نيودلهي
لكل روائي سماته التي يتميز بها عن غير الروائيين، فيبدو أن حنا مينة أيضًا من هؤلاء الذين بنوا لأنفسهم عالما مميزا بكل حيثياته، اندمجت فيه تجاربه، وكانت هذه التجارب تظهر بشكل وضوح في رواياته إذ يتحسس قراء رواياته تراثا ضخما بنى عليه الروائي عمله.
نكهة البحوث الجامعية في الهند
بدأ حنا مينة مسيرته الإبداعية منذ عام 1945م، إلا أن إنتاجه الأدبي تكاثف ابتداءً من 1969م، فهو طوال 16 سنة يعني حتى عام 1986م ألف ثمانية عشر كتابا، منها ثلاث عشرة رواية، ومجموعتين قصصيتين وخمسة مؤلفات نقدية، أي أنه ألف كتابا في سنة. إنه ألف أكثر من أربعين رواية عبر حياته، ولذا يحلو للنقاد والباحثين في الأدب العربي أن يعدوا حنا مينة أبرز اسم بعد نجيب محفوظ على خارطة الرواية العربية المعاصرة.
قدم هذه الدراسة بعنوان "القضايا الاجتماعية والسياسية في روايات حنا مينة: دراسة تحليلية لرواياته المختارة" لنيل شهادة الدكتوراه في الأدب العربي، محمد سلمان تحت إشراف الأستاذ الدكتور السيد حسنين أختر، إلى قسم اللغة العربية بجامعة دلهي، في أواخر عام 2023م، وتمت مناقشتها في أوائل عام 2024م.
أما ما يتعلق بالروايات التي اختارها الباحث لهذه الدراسة، فهي "المصابيح الزرق"، و"الشراع والعاصفة"، و"بقايا صور"، و"المستنقع"، و"القطاف"، و"الشمس في يوم غائم"، و"الثلج يأتي من النافذة"، وثلاثية البحر (حكاية بحار، الدقل، المرفأ البعيد)، و"المرصد". وأما الروايات الأخرى للكاتب، فقام بالاقتباس من هذه الروايات في أمكنة عديدة من الدراسة عند الضرورة لتوضيح شيء ما.
تم تقسيم هذا البحث إلى مقدمة وأربعة أبواب (كل باب يحتوي على ثلاثة فصول) وخاتمة.
يأتي الباب الأول بعنوان "الصورة الخلفية" مشتملا على ثلاثة فصول؛ يسلط الفصل الأول "الأوضاع السياسية والاجتماعية في سورية الحديثة" الضوء باختصار على تاريخ سورية الحديثة، الذي يحتوي على أهم الأحداث السياسية التي شاهدتها سورية منذ استقلالها، إضافة إلى أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية خلال الحقبة المذكورة. وأما الفصل الثاني "الرواية في سورية: نشأتها وتطورها" فيستعرض نشأة الرواية في سورية وتطورها منذ البداية. فهذا الفصل يسلط الضوء على العرقلات التي حالت دون انتشارها إضافة إلى أهم الرواد في مجال الرواية الذين ساهموا في التغلب على الصعوبات ونشر فن الرواية بين مختلف أنحاء البلد العربي السوري. ويتعلق الفصل الثالث "التيارات الحديثة في الرواية السورية" بأهم التيارات الحديثة التي سادت الرواية السورية بسبب وجود المؤسسات والنوادي الأدبية وتبادل الأفكار والآراء بين الكتاب.
ويتكون الباب الثاني المعنون بـ"حنا مينة كروائي" من ثلاثة فصول؛ فيسلط الفصل الأول "حنا مينة: حياته ونشأته" الضوء على نشأة حنا مينة والصعوبات التي واجهتها عائلته منذ طفولته. كما يتحدث هذا الفصل باختصار عن كل ما شاهد المجتمع من فقر وعناء وصعوبة وصراع بين الطبقات بسبب الاستعمار والثورات والمعارك التي نجمت من الاستعمار. وأما الفصل الثاني "إنتاجات حنا مينة الأدبية" فيستعرض أعمال حنا مينة الأدبية المختلفة بما فيها القصة والرواية والمقالات وغيرها. والفصل الثالث "الكتابة الروائية عند حنا مينة" يسلط الضوء على الأنماط والأساليب التي استخدمها حنا مينة في رواياته المختلفة، ويستعرض هذا الفصل أيضًا رواياته السيرة ذاتية، واتجاهه الروائي والخصائص الفنية لرواياته العديدة.
