فعاليات المؤتمر الدولي حول "دور الترجمة في إثراء الحضارة الإنسانية" تختتم في جامعة جواهر لال نهرو

27-02-2025  آخر تحديث   | 27-02-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | محبوب عالم 
فعاليات المؤتمر الدولي حول
فعاليات المؤتمر الدولي حول "دور الترجمة في إثراء الحضارة الإنسانية" تختتم في جامعة جواهر لال نهرو

 

محبوب عالم/ نيودلهي

الترجمة ليست مجرد مهارة لغوية، بل هي جسر حضاري يربط الثقافات والتواريخ والفلسفات، وتظل الترجمة أداة أساسية لتعزيز التفاهم العالمي.

صرّح بهذه الكلمات، عيسى بن صالح الشيباني سفير سلطنة عمان لدى الهند، خلال إلقاء كلمة له بصفته الضيف الرئيس في الحفل الافتتاحي للمؤتمر الدولي بعنوان "دور الترجمة في إثراء الحضارة الإنسانية"، الذي نظّمه مركز الدراسات العربية والإفريقية في جامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي خلال الفترة 25-26 فبراير الجاري، بمشاركة نحو 60 باحثًا/ة من مختلف الكليات والجامعات في أرجاء الهند، إلى جانب عدد من الباحثين والخبراء من الدول العربية وخاصة جمهورية مصر العربية وسوريا.

وأشار السفير العماني إلى تجربته الشخصية في مجال الترجمة قائلاً: "بدأتُ، قبل عشرين عامًا، مسيرتي المهنية كمترجم، وكنت أرى الترجمة آنذاك مجرد مهنة، ومهارةً لمد جسور التواصل بين اللغات ونقل الأفكار. ولكن مع التعمق في هذا الفن، أدركت بسرعة أن الترجمة لا تتعلق بالكلمات فحسب، بل تتعلق بعوالم وثقافات وتواريخ وفلسفات. وأصبحت الترجمة بوابتي إلى المعرفة، ومنحتني مقعدًا في الصف الأول أمام تخصصات متنوعة، وكشفت لي آفاقًا عالمية"، موضحًا أنها منحته فرصة لفهم تعقيدات الدبلوماسية وأهمية انتقاء الكلمات في العلاقات الدولية.

وأضاف السفير العماني الشيباني أن الترجمة أدّت دورًا محوريا في نقل المعرفة بين الحضارات وتبادل الأفكار، مستشهدًا بترجمة الفلسفة اليونانية إلى العربية في العصر العباسي، وترجمة النصوص الكلاسيكية إلى اللاتينية خلال عصر النهضة الأوروبية، مما أحدث تحولات فكرية وحضارية كبرى.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن الترجمة تظل أداة أساسية لتعزيز التفاهم العالمي، معربًا عن تفاؤله بأن العمل الذي يُنجَز في جامعة جواهر لال نهرو، وما يقوم به المترجمون في جميع أنحاء العالم، سيواصل بناء الجسور، وتعزيز التفاهم، والمساهمة في عالم أكثر ترابطًا وانسجامًا.

وقبل ذلك، ألقى رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية بالجامعة الأستاذ مجيب الرحمن كلمة رحّب فيها الضيوف الكرام وخاصة سفير سلطنة عمان لدى الهند عيسى بن صالح الشيباني؛ والوزير المفوض في بعثة جامعة الدول العربية بنيودلهي الدكتور مازن المسعودي؛ والأستاذ الفخري بجامعة دلهي الأستاذ تي. إس. ساتيا نات الذي ألقى الخطاب الرئيس في المؤتمر؛ ونائب مدير الجامعة الأستاذ ديبين دارا ناث داس؛ وجميع المشاركين في المؤتمر أساتذة وطلابا من مختلف الجامعات والكليات من داخل الهند وخارجها.

وتحدثًا عن أهمية المؤتمر، أشار الأستاذ مجيب الرحمن إلى أن مادة "الترجمة" تحتل مكانة بارزة في المقررات الدراسية لمركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو، حيث يتم تدريب الطلاب على الترجمة الفورية والتحريرية، إضافةً إلى تأهيلهم لسوق العمل، نظرًا لأهمية الترجمة في توفير فرص وظيفية متميزة، موضحًا أنه شخصيًا شارك في ترجمة العديد من الكتب، مشيرًا إلى أن الترجمة لا تقتصر فقط على الجوانب الوظيفية، بل لها دور محوري في التقريب بين الثقافات عبر العصور.

وأكد الأستاذ مجيب الرحمن أن هذا المؤتمر يأتي لمناقشة القضايا الرئيسة المتعلقة بالترجمة، وتسليط الضوء على دورها في إثراء الحضارة الإنسانية، وكيف ساهمت الترجمة في تعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب على مر التاريخ.

