لوحات مادهوباني: شكل فني رائع من منطقة ميثيلا

Story by  Prof. Mujeebur Rahman | Posted by  M Alam | Date 08-07-2024
لوحات مادهوباني: شكل فني رائع من منطقة ميثيلا
لوحات مادهوباني: شكل فني رائع من منطقة ميثيلا

 

أ.د. مجيب الرحمن

تُعد رسومات أو لوحات مادهوباني، المعروفة أيضًا باسم رسومات ميثيلا، شكلاً من  من أشكال الفن الهندي التقليدي الذي نشأ في منطقة ميثيلا في ولاية بيهار، إحدى ولايات الهند، منذ زمن قديم. ويتميز هذا النمط الفريد من الرسم بألوانه النابضة بالحياة وأنماطه المعقدة وموضوعاته التي تدور حول الأساطير والفولكلور والطبيعة. تاريخيًا، كانت النساء يعملن هذه الرسومات على جدران وأرضيات منازلهن كجزء من الممارسات المنزلية والطقوسية. ولقد اعتبرن الرسومات شكلاً من أشكال التفاني والتعبير عن حياة الفنانين اليومية ومعتقداتهم وطقوسهم.

ويقال إن لوحات مادهوباني تطورت في مدينة ميثيلا القديمة، مسقط رأس سِيتا، ابنة الملك جاناك. ويقال إن الملك كلف أحد الفنانين بإعداد اللوحات لإحياء ذكرى زفاف ابنته سيتا من راما، ملك أيودهيا. وما زال الفن يحقّق ازدهارًا باعتباره فنًا منزليًا يمثّل عادات وممارسات اجتماعية بشكل أساسي. ولكن نظرًا إلى الطلب المتزايد على هذا الشكل الفني، بدأ الفنانون يرسمون على اللوحات والورق والمواد الأخرى. وتمنحنا المنشورات والصور الفوتوغرافية والأفلام التعليمية التي أعدها "إي موسر شميت" وصفًا حيًا للموضوعات والتقنيات والخلفيات الاجتماعية لرسومات مادهوباني. ومن الناحية الفلسفية، تعد رسومات مادهوباني تقليدًا حيًا يعتمد على مبادئ الثنائيات، حيث تعمل الأضداد في الثنائيات - ليلاً أو نهارًا أو الشمس أو القمر، وما إلى ذلك. فهي تمثل عالمًا شموليًا، مغمورًا بالآلهة، والشمس والقمر، والنباتات والحيوانات، من بين أشياء أخرى. ويتضمن أيضًا رموزًا من البوذية ورموز التانترا والتصوف الإسلامي والهندوسية الكلاسيكية، وبالتالي فإن لوحات ميثيلا ليست مجرد شكل من أشكال الفن ولكنها إرث ثقافي ثري ومميز يعكس روح المنطقة بشكل خاص وروح الهند بشكل عام.

التقنيات والمواد

تُنجز رسومات مادهوباني تقليديًا باستخدام الأصباغ الطبيعية والأصباغ المشتقة من النباتات والمعادن والمصادر الطبيعية الأخرى. وعلى سبيل المثال، يتم الحصول على اللون الأسود من سخام المصابيح، والأحمر من لحاء شجرة البيبال، والأخضر من الأوراق، والأصفر من الكركم. ويستخدم الفنانون فرشًا مصنوعة من أعواد الخيزران أو حتى أصابعهم لوضع هذه الألوان. وتُرسم اللوحات عادةً على ورق أو قماش أو قماش مصنوع يدويًا، على الرغم من أنها تُرسم تقليديًا على جدران المنازل.

وتبدأ العملية برسم الخطوط العريضة باستخدام عجينة مصنوعة من مسحوق الأرز. وبمجرد اكتمال المخطط التفصيلي، يتم ملؤه بألوان نابضة بالحياة. ويكمن تميز لوحات مادهوباني في أنماطها المعقدة واستخدام الأشكال الهندسية لتصوير مواضيع مختلفة. وغالبًا ما تمتلئ الخلفيات بأنماط تفصيلية، ولا تترك أي مساحات فارغة، وهي السمة المميزة لهذا الشكل الفني.

المواضيع والزخارف

تتنوع مواضيع لوحات مادهوباني، وتتضمن العناصر الدينية والاجتماعية والطبيعية. وكثيرًا ما يتم تصوير آلهة الهندوس مثل كريشنا، وراما، ودورجا، وساراسواتي، مما يعكس المشاعر الدينية العميقة في المنطقة. كما أن رسم مشاهد من ملاحم مثل رامايانا وماهابهاراتا ميزة شائعة أيضًا في لوحات مادهوباني.

وتشكل الطبيعة الموضوع الأبرز في لوحات مادهوباني. وغالبًا ما يتم رسم الأشجار والزهور والطيور والحيوانات بتفاصيل رائعة وأهمية رمزية. كما تظهر الشمس والقمر والأجرام السماوية المختلفة، مما يدل على أهميتها في الحياة الريفية في منطقة ميثيلا.