ويحتوي الباب الثالث الموسوم بـ"القضايا الاجتماعية في روايات حنا مينة" على ثلاثة فصول؛ فيبدأ الفصل الأول "البحر في روايات حنا مينة" بدراسة صورة البحر في العديد من أنواع الأدب العربي بما فيه الشعر والرحلات والقصص والرواية وغيرها. كما يهتم هذا الفصل باستعراض صورة البحر في روايات حنا مينة المختلفة، بالإضافة إلى البحث في المصادر التي استقى منها الكاتب نصوصه الروائية، واستخدامه البحر كرمز للأشياء العديدة كالعشق والانتقام والجمال والحرية وغيرها. وأما الفصل الثاني "المرأة في روايات حنا مينة" فهو يتحدث بشأن وضع المرأة في روايات حنا مينة. كما يستعرض هذا الفصل الصعوبات والمشاكل التي تواجهها المرأة في المجتمع السوري خاصة والمجتمع العربي/الشرقي عامة. ويصور الفصل الثالث "الصراع الطبقي والدين في روايات حنا مينة" فهذا الفصل يهتم بالفروق الطبقية بين المجتمع السوري التي سادت بسبب الاستعمار والجهالة. كما يصور الأبطال الشعبية لرواياته وإحساسهم بضرورة تغيير الأوضاع السائدة ونضالهم ضد الرموز الإقطاعية الغنية.
وأما الباب الرابع والأخير "القضايا السياسية في روايات حنا مينة" فهو أيضًا يتألف من ثلاثة فصول؛ فيختص الفصل الأول "الاستعمار الفرنسي في روايات حنا مينة" بدراسة الاستعمار الفرنسي وتأثيره السلبي على المجتمع السوري/العربي. كما يلقي هذا الفصل الضوء على مسيرة حنا مينة الكفاحية والنضالية السياسية، إضافة إلى مساهمة المجتمع السوري وأفراده في مقاومة النضال ضد الاستعمار ومناصريه. بينما يقدم الفصل الثاني "الحرب والتنظيم السياسي في روايات حنا مينة" صورة الحروب في رواياته المختلفة، التي يثبت أن الحرب أدت إلى المعاناة والويلات ليس في حياة الكاتب فحسب، بل في حياة أفراد الشرائح المختلفة في المجتمع السوري بمن فيهم العمال والبحار والتجار وحاملي البضائع والحلاقين وغيرهم. وإضافة إلى ذلك، يصور هذا الفصل الكتلات الوطنية والشعبية أو التنظيم السياسي التي تألفت من أجل مناصرة الطبقات الكادحة والتي تهدف إلى ظهور وطن جيد والدفاع المشترك عن الأراضي السورية والحماية عن حقوق المواطنين وغيرها من الأهداف السامية. وأما الفصل الثالث "السجن، والثورة، والقومية العربية في روايات حنا مينة" فهو يختص بدراسة السجن الذي واجهه أبطال حنا مينة بممارساتهم السياسية أو الاجتماعية بالإضافة إلى صورة السجون وتجربتها القاسية والتعذيب والشتائم والتفتيش بأسلوب هجمي الذي تعرض لها أبطال هذه الروايات. إضافة إلى ذلك، يتحدث هذا الفصل عن اهتمام الكاتب بالقضايا القومية والوحدة العربية. فهو يلقي الضوء على انفصال لواء إسكندرون وضمه إلى تركيا، ومشاركة الكاتب في المظاهرات ضد فرنسا، وإرادته لتأليف النقابة في المرفأ، إضافة إلى تمني أبطال رواياته إلى تحرير فلسطين من إسرائيل والإمبرالية العالمية والولايات المتحدة التي يعتقد الكاتب بأنها هي التي تساعد إسرائيل في حربها ضد العرب.
وانتهى البحث بـ"الخاتمة" أوجز الباحث فيها أهم النتائج التي توصل إليها، وقائمة أسماء المصادر والمراجع.
اقرأ أيضًا: الاستشراق البريطاني بالهند وأعماله باللغة العربية