يمثّل شهر رمضان المبارك لدى المسلمين في مختلف أنحاء العالم، على اختلاف بلدانهم ومذاهبهم، مناسبة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى والتعبد له، حيث يعد الصيام عبادة خالصة لله العلي القدير، هو من يجزي الصائمين القانتين أجرها وثوابها.
ويستقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها الشهر الكريم بطرق تعكس خصوصياتهم الثقافية والاجتماعية، وسط أجواء من الفرح والبهجة التي تمتزج بالعادات والتقاليد المتوارثة، لتشكل مشهدًا يعبّر عن تنوع المجتمعات الإسلامية.
وكما تتنوع أساليب الاحتفاء بقدوم هذا الشهر الفضيل، يتسابق المسلمون خلال أيامه المباركة في أداء أعمال البر والإحسان، كلٌّ حسب استطاعته، من تلاوة القرآن الكريم، وإطعام الصائمين، وأداء الصدقات، ورعاية الأيتام والمحتاجين، ومساعدة الضعفاء، وزيارة المرضى، إلى غير ذلك من أعمال الخير التي تتعدد صورها ومجالاتها.
فشهر رمضان المبارك شهر الطاعات والتقرب إلى الله، لا يقتصر على زيادة العبادات فحسب، بل يعد أيضًا شهرًا للرحمة والتكافل والتكاتف الإنساني، حيث يبرز المسلمون أسمى صور التعاون والعطاء، ويتسابقون لفعل الخيرات في كل مكان، سواء في المساجد أو الطرقات أو المنازل.
وفي أيام هذا الشهر الفضيل تحمل كل لحظة قيمًا ساميًة من الإيثار والتراحم، وتظهر المجتمعات أروع أمثلة التضامن والعطاء، يتجلى ذلك من خلال جهود الأفراد والمجتمعات في تنويع منافذ الخير، وتقديم العون للفقراء والمحتاجين، خاصة أولئك الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة.
وتقدّم هذه الجهود بإخلاص وتفان، بعيدا عن أي غرض دنيوي، سعيًا وراء الأجر والثواب في موسم هو خير المواسم، وأيام هي خير الأيام عند الله تعالى، والتي تتجسد فيها قيم التضامن الإنساني، ويظهر الخيرون أفضل ما لديهم من جهد ومثابرة، مما يجعل هذا الشهر منارة للخير والعطاء في كل عام.
وفي هذا السياق، فإن من القيم التي يحرص المسلمون على القيام بها خلال رمضان، وعملا بنصيحة النبي صلى الله عليه وسلم، التصدق بالمال من أجل إطعام الفقراء خلال شهر الصيام ولو بشق تمرة. إذ يعد التصدق لإطعام الفقراء في رمضان من أفضل الأعمال وأجلها عند الله سبحانه وتعالى، لا سيما وأن الشهر الكريم يمثل فرصة لحصد الأجر والثواب، لقوله صلى الله عليه وسلم "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا"، فهي البشارة بمضاعفة الأجر لمن أطعم صائما.
,تتجلى مظاهر العطاء والجود في شهر رمضان المبارك بصور متعددة، حيث تُقام موائد الإفطار الجماعي في كل مكان، وتُقدَّم المساعدات المالية إلى مستحقيها، ويُحرص على تفقد أحوال المحتاجين، في مشاهد تعكس عظمة الإسلام وقيمه السمحة، وتسهم في تعزيز روح التكافل الاجتماعي، وتقوية أواصر المجتمع، مما يظهر تماسكه وقوته بأجمل صورها.
ومع قدوم هذا الشهر الفضيل، يزداد توافد المصلين والزوار إلى المساجد، حيث تعمر بالذكر وتلاوة القرآن في أجواء إيمانية تسودها الطمأنينة والخشوع. كما يحرص الكثيرون على توفير سبل الراحة لمرتادي المساجد، لتمكينهم من أداء عباداتهم بسهولة ويسر.
وفي هذه الأيام المباركة، يسعى المسلمون إلى الارتقاء بروحهم وتعزيز صلتهم بالله، مستلهمين من نفحات رمضان الإيمانية ما يجدد علاقتهم بربهم، ويغرس في قلوبهم معاني التقوى والخشوع.
ومن أسمى القيم التي يتجلى بها شهر رمضان روح التطوع لمساعدة الآخرين، فهي عبادة عظيمة لا يدرك فضلها الكثيرون. فالتبرع بالوقت والجهد لخدمة المحتاجين يُعد شكلاً من الصدقة المضاعفة في هذا الشهر الفضيل، حيث يجسد جوهر الإيثار والتكافل. وعلى الرغم من مشقة الصيام وانشغالات الحياة، يحرص المؤمن على مد يد العون، سواء من خلال جمع التبرعات وتوزيعها، أو تأمين وجبات الإفطار والسحور للأسر المحتاجة، في صورة تعكس قيم الرحمة والبذل التي تميز هذا الشهر المبارك.
ومن الفرص العظيمة التي يسعى المسلمون إلى اغتنامها في رمضان، توزيع الطعام على المسافرين الصائمين، وهي قيمة إنسانية راسخة قد يصعب العثور عليها في العديد من المجتمعات الأخرى. وتعكس هذه الممارسة روح الإيثار والتآخي، وتعزز مشاعر التعاضد والرحمة بين الناس، حيث يصبح الغرباء إخوة تجمعهم نفحات الشهر الكريم، فتترسخ قيم التكافل في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وتجسد معاني العطاء في أبهى صورها.
ومن الأعمال التي يحرص عليها المسلمون في رمضان صلة الأرحام وزيارة الأهل والأصدقاء، امتثالًا لقيم الإسلام التي تؤكد على تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز التآخي بين أفراد المجتمع. فقد حثّ النبي ﷺعلى ذلك بقوله: "من سره أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه"، حيث يمثّل الشهر الفضيل فرصة ذهبية لتوطيد العلاقات الأسرية، وإدخال السرور على القلوب، إذ أن الأقربين أولى بالمعروف، كما أرشدنا ديننا الحنيف.
كما يحرص المسلمون في رمضان على ترسيخ قيمة الصدقة، باعتبارها نموذجًا حيًا للعطاء والإحسان، تقربًا إلى الله تعالى وطاعةً له. فالصدقة في هذا الشهر المبارك يتضاعف فضلها وأجرها، كما ورد في الحديث النبوي الشريف: "أي الصدقات أفضل؟ قال: صدقة في رمضان".
ولا شك أن شهر رمضان هو شهر مبارك يحمل في طياته الكثير من الخيرات والبركات.ففيه يتجدد الإيمان، ويتعاظم العمل الصالح، وتصفو النفوس، وتقوى الصلة بالله الرحمن الرحيم. كما يشهد هذا الشهر الكريم تجسيد قيم التكاتف والعطاء، حيث تتعمق الأواصر بين الناس، وتنتشر الرحمة والمودة في المجتمع. إنها مشاهد تمنحنا الأمل بأن الخير سيظل قائمًا في الأمة الإسلامية ما دامت الحياة، كما قال النبي ﷺ: "الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة".
اقرأ أيضًا: رمضان كريم في الهند: فرح، وتقوى، وتقاليد فريدة
وإن من أعظم الواجبات على المسلم أن يستثمر هذا الشهر الفضيل في الاقتراب أكثر من الله، طاعةً ومحبةً له، والتمسك بالقيم والمبادئ والأخلاق التي حثّ عليها ديننا الحنيف، ليس في رمضان فحسب، بل على مدار العام، ليكون ذلك نهجًا ثابتًا في الحياة، وهو ما تتمحور حوله روح الإسلام.