الساري البنارسي التقليدي فن رائع للنول والتطريز

Story by  Dr. Quamer Shaban | Posted by  M Alam | Date 24-07-2024
الساري البنارسي التقليدي فن رائع للنول والتطريز
الساري البنارسي التقليدي فن رائع للنول والتطريز

 

د. قمر شعبان

المهرجانات؛ زواج، وعيد ميلاد، وذكرى سنوية، واحتفاليات خاصة، والأعراس، والمناسبات، والافتتاحيات، والترويجات السينمائية، بالنسبة إلى المرأة الهندية، ولاسيما المرأة من الطبقة العليا، والساري البنارسي الحريري الأصيل كل ذلك جزء لا ينفك بعضه عن بعض؛ مهما كان سعرالساري، فإن الساري البنارسي الحريري هو العمدة، والزينة، والتفاخر، والتباهي، والموضة مجتذبا أنظار المرأة مع هيمنة تطريزه وبريقه على فعاليات كل هذه المهرجانات. والساري البنارسي -على حد تعبير بعض الواصفين- هو ملكة شتى أنواع الساريات المنسوجة في بقاع الهند المختلفة، فهو، حقًا، مهوى أفئدة الرجال والنساء.

النول والتطريز

إن العنصر الرئيس في الساري البنارسي هو نمط النسيج والتطريز والزركشة، الذي له أطر شتى، وخطط منوعة. ويقول عبد الله الأنصاري أحد المشتغلين بالأنوال اليدوية والكهربائية ومالكيها: "إن هذه الأطر والخطط هي السر الأساسي لقيمة هذا الساري الجمالية والفنية والنسيجية إلى جانب الحرير والكتان الخاصين والأسلاك الذهبية والفضية المستخدمة التي يعتمد عليها الاقتصاد الهائل لتجارته".

وينسج الساري الحريري البنارسي على طريقتين ممتعتين ومدهشتين؛ الطريقة الأولى هي طريقة البعثرة، والطريقة الثانية هي طريقة الجر أو ما تشبه طريقة الشد المنتظم طولاً وعرضًا. وطريقة البعثرة تدعى في اللغة المحلية البنارسية بـ"فِيكوا"، وهي عبارة عن نشر الخيوط الحريرية والكتانية والأسلاك الذهبية والفضية باليدين يمنة ويسرة على نمط وإطار محددين له، وهذه العملية من العمليات الدقيقة واللطيفة التي لا يتمكن من ممارستها إلا الخبير النحرير في نسيج الساري البنارسي. وطريقة الجر هي حياكة الخيوط الحريرية والكتانية والأسلاك الذهبية والفضية طولاً وعرضًا على النول اليدوي أو الكهربائي، إذا كانت الحياكة طولا (تانه-هو سدة الثوب) بـ"زري" (الأسلاك الذهبية والفضية) وعرضا (بانه-هو لحمة الثوب) بالخيوط الحريرية فهو الساري البنارسي الحريري التقليدي الأصيل، الذي يعرف عالميًا بهذا المسمى. ولا يمكن التغاضي عن الأطر والخطط المصيغ عليها الساري طوال عملية النول والنسيج والتطريز التي تستغرق على الأنوال اليدوية من خمسة عشر يومًا إلى ثلاثة شهور تقريبًا، وفي الأنوال الكهربائية من يوم إلى أسبوع وفق دقة الأطر والخطط وتعقيدها في إعداد ساري واحد.

الممثلة أنوشكا شارما ترتدي الساري التقليدي من باناراسي مصنوع يدويًا (الساري من إبداع مصممة الأزياء سابياساشي موكيرجي من فاراناسي) وذلك خلال فعاليات الاحتفال بزفافها على لاعب الكريكيت الهندي فيرات كوهلي

أنواع الساري البنارسي 

أثَّر التقدم الآلي والتكنولوجي الهائل في نسيج الساري، وأنواعه التي هي نتاج الأنوال الكهربائية التي لا يمكنها أن تساوي الساري الحريري المنسوج بالأنوال اليدوية في الروعة والبهاء والشموخ والتطريز والأناقة والزركشة إلا أن التكنولوجيا تسهل العمليات الصناعية؛ وعلى هذا، لقد تغيرت النوعية والكيفية والقيمة الجمالية أيضًا، وظهرت في الأسواق من منتجات النساجين البنارسيين ساريات على مسميات مختلفة لاختلاف الأطر والأنماط والخطط والمواد المستخدمة، ومن أجدر هذه المسميات بالذكر: ساري الأورجانزا، وساري الكهدِّي، وساري سيفون، وساري تشوندري، وساري الطيشو، وساري جنغله، وساري ايكهري (أحادي) وساري دوهري (ثنائي) وساري القلم.

ويقول الخبراء إن الإحساس الذي تحس به المرأة في ارتداء الساري البنارسي الحريري اليدوي تفقده في ارتداء الساريات المنسوجة بالأنوال الكهربائية أو الآلية. وإن أسعار الساري البنارسي التقليدي تتراوح في الأسواق العالمية في الهند وخارجها من خمس مئة دولار إلى خمسة أو ستة آلاف دولار، بينما الساريات العادية يمكن شراؤها في الأسواق الهندية بعشرة دولارات إلى مئة دولار وفق نوعيتها ونسيجها وتطريزها وقماشها.

تصدير الساري البنارسي

تصدير جميع أنواع الساريات البنارسية المنسوجة بالأنوال اليدوية والكهربائية مع كل الأطر، والخطط والأنماط يصير على مستويين: التصدير على المستوى الدولي، والتصدير على المستوى الوطني؛ داخل البلاد تتصدر الساريات بكمية هائلة إلى ولاية بنغال الغربية؛ وسوقها الرئيسة هي كولكاتا، وولاية كيرالا التي لها العديد من الأسواق، والولايات الأخرى أمثال: آسام، ومانِيبُور، وتيلانغانا، وآندهرابراديش، وتاميل نادو. وأما المدن الهندية الكبرى أمثال: بنغالورو، وحيدرآباد، ومومباي، وتشيناي فهي من أهم أسواق الساري البنارسي في الهند، إضافة إلى تمركز الساري البنارسي في أسواق دلهي المختلفة.

وعلى مستوى العالم، وفق البيانات الأخيرة الصادرة في 17 يوليو 2024م لموقع فولذا (Volza.com)فإن البلدان الرئيسة الأكثر تصديرا للساري البنارسي هي: الهند، والولايات المتحدة الأميركية، والإمارات العربية المتحدة؛ لقد صدَّرت الهند 5801 شحنة، وصدَّرت الولايات المتحدة الأميركية شحنةً واحدةً، بينما صدَّرت الإمارات العربية المتحدة أيضًا شحنةً في المرتبة الثالثة خلال هذه السنة. وعدد المصدرين الهنود من الأفراد وفق موقع فولذا نفسه 236 مصدرا، وعدد البائعين 2200 تقريبًا. ووفق البيانات لعام 2023م من أكثر البلاد المصدرة للساري البنارسي: الهند والنيبال، وخلال السنوات الخمس الماضية شوهدت تصديرات الساريات البنارسية المنسوجة من الحرير، والنايلون، والبوليستر، والقطن، والكتان مع البلوزات على الألوان الخضراء، والبنية، والقرنفلية، والزرقاء الداكنة، والرمادية، والفيروزية، والوردية الفاتحة إلى الصين، وأستراليا، والنيبال، وبنغلاديش، وموريشيوس.

وبالنسبة إلى تصدير الساري البنارسي إلى العالم العربي، لقد حاولت الاستطلاع فوجدت أن تصدير الساري البنارسي إلى العالم العربي شاذ ونادر، ماعدا التصدير إلى الإمارات العربية المتحدة، ومصر؛ وكان في الماضي تاجر كبير من مدينة بنارس اسمه اللورد صالح الذي كان يملك محلات الساري في مصر، وفي بعض البلدان الإفريقية.

وأعتقد أن انعدام عادة ارتداء الساري عامة في النساء العربيات هو السبب الرئيس في كساد أسواقه في العالم العربي، فالتصدير إلى الإمارات أو إلى بعض الدول العربية لا يعتمد إلا على المغتربات الهنديات أو البنغلاديشيات أوالنيباليات في تلك الدول، ولكن بفضل الأفلام الهندية بدأت النساء العربيات يعجبن بالساري البنارسي، ولربما يحظى بمكانة واسعة فيما بينهن في الأيام المقبلة عاجلاً أو آجلاً لجماله الفني، وروعته التطريزية، وزركشته النادرة، وشموخه فيما بين الملابس الفاخرة للنساء.

الحارات الناسجة في بنارس

ظلت الأنوال اليدوية والصناعة النسيجية تحت سيطرة النساجين والحرفيين المسلمين في بنارس منذ قديم الزمان، وعلى مر العصور تبوأت مكانة فيما بين غير المسلمين أيضًا، ولكن العدد الهائل للأنوال اليدوية والكهربائية ما زالت في حارات مسلمة، ومن أشهرها في هذه الصناعة حارات أمثال: مادان فوره، وعلائي فوره المتكونة من بيلي كوثي، وكاتشي باغ، وآزاد بارك إضافة إلى حارات جلالي فوره، وتشين فوره، وكوتوا، وباجار ديها، ولوهتا. وكبار المنتجين، والتجار، والوسطاء معروفون بمصطلحات أمثال: سردار صاحبان، وماه تو، وتهيكيدار (المتعهد)، وبعض من لهم اسم جميل في تجارته وتصديره في بنارس: تاج بابا، وعبد المتين أمباني (نسبة إلى موكيش أمباني المليار دير لتصاعده في مجال التصدير والتجارة للساري البنارسي في بنارس)، وهاند لوم هاؤس وما إلى ذلك.

اقرأ أيضًا: منسوجات تعكس التقاليد المتنوعة في الهند

وبالجملة، هذه هي قصة الساري البنارسي التقليدي المنسوج بالحرير والكتان والأسلاك الذهبية والفضية على الأنوال اليدوية والكهربائية بأطر وخطط وأنماط محددة ذي زهور وطيور وصور تحكي خلفية تاريخية واجتماعية ودينية وحضارية وثقافية خاصة تفتخر بها البلاد. ولكن من سوء الحظ بدأت الساريات البنارسية التقليدية تفقد اليوم أصالتها وشموخها لاستبدال الأنوال اليدوية بالأنوال الكهربائية، والمصانع، والماكينات الحديثة، ولارتفاع أسعار مواد الخام. وللتكنولوجيا أقوى الأثر في أساليب الحياة؛ تقلب الأشياء، وتقلب القيم؛ فقد بدأت تقلب الأساليب التقليدية الأصيلة لصناعة الساري البنارسي أيضًا.

د. قمر شعبان أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية بجامعة بنارس الهندوسية، فاراناسي، أترابراديش