المنفى بدأوا يواجهون التهميش والغربة والوحدة والسلب ويواجهون صعوبات في الاندماج في الثقافات والمجتمعات الأجنبية خاصة الأمريكية والأوربية أو داخل البلدان الخليجية من الدول أقل رقيا وتقدمًا.

لم تستطع الرواية كنوع أدبي بارز من الأدب العربي أن تبقى على منأى من التأثر بهذه القضايا الملتهبة. وبالتالي، قرر العديد من الكتّاب توظيف قضايا الهوية والاغتراب والهجرة والنفي كمحور رئيسي في أعمالهم الأدبية، حيث أبرزوا  التحديات والمشاكل المرتبطة بالشتات داخل وخارج العالم العربي.

ومن بين هؤلاء، يبرز اسم الطيب صالح بروايته الشهيرة "موسم الهجرة إلى الشمال" (1966م)، والتي تُعتبر أفضل رواية عربية كتبت على الإطلاق، حيث تسلط الضوء على تأثير الاستعمار وقضايا الهوية والتهجين الثقافي والهجرة. وبالإضافة إلى ذلك، قامت الروائية الجزائرية ياسمينة صالح في روايتها "وطن من الزجاج" (2006م)، وسعود السنعوسي في روايته "ساق البامبو" (2012م) بجعل قضية الهوية والاغتراب أحد المواضيع الرئيسية في أعمالهم. وتأتي رواية "اسمي سلمى" للروائية البريطانية الأردنية فادية الفقير كمثال آخر، حيث تُظهر بشكل جميل التمزق الذي تعانيه البطلة "سلمى" بين هويتين؛ الهوية العربية المسلمة والهوية الغربية الجديدة التي تعتمد عليها.

ومن ناحية أخرى، قامت الكاتبة الفلسطينية سحر خليفة واللبنانية حنان الشيخ بتسليط الضوء على قضايا الهوية الشخصية وتأثير الحروب على تكوين هوية الأطفال في رواية "الصبار" (1976م) و"قصة زهرة" (1980م) على التوالي.

أهداف البحث

يهدف هذا البحث إلى فهم مفهوم الهوية وأصلها وتطورها وأبعادها، وتقييم الروايات العربية والإنجليزية الهندية الرئيسة التي تتناول هذا الموضوع بالإضافة إلى قضايا أخرى مثل الاغتراب والنفي والهجرة والجنسية والصور النمطية والثقافة، وإلى تحليل وضع الشتات العربي والهندي، مع التركيز على الصعوبات التي يواجهونها عند التفاعل مع ثقافات مختلفة، وإلى تقديم نظرة شاملة ومقارنة لقضايا وثيمات الروايات العربية والهندية التي تناولت الهوية.

قُسم هذا البحث إلى أربعة أبواب ما عدا مقدمة البحث ونتائجه:

يتكون الباب الأول المعنون بــ"الهوية: مفهومها، وثيماتها وعوامل مشكلاتها، وتواجدها في الأدب العربي – دراسة عابرة"، من ثلاثة فصول؛ الفصل الأول يبحث في الهوية، وفكرتها، وتعريفها، وأنواعها، وتطورها، والفصل الثاني يحدد ثيمات وأبعادها، ويعالج أسباب مشكلات الهوية الرئيسة في حينٍ يبحث الفصل الثالث في قضية الهوية في الأدب العربي وتاريخ التعامل معها.

والباب الثاني يعنى بــ"ثيمات الهوية في الروايات العربية المختارة في فترة ما بعد الاستعمار" ويشتمل على أربعة فصول؛ الفصل الأول يدرس ثيمات الهوية في رواية "ساق البامبو" لسعود السنعوسي، والفصل الثاني يدرس ثيمات الهوية في رواية "وطن من زجاج" لياسمينة صالح، والثالث في رواية "اسمي سلمى" لفادية الفقير، والفصل الرابع يعالج ثيمات الهوية في "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح.

والباب الثالث المعنون بــ"ثيمات الهوية في الروايات الإنجليزية المختارة في فترة ما بعد الاستعمار"، والذي يتكون من أربعة فصول؛ الفصل الأول يدرس ثيمات الهوية في رواية "أطفال منتصف الليل" لسلمان رشدي، والفصل الثاني يدرس ثيمات الهوية في رواية "وداعًا أيها الطائر الأسود" لأنيتا ديساي، والفصل الثالث في رواية "ميراث الخسارة" لكيران ديساي، والرابع يبحث في ثيمات الهوية في رواية "السمى" لــ جومبا لاهيري.

ومن خلال البابين الثاني والثالث قام الباحث بالبحث في ثيمات الهوية، ومشكلاتها من خلال التحليل الدقيق للنصوص الروائية العربية والإنجليزية، واستعرض طرق معالجة الثيمات.

اقرأ أيضًا: تطور أدب الأطفال في الأردن بعد منتصف القرن العشرين: دراسة تحليلية

والباب الرابع المعنون بــ"دراسة مقارنة للروايات العربية والإنجليزية المختارة في فترة ما بعد الاستعمار المعالجة لثيمات الهوية" يتكون من ثلاثة فصول؛ الفصل الأول يتحدث عن أوجه التشابه بين ثيمات الروايات العربية والإنجليزية، والفصل الثاني يبحث عن أوجه التباين بين ثيمات الروايات العربية والإنجليزية، وعلى هذا المنوال يقارن بين ثيمات الهوية في النوعَين من الروايات، وأما الفصل الثالث فهو يبحث في خصائص وسمات الروايات العربية والإنجليزية المعالجة لثيمات الهوية. ومن خلال هذه الميزات والخصائص يحاول الباحث إبراز القيمة الموضوعية والفنية لهذه الروايات في باب تلبية الاحتياجات الموضوعية في الأدب العربي والإنجليزي المعاصر في فترة ما بعد الاستعمار.

وفي نهاية المطاف قدّم الباحث أهم ما توصل إليه من النتائج خلال البحث، وفي النهاية وضع قائمة المحتويات كما وضع قائمة المصادر والمراجع.