وقدّم الأستاذ أشفاق أحمد، مدير المؤتمر كلمة تعريفية بالمؤتمر أكد خلالها أن الترجمة أدّت دورًا محوريًا في صنع تاريخ البشرية عبر العصور، حيث ساهمت في نقل المعرفة وتعزيز التبادل الثقافي بين الحضارات المختلفة، مبينًا أن الترجمة لم تقتصر على الجانب الثقافي والعلمي، بل كانت وسيلة أيضًا لكسب المال والثراء، كما كان الحال في العصر العباسي، حيث حظي المترجمون بمكانة مرموقة وحصلوا على رواتب عالية، إذ قاموا بترجمة العديد من الكتب السنسكريتية إلى اللغة العربية خاصة في طب الأيورفيدا والرياضيات وغيرهما.

كما أشار إلى أن الترجمة ساهمت في النهضة الأوروبية عبر نقل العلوم والفلسفة العربية إلى اللغات الأوروبية، مما أسهم في خروج أوروبا من عصورها المظلمة التي استمرت أكثر من ألف عام، لافتًا إلى أن الترجمة أصبحت اليوم صناعة عالمية تقدر قيمتها بأكثر من 30 مليار دولار، ورغم التقدم في الترجمة الآلية، يظل دور المترجمين البشريين ضروريًا لضمان الدقة في الترجمة.

وأردف قائلاً: إن الترجمة قامت بدور أساسي في انتشار الأدب العالمي، مستشهدًا بفوز هان كانغ، ونجيب محفوظ، ورابندرانات طاغور بجائزة نوبل للأداب بفضل ترجمة أعمالهم.

ومن جانبه، أكد الوزير المفوض في بعثة جامعة الدول العربية بنيودلهي الدكتور مازن المسعودي أن الترجمة كانت ولا تزال جسرًا حيويًا للتواصل بين الشعوب ونقل المعارف وتعزيز الفهم المتبادل بين الثقافات عبر التاريخ. وقد شكلت الترجمة أداة أساسية للحفاظ على العلوم والمعارف ونقلها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك حركة الترجمة خلال العصر الذهبي الإسلامي، حيث قام العلماء في بيت الحكمة ببغداد بترجمة الكتب اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية، مما ساهم في حفظ ونقل الفكر الفلسفي والعلمي. وساعدت هذه الترجمات في حفظ أعمال أرسطو وأفلاطون، والتي وصلت لاحقًا إلى أوروبا، وأسهمت بشكل كبير في النهضة الأوروبية، مما يعكس الدور المحوري للترجمة في تطور الحضارات.

وبدوره، أكد نائب مدير الجامعة الأستاذ ديبين دارا ناث داس في كلمة رئاسية له أن مدرسة دراسات اللغة والأدب والثقافة في الجامعة تؤدي دورًا حيويًا ليس فقط في تدريس اللغات والثقافات، بل في تأهيل كوادر مؤهلة لتعزيز التواصل الفعّال والتفاعل المجتمعي، مشيرًا إلى أن اللغة هي أداة أساسية لتعبير الدول عن هويتها، موضحًا أن هناك روابط وثيقة بين الهند ودول الشرق الأوسط منذ قرون مضت من حيث اللغة والثقافة، فالترجمة تسهم إسهاما بارزًا في تعزيز العلاقات بين الدول.

يذكر أن جلسات المؤتمر (حضوريًا وافتراضيًا) تناولت محاور متنوعة، من أهمها: أهمية الترجمة ونظرياتها وتقنياتها؛ والتحديات في الترجمة من اللغة المصدر إلى اللغة الهدف؛ واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الترجمة؛ ودور بيت الحكمة في إثراء الثقافات عبر الترجمة؛ والنصوص الهندية المترجمة إلى العربية؛ والنصوص العربية المترجَمة إلى اللغات الهندية؛ والترجمة والأدب العالمي؛ ودور الترجمة في بناء الجسور بين الثقافات والمجتمعات؛ ومستقبل المترجمين الهنود في مجال الترجمة بين العربية والإنجليزية وبالعكس؛ وفرص العمل في مجال الترجمة داخل الهند وخارجها؛ وأثر أدوات الترجمة الآلية على مستقبل الترجمة كمهنة.

وعلى هامش أعمال المؤتمر، تم تدشين العدد الجديد (11) من مجلة "دراسات عربية" وهي مجلة سنوية محكمة يصدرها مركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو. ويضمّ العدد 25 مقالة علمية تتطرق إلى المواضيع الإسلامية واللغوية والأدبية والنقدية والفكرية والثقافية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المجلة بدأ صدروها في عام 2014م، ومنذ ذلك الحين تستمر في الصدور بانتظام.

كما تم تدشين العدد الثاني من مجلة "الينبوع" التي يصدرها النادي العربي التابع للمركز سنويا، والذي يتضمن مقالات وحوارات وإبداعات أدبية لطلاب وطالبات المركز إلى جانب بعض المواد التي قام بإعدادها طلاب أقسام اللغة العربية بالجامعات الأخرى في الهند. يُذكر أن العدد الأول من مجلة "الينبوع" ظهر إلى حيز الوجود في ديسمبر عام 2023م بفضل جهود مخلصة يبذلها الطلبة المتحمسون والمتميزون في المركز في مجال خدمة اللغة العربية.