تجديد "مسجد النور": حين تتحدث الحجارة بلغة الإيمان والإنسانية

16-04-2025  آخر تحديث   | 16-04-2025 نشر في   |  آواز دي وايس      بواسطة | آواز دي وايس 
الطابق السفلي من
الطابق السفلي من "مسجد النور" بعد تجديده

 

طارق أنور وملك أصغر هاشمي/ نيودلهي

يقع "مسجد النور" المعروف شعبيًا باسم "هاري مسجد" في شارع "نفيـس رود" بحي "باتلا هاوس" في جنوب شرق دلهي. وقد بُني المسجد قبل نحو 32 إلى 33 عامًا. ومنذ تأسيسه، يظل المسجد مركزًا روحيًا وعقائديًا لأهالي المنطقة. وهذه الأيام، تخطف الأنظارَ النقوش الدقيقة التي تزيّن جدران "مسجد النور"، إذ إن المسجد الواقع في حيّ مسلم نابض بالحياة، لم يَعُد مجرد دار عبادة الله وحده، بل تحوّل إلى معلم معماري بارز، ورمز للتناغم الإنساني الذي يتجاوز حدود الدين.

والمثير في هذه القصة أن من نفّذ هذا المشروع الفني البديع لم يكن مسلمًا، بل فريقًا من الحرفيين الهندوس من ولاية راجستان، بقيادة بابلو تشيرسيا وابنه فيفيك تشيرسيا. وتقول لجنة شؤون المسجد، إنهما لم يتعاملا مع المشروع كمجرد عقد تجاري، بل كعمل مقدس.

وعبّر بابلو تشيرسيا، صاحب شركة "راجستان ستون آرتيستس"، التي تولّت مهمة ترميم المسجد، عن امتنانه لله على إنجاز هذا "العمل المقدّس"، وقال: "الإنسانية هي أعظم الأديان. سواء أكان المكان مسجدًا أم معبدًا، فكلاهما بيت لله. هذا الإيمان هو ما يقود عملي".

وقد ساهمت شركته، منذ عام 2000م، في بناء وتجديد ما لا يقل عن 80 مسجدًا في مختلف أنحاء الهند. كما ساهم سابقًا في ترميم وبناء العديد من المساجد والمعابد والمعالم التاريخية في مدن مثل بُلندشهر وميروت في ولاية أتر برديش.

وأضاف تشيرسيا: "عندما بدأت العمل في ترميم وتزيين المساجد، حاول البعض ثنيي عن هذا العمل، لكنني لم أتراجع. وبالنسبة إلي، كل عمل أقوم به هو عبادة بحد ذاتها. فلا أرى الناس كمسلمين أو هندوس، بل أراهم بشرًا، وأؤدي عملي بإخلاص تام".

وقال لئيق أحمد، رئيس لجنة شؤون المسجد والمشرف على مشروع التجديد: "حين قررنا ترميم المسجد، كنت أبحث عن حِرفيين مهرة لفترة طويلة دون جدوى، حتى وجدت بابلو تشيرسيا. ولم أعتمد عليه فورًا، بل راقبت أعماله في بُلندشهر وميروت، وزرت أحد مشاريعه، وبعد مشاهدة مقاطع فيديو لأعماله السابقة، والإعجاب بحسّه الفني العميق، أُسندت إليه مهمة إعادة بناء المسجد".

وعلى مدار أحد عشر شهرًا، عمل فيفيك وفريقه بلا كلل، حيث جمعوا بين الحداثة والتقاليد في فنون النقش، والتصميم، والعمارة. وتزيّنت جدران المسجد بنقوش حجرية أنيقة، واختيرت الخامات والتقنيات بعناية فائقة، لا تُظهر لأي زائر من الوهلة الأولى أن ما يراه هو ثمرة إعادة إعمار، بل يبدو كتحفة معمارية أصيلة.

وأشاد لئيق بفريق العمل، وعلى رأسهم بابلو وابنه فيفيك، قائلًا: "عملوا بكل تفانٍ. وتجاوزت نفقاتهم الميزانية المتفق عليها، ومع ذلك رفضوا استلام أي مبلغ إضافي، لأنهم يعتبرون هذا العمل لخدمة بيت من بيوت الله. واكتفوا بالقول: "هذا عمل لمسجد، عمل للعبادة، وسآخذ فقط ما تم الاتفاق عليه سلفًا".

وقد أثّرت هذه الروح النبيلة في أعضاء اللجنة، فقرّروا من جانبهم تقديم مكافأة رمزية بقيمة 125 ألف روبية، تقديرًا لإخلاصه وتفانيه. ومع ذلك، ظل هذا التقدير المالي أقل بكثير من حجم الجهد والتفانِي الذي وضعه فيفيك وفريقه في هذا العمل، والذي سيبقى شاهدًا على إنسانية تتجاوز كل الحواجز.

وأشار لئيق إلى أنهم قدّموا تصاميم متعددة، وتم اختيار أحدها. وبصفته خبيرًا في البناء، أضاف توجيهات فنية خاصة ساعدت في تعزيز جودة التصميم النهائي، "ما أنجزوه فاق كل توقّعاتي، ليس فقط من حيث الجمال، بل من حيث المتانة أيضًا".

وتطرّق إلى أن الحي قريب من نهر يامونا، مما يجعل الجدران عُرضة للرطوبة. فطمأنه بابلو أن المواد المستخدمة وتقنيات التثبيت الحديثة ستجعل المسجد يصمد لأكثر من مئة عام.

ونُقشت الأحجار في راجستان ثم نُقلت إلى دلهي لتركيبها، وكل حرفي في الفريق بذل أقصى ما لديه. وأقام الفريق بالكامل في الموقع طيلة فترة المشروع، ووفّر لهم لئيق أحمد السكنَ والتسهيلات الممكنة.

وعن التقنية الجديدة التي استُخدمت، أشار لئيق إلى أن المسجد لم يكن يضم طابقًا سفليًا، ولكنه قد استعان بتجربته في السعودية، حيث بُنيت طوابق سفلية في أبنية قائمة مسبقًا. فشارك تلك الخبرة مع فريق بابلو، وساهم في إدخالها إلى تصميم المسجد الجديد، مؤكدًا "رغم أن المسجد يقع في حي مكتظ بالسكان، فقد نجحوا في بناء طابق سفلي متكامل الوظائف، وهذا إنجاز يُعدّ بالفعل جديرًا بالإعجاب".

وأضاف: "هذا النوع من الأعمال يتطلّب استخدام أدوات وتجهيزات خاصة، وقد طبّق بابلو وفريقه جميع التقنيات المعمارية المتقدّمة التي تُستخدم عادة في الدول المتقدمة".

اقرأ أيضًا: وادي الزهور - حديقة وطنية ساحرة

اليوم، وبعد أن كُشف الستار عن أعمال البناء، وظهر المسجد بحلّته الجديدة، لا يكفّ أهالي المنطقة عن الإشادة بجماله وروعة تصميمه. فقد أصبحت الواجهة الأمامية والتصميم الداخلي للمسجد من الجمال بحيث لا يضاهيه بناء آخر، حتى صار يُوصف بأنه "أجمل مسجد في المنطقة".

ويقع هذا المسجد أمام مدرسة "سَنْ رايز" في شارع "نفيس رود"، ويجذب أنظار كل من يمر من هناك بجاذبيته المعمارية وروحانيته البديعة.