زر نغار
مدرسة "جامعة الصالحات" بمدينة رامفور في ولاية أترابراديش للهند، مؤسسة فريدة من نوعها، وتُعدّ أول مؤسسة للتعليم الديني العالي للبنات في شمال الهند.حيث تؤدي دورًا فعّالاً في الترويج لتعليم المرأة في المجتمع الإسلامي في شبه القارة الهندية. وتجمع هذه المدرسة بين التعليم الإسلامي التقليدي ومتطلبات التعليم الأكاديمي الحديث، مما يتيح الطالبات فرصًا تعليمية ومهنية، مع الحفاظ على الهوية الإسلامية والقيم التقليدية.
تتمتع جامعة الصالحات بهوية متميزة وشهرة عالمية، حيث تستقبل الطالبات من مختلف أنحاء البلاد للالتحاق بها. وحتى الآن، قد تخرّجت في الجامعة 4806 عالمة و1798 فاضلة. وبعد التخرج في الشريعة الإسلامية أو التخصص في أحد المجالات الإسلامية، تعمل خريجات الجامعة في مجال الدعوة وتدريس النساء والفتيات المسلمات، وفي إصلاح المجتمع في مناطقهن المختلفة.
وفي عام 1956م، أُسّست مدرسة للبنات بمدينة رامْفُور في ولاية أترابراديش. وسميت آنذاك باسم "بچیوں کا مدرسہ" (مدرسة الفتيات الصغيرات). وقد تم تعيين مولانا عبد الحي كأول مدير لها. ثم في 17 سبتمبر 1972م، انعقد مؤتمر برئاسة الشيخ أبي الليث الإصلاحي الندوي في رامبور. وتقرر تحويل هذه المدرسة الصغيرة إلى مؤسسة إسلامية. وفي نوفمبر 1972م تم إطلاق برامج العالمية و الفضيلة رسميًا. وأطلقت على هذه المؤسسة اسم "جامعة الصالحات".
وقد انتخب توصل حسين الصديقي رئيسًا للمؤسسة عام 1987م بعد وفاة المدير الأول. و بعد أن توفي، قد تولى إدارتها مولانا محمد يوسف الإصلاحي الكاتب، الشهير بكتابه "آدابِ زندكي" وبكتبه الدينية الأخرى بالأردية، والخطيب البارز والباحث الإسلامي ذو السمعة الطيبة الذي قادها بروح من التفاني و الإخلاص لهذه المدرسة و النهوض بها طوال حياته. وتحت رئاسته قد حققت هذه المدرسة إنجازات كبيرة وبلغت سمعتها آفاقًا جديدة. وقد استمر يوسف الإصلاحي في عطائه حتى وفاته في شهر ديسمبر عام 2021م. وبعد وفاة مولانا محمد يوسف الإصلاحي، تم انتخاب ابنه الأكبر الدكتور سلمان أسعد، رئيسًا إداريًا لمؤسسة جامعة الصالحات.
ميزات جامعة الصالحات بين التقليد والحداثة
تعليمها الشامل: هذه المدرسة كمؤسسة تعليمية تجمع بين الأصالة والحداثة، وتمكّن طالباتها من تحقيق أهدافهن الأكاديمية والمهنية، وتجمع بين الدراسات الإسلامية التقليدية من القرآن الكريم، والحديث النبوي، والفقه إلى المواد الحديثة مثل الرياضيات، والعلوم العامة، والعلوم الاجتماعية، واللغات العربية والإنجليزية والهندية والأردية، والعلوم المنزلية، لتمكين الطالبات من اكتساب المهارات التي تؤهلهن لمواجهة تحديات الحياة اليومية في المجتمع المعاصر.
دمج القيم الإسلامية مع التخصصات العصرية: بجانب برامج العالمية والفضيلة توفر هذه المدرسة برامج مهنية مثل البكالوريوس في إدارة الأعمال، والبكالوريوس في علم الحاسوب، بالتعاون مع جامعة همدرد بنيو دلهي. ويعكس هذا النهج التوازن الفريد بين التعليم الديني التقليدي ومتطلبات العصر الحديث وينفي الفكرة السائدة بين الناس أن المدارس الدينية ترفض الحداثة أو أنها تحمل موقفًا معارضًا للتطور العلمي والتقني للطلاب والطالبات، وتُثبت مدرسة جامعة الصالحات قدرتها على دمج القيم الإسلامية مع التخصصات العصرية، لتقديم تعليم شامل ومتوازن.
توجيه الطالبات نحو القيم الإسلامية: توجه هذه المدرسة طالباتها إلى أسس العقيدة الإسلامية الصحيحة وترشدهن إلى الالتزام بمبادئ الإسلام وقيمه.
البنية التحتية: على عكس الصورة النمطية للمدارس الدينية القديمة، تتمتع هذه المدرسة ببنية تحتية حديثة تشمل مبان منفصلة للسكن والتعليم، وفصول دراسية جديدة مجهزة بطاولات ومقاعد مناسبة تسهل عملية التعلم، ومهاجع واسعة بمرافق صحية.