كما تحظى المشاهد الاجتماعية التي تصور الحياة اليومية والمهرجانات وحفلات الزفاف بشعبية كبيرة. وغالبًا ما تجسد هذه اللوحات جوهر الممارسات الثقافية والقيم الاجتماعية للمجتمع. ويُظهر تصوير مشاهد البلاط والمواكب الملكية والاحتفالات التراث الثقافي الغني لميثيلا.

الرمزية والأسلوب

إن لوحات مادهوباني مشبعة بالرمزية حيث يحمل كل عنصر في اللوحة دلالة أعمق. وعلى سبيل المثال، ترمز السمكة إلى الخصوبة والرخاء، بينما ترمز زهرة اللوتس إلى الألوهية والنقاء. واستخدام الألوان النابضة بالحياة أيضًا يحمل أهمية رمزية؛ على سبيل المثال، يرمز اللون الأحمر إلى القوة والنقاء، بينما يشير اللون الأصفر إلى المعرفة والتعلم.

ويمكن تصنيف أسلوب رسم مادهوباني بشكل عام إلى خمس فئات: بهارني، وكاتشني، وتانتريك، وجودنا، وكوهبار. ويشتهر أسلوب بهارني بألوانه النابضة بالحياة وتصويره للآلهة الهندوسية، بينما يتميز أسلوب كاتشني بأعماله الخطية المعقدة وموضوعاته أحادية اللون. ويتضمن أسلوب التانتريك تصوير رمزية التانترا، ويشير جودنا إلى أنماط الوشم، ويرتبط كوهبار برموز الزواج والخصوبة.

الأهمية الثقافية وإحياء الفن في العصر الحديث

لا تعد لوحات مادهوباني مجرد شكل فني ولكنها في الواقع جزء حيوي من الهوية الثقافية لمنطقة ميثيلا. ولقد كانت لوحات ميثيلا وسيلة تعبّر من خلالها النساء، اللاتي كن فنانات أساسًا، عن إبداعهن، وسرد قصص من حياتهن وأساطيرهن. ولقد أدّى هذا الشكل الفني أيضًا دورًا حاسمًا في الاحتفالات الاجتماعية والثقافية، والاحتفاء بالأحداث والمهرجانات المهمة.

وفي السنوات الأخيرة، شهدت لوحات مادهوباني انتعاشًا وحقّقت شهرةً دولية. ويمكن أن تعزى هذه النهضة إلى الجهود الحثيثة التي بذلتها مختلف المنظمات والأفراد الذين عملوا على تعزيز هذا الشكل الفني التقليدي والحفاظ عليه، كما قامت الحكومة الهندية، إلى جانب العديد من المنظمات غير الحكومية، بدور فعال في توفير منصات لفنّاني مادهوباني لعرض أعمالهم على المسرح الوطني والدولي.

ولقد قام فنّانو مادهوباني المعاصرون بتكييف الموضوعات والتقنيات التقليدية مع السياقات المعاصرة، كما قاموا بتوسيع نطاق اللوحة ليشمل عناصر مثل الساري الهندي والوشاح والديكور المنزلي وحتى العناصر المساعدة مثل الوقايات والصواني. ولقد ساعد هذا المزيج من التقاليد والحداثة في الحفاظ على حيوية شكل الفن وملاءمته للمقتضيات الراهنة.

والفنانون العالميون يشيدون بالتقنيات التقليدية المستخدمة في لوحات مادهوباني، مثل استخدام الأصباغ الطبيعية والأنماط الدقيقة المرسومة يدويًا، وهم منبهرون بطريقة انتقال هذه التقنيات عبر الأجيال، كما يقدرون الثراء الثقافي والرمزية العميقة لهذه الفنون التي تقدم لمحة فريدة عن التراث الثقافي لمنطقة ميثيلا.

اقرأ أيضًا: صناعة الخيزران في الهند واستخدامه المتنوع

هذا ويستلهم بعض الفنانين المعاصرين من لوحات مادهوباني ويضمّنون أنماطها المميزة في أعمالهم، مما يخلق تعبيرات فنية ديناميكية ومبتكرة تمزج بين التقليدي والحديث. كما يشيدون بالدور الذي تلعبه هذه الفنون في تمكين المرأة الهندية الريفية ومنحها منصة للتعبير عن نفسها وكسب الإعجاب والتقدير.

وإن لوحات مادهوباني تشهد تواجدًا متزايدًا في المعارض الدولية، مما يعزّز التعاون الثقافي ويبرز العالمية في التعبير الفني. ويؤكّد الفنانون والنقاد العالميون على ضرورة وأهمية الحفاظ على الفنون الأصلية مثل لوحات مادهوباني ودعمها في مواجهة التحديث والعولمة لضمان استمرارها وتطورها.

أ. د. مجيب الرحمن هو رئيس مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي