تبريز أحمد
يُعد عيد الفطر استكمالاً للصيام وختامًا لشهر رمضان حيث يستقبل المسلمون اليوم الأول من شهر شوال بالفرح والابتهاج، احتفاءً بنعمة الله وشكرًا له. ويبدأ الاحتفال مع رؤية هلال شوال، بصفته إيذانًا بحلول العيد. ويُشكل عيد الفطر مناسبة ذات أهمية اجتماعية بارزة، إذ يوفر فرصة لتعزيز العلاقات الأسرية والروابط المجتمعية، مما يسهم في ترسيخ قيم التآخي والتضامن. كما يُعدّ هذا العيد مناسبة للتواصل والتسامح، حيث يتبادل الناس الهدايا والتهاني والزيارات، مما يعزّز روح المودة والتراحم، ويعكس البعد الإنساني والاجتماعي لهذه الاحتفالية الدينية. ويجسد هذا الاحتفال القيم الأخلاقية والإنسانية أيضًا حيث يؤدي الناس زكاة الفطر قبل صلاة العيد، للفقراء والمحتاجين لإشراكهم في الاحتفال بالعيد، مما يعزز الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين ويكرّس مبادئ العطاء والمساواة داخل المجتمع. وتتجلى هذه المظاهر بوضوح في العادات والتقاليد والمناسبات التي تُمارَس وتنظم يوم العيد في أنحاء الهند.
ورغم أن ظهور التقنيات الحديثة قلّل من الاهتمام الاجتماعي برؤية الهلال في المدن، فإن سكان القرى لا يزالون يولون لهذه العادة أهمية خاصة، لا سيما في ليلة التاسع والعشرين من رمضان، حيث حظي الهلال بمكانة الرمزية للرؤية المباركة ورؤية أحبّ ما تتوق إليه النفوس. وقد اتخذه شعراء الهند علامة للوصال بعد الفراق، مُجسّدين من خلاله مشاعر الشوق واللقاء المنتظر. فيقضي الناس ليلة العيد، أو كما تُعرف في الهند بـ"جاند رات"، في أجواء من الفرح والاستعداد، حيث تنشغل النساء برسم الحنّاء على أيديهن، بينما يكرّس الرجال وقتهم لتجهيز مستلزمات الاحتفال. وكل ذلك يخلق مشهدا يعكس الحماسة والبهجة.
وفي صباح يوم العيد، يتجه الرجال برفقة أبنائهم وأصدقائهم إلى المصليات والمساجد المخصصة لأداء صلاة العيد، مرتدين ملابس جديدة، اتباعًا للسنة النبوية التي تستحب التجمل في هذا اليوم المبارك. وفي الغالب يرتدون كرتا (القميص) وشلوار مع قلنسوات متنوعة. وفي الوقت ذاته، تنشغل النساء بتحضير الأطباق التقليدية الخاصة بالعيد. فيتم تحضير مختلف أنواع أطباق الشعيرية الهندية، حيث تتفنن الأسر في إعدادها وتقديمها إلى الزائرين كجزء من الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة. فبسبب ارتباط العيد بهذه المأكولات الحلوة، يشتهر عيد الفطر في الهند باسم "العيد الحلو" أو "ميتهي عيد" في اللغة الهندية، حيث تُعد الحلويات، وخاصة أطباق الشعيرية، جزءًا أساسيًا من الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة.
وبعد أداء صلاة العيد، يتبادل الجموع التهاني والتبريكات ويتعانقون بعضهم بعضا، ويندفع الصغار بحماس إلى المعارض التي تُعقد بهذه المناسبة، حيث ينتظرهم عالم من الترفيه والتسلية. ويجدون هناك الأراجيح بأشكالها المختلفة، والألعاب الكهربائية، والدمى، والسيارات الصغيرة، وغيرها من الألعاب التي تملأ الأجواء بالبهجة. وينفق الأطفال أموال "العيدية" التي يحصلون عليها من كبارهم، بحرية واستقلالية، فيشترون ما يرغبون فيه. وتُعد هذه الفعاليات فرصةً رائعةً لهم للاستمتاع والتفاعل مع أقرانهم. والجدير بالذكر أن الهنود من غير المسلمين هم الذين ينظمون هذه المعارض بمناسبة العيد عامةً. فبهذه الطريقة يشتركون ويتعانون في الاحتفال.
وتُعد العيدية من أبرز التقاليد والطقوس المرتبطة بالاحتفال بالعيد، حيث يمنح الكبار، مثل الأبوين والأجداد والأعمام والعمات والأخوال والخالات، مبالغ مالية للأطفال. وتُعتبر العيدية حقًا مُكتسبًا للأطفال والصغار، حيث ينتظرونها بلهفة مع قدوم العيد، لما تحمله من مشاعر البهجة والفرح. وتكتمل فرحة الأطفال حين تقترن العيدية بارتداء الملابس الجديدة. فتراهم يتباهون بأزيائهم الزاهية، ويهرعون إلى شراء الحلوى أو الألعاب بما حصلوا عليه من عيديات.
وتشهد هذه المناسبة فعاليات "عيد ميلن"، وهي تجمعات احتفالية يشارك فيها الناس من مختلف الانتماءات الدينية والثقافية، حيث يتبادلون التهاني، ويتعانقون، ويستقبلون بعضهم البعض بكلمات التهاني والتبريكات. كما يتذوقون الأطباق التقليدية الخاصة بالعيد. وتعكس هذه الفعاليات روح الفرح والتآخي، وتُجسّد قيم التعايش المشترك، إذ تتيح للناس فرصة للتواصل والتقارب، وتعزيز الروابط الاجتماعية، مما يجعل العيد مناسبة تجمع القلوب وتنشر أجواء المحبة والمودة.
وتقوم مختلف المؤسسات والأحزاب والجماعات بتنظيم فعاليات "عيد ميلن" على مستويات متعددة، حيث تتنوع هذه الفعاليات بين الاحتفالات العائلية والمؤسسية والشعبية والمناسبات الرسمية، ويشارك في بعضها شخصيات بارزة، مثل الرؤساء والوزراء. وهذا يعبّر عن روح التآخي والتعايش السلمي بين المواطنين، ويعكس قيم الوحدة والتنوع الثقافي.
فيُوفر عيد الفطر فرصة لزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران. ويُعد العيد وقتًا مثاليًا لأولئك الذين يسكنون بعيدًا عن منازلهم في المدن الكبيرة لطلب العلم أو طلب المعيشة، ولم تُتح لهم الفرصة لزيارة أهلهم لفترات طويلة، فينتهزون هذه المناسبة للسفر إلى ديارهم والاجتماع مع عائلاتهم.
اقرأ أيضًا: الحناء في الهند.. زينة العيد ورمز التعايش
ومن تقاليد العيد تبادل الهدايا والزيارات العائلية. وتبدأ هذه الزيارات عادةً بعد أداء صلاة العيد لا سيما في القري، ولكن في المدن الكبرى يقوم الناس بهذه الزيارات في المساء أو الليل، حيث يتبادلون التهاني. وتُعتبر هذه اللقاءات فرصة لتعميق الروابط العائلية وتجديد مشاعر الود بين الأجيال المختلفة.