الأنشطة التعليمية الثقافية: تشجع الطالبات على المشاركة في كتابة المقالات، ومسابقة الخطابة، والمسابقات الرياضية لتنمية الثقة والمهارات التواصلية، وتُقام هذه الأنشطة ضمن إطار إسلامي.
تعليم اللغة العربية: تعتمد اللغة العربية كلغة أساسية للتدريس في المواد المتعلقة بالقرآن الكريم، والحديث الشريف، والفقه الإسلامي في المرحلة العليا، نظرا لتمكُّن الطالبات من فهم النصوص الدينية بشكل دقيق.
الاعتراف بها من قبل الجامعات الحكومية: هذه المدرسة معترف بها من قبل العديد من الجامعات الهندية المرموقة مثل الجامعة الملية الإسلامية وجامعة علي كراه الإسلامية، وجامعة حيدر آباد وغيرها. وهذه الجامعات الحكومية تفتح أمام خريجات هذه المدرسة آفاقًا واسعة لمتابعة التعليم العالي والانخراط في مسارات مهنية متنوعة.
التأثير الأوسع لجامعة الصالحات في المجتمع
تبرز جامعة الصالحات في شمال الهند كمدرسة دينية شهيرة مكّنت العديد من الفتيات المسلمات على متابعة التعليم والمهن مع الالتزام بالقيم الإسلامية. وتُقدّم نموذجًا يُحتذى به للمدارس الدينية الأخرى، وتثبت أن المؤسسات التقليدية يمكن أن تسير حسب متطلبات التعليم الحديث دون المساس بمبادئها.وتُعنى جامعة الصالحات بتعليم العلوم الإسلامية وترسيخ القيم الإسلامية مع تقديم برامج أكاديمية تُركّز على العلوم الحديثة وتعليم اللغات الأخرى الوطنية لطالباتها. وتبذل جهودها المستمرة في إعدادهن متعلمات وواعيات بثقافتهن وتراثهن.
ولها تأثير إيجابي كبير في المجتمع، ومن أبرزها:
تعزيز دور المرأة المتعلمة: تمنح المدرسة للبنات فرصًا للحصول على تعليم في بيئة آمنة كما تمنحهن الثقة والمهارات اللازمة للمشاركة في المجتمع بشكل فعّال، سواء في المجالات التعليمية، أو الاجتماعية، أو حتى في العمل. وتصبح المرأة المتعلمة قادرة على المشاركة في القضايا الاجتماعية وتقديم حلول للتحديات المحلية المعاصرة.
نشر الوعي الديني والثقافي: بفضل التركيز على العلوم الإسلامية والدراسات العربية، تُعدّ المدرسة فتيات واعيات بثقافتهن ودينهن، وقادرات على نقل هذه القيم إلى أسرهن ومجتمعاتهن.
تشجيع الجيل القادم: تقدّم هذه المدرسة نموذجا للمرأة المتعلمة والمتمكنة، وهذا النموذج يعزز الرغبة لدى الفتيات الأخريات في المجتمع، في متابعة التعليم العالي.
دعم الاستقلال المالي: يمنح التعليم الأكاديمي الفتيات المهارات والمعرفة التي قد تساعدهن في الحصول على وظائف أو المشاركة في مجالات البحث والتعليم. فتعمل الكثير من خريجات جامعة الصالحات موظفات في الجامعات الحكومية والمدارس العامة مع المدارس الدينية وفي الشركات الأهلية.
إنتاج جيل واعٍ ومتعاطف: المرأة المتعلمة تقوم بتربية أطفال واعية. والأطفال الذين ينشأون في كنف أم متعلمة يتمتعون بفوائد عديدة، منها تحسين مهاراتهم التعليمية وتعزيز تقديرهم لأهمية العلم والتعليم.
نشر ثقافة التسامح والتفاهم: هذه المدرسة تعنى بتعليم العلوم الدينية بشكلٍ متوازن تُشجع على التسامح والتعايش، وتشكّل مجتمعا أكثر تفاهمًا وقبولًا للاختلافات في العقيدة واللغة والطبقة.
التفاعل الاجتماعي: توفر هذه المؤسسة فرصًا للأنشطة الاجتماعية والتفاعل المجتمعي من خلال الفعاليات الثقافية والتعليمية، والندوات. وتساهم في تحسين الوعي العام وتقديم مساهمات إيجابية للمجتمع.
اقرأ أيضًا: تمكين المرأة المسلمة لا يشكل تهديدا للدين
وبالجملة، تساهم جامعة الصالحات في دعم وإصلاح المجتمع بتعليم البنات وتمكين المرأة، وتحقيق تنمية شاملة تستهدف الأفراد والعائلات والمجتمع ككل لأنه في الحقيقة تؤدي المرأة المتعلمة دورًا محوريًا في بناء المجتمعات. فتمكين المرأة من خلال التعليم لا يقتصر على تنمية قدراتها الشخصية والمهنية فحسب، بل له دور مهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات. وتبذل هذه المدرسة جهودها في تحقيق الأهداف الواسعة لتمكين المرأة والارتقاء الاجتماعي. فتعدّ مسيرة هذه المدرسة شاهدًا على إمكانات التعليم الشامل ضمن الأطر الدينية.
الدكتورة زر نغار هي أستاذ مساعد بمركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو بنيودلهي